قدمت الأكثرية الحاكمة الى الامانة العامة لمجلس النواب أمس عريضتها ضد رئيس الجمهورية العماد إميل لحود، ويرجح أن تقدم المعارضة عريضتها ضد رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، لتنطلق في ضوء ذلك “حرب عرائض” بين الطرفين تتغذى من التصعيد السياسي المتبادل بينهما الذي يغطي مرحلة من الوقت الضائع دخلتها البلاد مع توقف المبادرة العربية، في انتظار مبادرات جديدة ولا سيما منها تلك التي تحدث عنها رئيس مجلس النواب نبيه بري دون أن يدلي بتفاصيل. وتوقعت مصادر مطلعة أن ينطلق بري من عريضتي الاتهام بخرق الدستور لديه ليضع الجميع أمام مسؤولياتهم والانطلاق في مبادرة تقوم على بندي “الحكومة والمحكمة”. وكشفت أنه طلب من وزير العدل شارل رزق الذي زاره أول من أمس أن يعدل في مشروع المحكمة ذات الطابع الدولي الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وخصوصاً في البندين المتعلقين بالرئيس والمرؤوس والحصانات بما يجعلهما مقبولين لدى المعارضة التي تجد في الصيغة التي وضعا بها “هرطقة”. وقالت المصادر إن بري يرغب في تعديل لمشروع المحكمة يرضي فريقي السلطة والمعارضة ويفتح الباب أمام تأليف حكومة وحدة وطنية تكون حصة المعارضة فيها الثلث زائداً واحداً.
لكن اللافت أن الوزير رزق دعا في مؤتمر صحافي عقده امس إلى “الاستعجال في موضوع المحكمة ذات الطابع الدولي وإيجاد المخارج الممكنة لإقرارها”، وإذ أبدى خشيته من أن “عدم التوصل إلى الموافقة على نظام المحكمة بحسب الأصول الدستورية اللبنانية سيحمل المجتمع الدولي على النظر في إقرارها وفقاً للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة”، قال: كوزير عدل مسؤول عن هذا الملف، عليّ أن أضع الجميع أمام مسؤولياتهم، هذه قضية وطنية كبيرة علينا أن نجد لها الحل في ما بيننا، وإلا فأنا أخشى وأكرر أخشى أن يضطر مجلس الأمن والمجتمع الدولي الى أن يضعا يديهما عليها”. لكنه اضاف: “سأسعى بكل ما أعطيت من قوة لكي أجد السبل التي ستؤدي إلى اعتماده لبنانياً أولاً، وطبعا إن لم نستطع أن نفعل ذلك لبنانياً أخشى أن نضطر إلى القبول بوسائل أخرى”. وأكد أنه “بين الدولة اللبنانية والعدالة الدولية أفضّل طبعاً العدالة اللبنانية، ولكن بين اللاعدالة والعدالة الدولية أفضّل طبعاً وأنا أتحسر على العدالة اللبنانية، أفضل العدالة الدولية”.
بري يجري مراجعة شاملة
في غضون ذلك أكدت مصادر قريبة من الرئيس بري لـ“الأخبار” أنه انصرف امس الى مراجعة شاملة للأزمة ولمواقف مختلف الاطراف والاسباب التي أدت الى تعثر المبادرة العربية، وذلك تمهيداً لتركيز مبادرته وتدوير زوايا المواقف بحيث يطرحها وهو واثق من أنها ستحقق الاختراق المطلوب في جدار الازمة المسدود.
وذكرت هذه المصادر أن بري باشر التشاور مع زملائه من أركان المعارضة في شأن مبادرته، فيما لم يعرف بعد ما إذا كانت لديه قنوات اتصال مفتوحة مع فريق الأكثرية. وذكرت مصادر مطلعة على موقف لحود الذي تسلم من الرئيس سليم الحص نص مبادرته لحل الازمة، انه لا يتجه الى اصدار مرسوم يعتبر الحكومة مستقيلة لأنها في وضعها الحالي هي في حكم المستقيلة ويتعاطى معها على هذا الأساس.
عريضة... عريضتان
وكانت الأمانة العامة في مجلس النواب قد تسلّمت، أمس، عريضة أعدّها النواب القانونيون في حزب “الكتائب” وذيّلت بتواقيع 28 نائباً “أكثرياً”. وتطلب اتهام رئيس الجمهورية العماد إميل لحود بـ“خرق الدستور” بسبب عدم توقيعه على مرسوم دعوة الهيئات الناخبة في دائرة المتن الشمالي لملء المقعد النيابي الماروني الذي شغر باستشهاد النائب بيار الجميل.
وإذ أكد مصدر نيابي أن فريق الأكثرية لجأ الى هذه العريضة كـ“مخرج سياسي للمأزق الدستوري القائم”، وضمّنها جملة اتهامات للحود“بخرق للدستور” ولا سيما المواد 24 و41 و60 منه، قال النائب أنطوان غانم، باسم موقّعيها، إن لحود “ارتكب خرقاً واضحاً وفاضحاً، ولا سيما عدم دعوة الهيئات الناخبة كما تنصّ المادة 24 من الدستور”، ولفت الى أن العريضة تطالب بـ“ملاحقة رئيس الجمهورية بهذا الشأن”، آملاً أن تأخذ “مجراها الدستوري والقانوني في أقرب وقت ممكن”.
وقد جاءت عريضة “الأكثرية” في وقت يستعد فيه نواب المعارضة لتقديم عريضة خلال يومين الى مجلس النواب يطلبون فيها اتهام رئيس الحكومة فؤاد السنيورة بـ“خرق الدستور”، لنشره مرسوم إنشاء المحكمة ذات الطابع الدولي الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري في الجريدة الرسمية، مما أدّى الى خلق “هرطقة دستورية ومادة للابتزاز السياسي”، حسبما قال نائب معارض لـ“الأخبار”.
وقال عضو “تكتل التغيير والإصلاح” النائب نبيل نقولا لـ“الأخبار”، إن العريضة تستند الى المادتين 49 و50 من الدستور والى الفقرة (ي) من مقدّمته، للتأكيد أن الحكومة الحالية هي “في حكم المستقيلة، ولتصريف الأعمال”، ولفت الى أن العريضة تتضمّن جردة بمخالفات ارتكبتها الحكومة ومنها على سبيل المثال لا الحصر عدم تقديم مشروع الموازنة العامة وتضارب الصلاحيات ما بين الوزير الأصيل والوزير الوكيل، وإهمالها قانون الانتخابات والتقسيمات الإدارية، وخرقها المادة (2) من الدستور بتخلّيها عن جزء من الأراضي اللبنانية (مزارع شبعا)، وتحويل “فرع” المعلومات في قوى الأمن الداخلي الى “شعبة” دون صدور قانون عن مجلس النواب مع ما استتبع هذا الإجراء من هدر رافق زيادة عدد الموظفين من 77 الى 4600، ومنح الامتيازات (سوكلين مثلاً). إضافة الى تأكيدها “مسؤولية السنيورة عن الهدر المالي، منذ العام 1992”.