خرقت قذيفة «الإينرغا» التي استهدفت ثكنة الحلو مجدداً مساء امس، جدار الصوت السياسي المرتفع بين الأكثرية والمعارضة، لتدل على ان انعقاد طاولة التشاور في مجلس النواب الاثنين المقبل في ساحة النجمة ما زال غير محسوم نتيجة الضبابية في موقف الاكثرية التي تنتظر لحسم موقفها النهائي، موقفاً سعودياً، يفترض ان ينقله السفير السعودي عبد العزيز خوجة، مما طرحه الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله لجهة الاتفاق خلال الاسبوع المقبل على تأليف حكومة وحدة وطنية، وكذلك تنتظر ما سيعود به رئيس «اللقاء الديموقرطي» النائب وليد جنبلاط من واشنطن السبت المقبل.الا ان الموقف الذي صدر عن البيت الابيض امس اوصل، على ما يبدو، إلى الاكثرية ما يحمله جنبلاط إليها قبل وصوله الى بيروت، وهو موقف سلبي لا يشجع على تأليف حكومة وحدة وطنية، ولا حتى على توسيع الحكومة لتكتسب هذه الصفة.
فقد أعرب الناطق باسم البيت الأبيض توني سنو في بيان مكتوب أذاعه امس عن تعاظم قلق الادارة الاميركية مما سماه "تنامي الدليل على أن الحكومتين السورية والإيرانية وحزب الله وحلفاءهم اللبنانيين يعدون خططاً لإطاحة حكومة لبنان المنتخبة ديموقراطياً التي يترأسها فؤاد السنيورة». وحذر من «أي محاولة لزعزعة استقرار» الحكومة اللبنانية «من خلال تكتيكات مثل تظاهرات مفتعلة وعنف أو من خلال تهديدات مادية لقادتها».
وفي ما يعد إشارة إلى نية الولايات المتحدة وضع لبنان تحت الوصاية الدولية، رأى البيت الأبيض أن الإجراءات التي قد تتخذها المعارضة اللبنانية «ستعد انتهاكاً واضحاً لسيادة لبنان وقرارات مجلس الأمن 1559، 1680 و1701». وقال «إن هناك دلائل على أن أهداف الخطة السورية هي منع الحكومة اللبنانية من إقرار النظام الأساسي للمحكمة الدولية التي ستحاكم أولئك المتهمين بالتورط في اغتيال رئيس الوزراء الأسبق (رفيق) الحريري». وأضاف أن «أي جهد لتهميش المحكمة سيفشل» مشيراً إلى أن «المجتمع الدولي يستطيع المضي لإقامة المحكمة الدولية بغض النظر عما قد يحدث على الصعيد الداخلي في لبنان». وأكد «التزام الولايات المتحدة بالعمل مع شركائها الدوليين وحكومة لبنان الشرعية لضمان سرعة تشكيل المحكمة وإحضار كل أولئك المسؤولين عن اغتيال رفيق الحريري ووطنيين لبنانيين آخرين منذ عام 2005 إلى العدالة».
وكان اللافت أن هذه التحذيرات الاميركية تزامنت مع المحادثات التي أجراها جنبلاط مع المسؤولين الأميركيين الكبار وتناولت تطوّرات الوضع في لبنان، وتضمن بيان البيت الأبيض التعابير نفسها التي استخدمها جنبلاط في خطابه أمام مركز «ويدرو ويلسون» في واشنطن اول من امس. وهاجم فيها بشدة كلاً من سوريا وإيران وحزب الله و«حلفاءهم ووكلاءهم» في لبنان حسب قوله.
وليلاً عبّر رئيس مجلس النواب نبيه بري أمام زواره عن استياء شديد من بيان البيت الابيض وسارع الى الرد عليه ببيان قال فيه: «ومن الحب ما قتل. أهو دفاع عن لبنان؟ أهو حرص على الحكومة؟ أم تحريض عليها؟». وأضاف: «على كلٍّ، نطمئن البيت الابيض ان اللبنانيين لديهم من العراقة الديموقراطية ما يجعلهم يحتكمون للحوار والتشاور لا لنصائح حماة إسرائيل التي تخرق القرارات الدولية كل يوم وطائراتها لا تفارق أجواءنا ودائماً تحت سماء القرارات الدولية وآخرها القرار الرقم 1701 من دون ان يصل هدير محركاتها الى سماء البيت الابيض».
سجالات وردود
وكانت السلبية قد لفّت مواقف الاكثرية والمعارضة في معرض ما صدر من ردود فعل على طروحات السيد نصر الله في ما ينبغي ان تنجزه طاولة التشاور وما ساقه من اتهامات عن مواقف اتخذتها الاكثرية الحاكمة اثناء العدوان الاسرائيلي الاخير.
وعلى أثر خلوة انعقدت بينه وبين بري اثر انتهاء الجلسة النيابية انبرى السنيورة الى الرد على السيد نصر الله فقال: «هناك كثير من النقاط (في كلام السيد نصر الله) التي وردت ليس فيها تجنٍّ فحسب، بل هي غير دقيقة على الاطلاق». اضاف: «إن ما كانت تقوم به الحكومة بالتعاون مع الرئيس بري هو أننا كنا ننقل أفكاراً، ولكن هذا لا يعني تبني هذه الافكار. كان هناك تواصل ونقل للأفكار من دون موافقة الحكومة عليها». وأضاف: «يدرك السيد حسن ان ما قاله ليس دقيقاً».
وقال مسؤول العلاقات الدولية في حزب الله نواف الموسوي لـ«الاخبار» في رد على السنيورة ان «أقل ما يمكن ان يوصف به الكلام عن التجني هو انه لا يحق لمثله ممن لم يثبت على كلمة ان يخاطب من كلمته كلمة بهذه الكلمة التي هي التجني». وأضاف: «ان من كلام ليله يمحوه نهاره لا يحق له ان يتحدث عن الصدق» وأكد ان ما قاله السيد نصر الله «هو غيض من فيض ولم يسمّ أحداً» وأن مسارعة السنيورة الى الرد عليه دلت على ان «اللي تحت باطو مسلة بتنعرو» ورأى الموسوي ان الاكثرية أُعطيت في ضوء ما اعلنه نصر الله «فرصة هي لها وليست لنا فإذا لم تكن في وارد انتهازها لتشكيل حكومة وحدة وطنية فنحن وحلفاؤنا ذاهبون الى انتخابات نيابية مبكرة وليقل الشعب كلمته والبرنامج الذي يفوز يقود البلاد». ورأى انه في ضوء التشاور على الطاولة سيطرح حزب الله وحلفاؤه التناسب بين حجم التمثيل الوزاري وحجم التمثيل النيابي في الحكومة، مؤكداً التمسك بـ«الثلث الضامن».
من جهة ثانية قال السنيورة امس عندما سئل عن صحة ما قاله تيري رود لارسن، المبعوث الدولي لمتابعة تنفيذ القرار 1559، من أنه تبلغ منه ان هناك سلاحاً يُهرب عبر الحدود السورية ــــ اللبنانية الى لبنان: «لا، الحكومة لم تبلغ أحداً بذلك. الموضوع واضح. لا الحكومة ولا أنا أبلغت أحداً بوجود هذا الامر».
وأبلغت مصادر حكومية الى «الاخبار» ان الحكومة في صدد الاتصال بالأمم المتحدة للاستفسار عما ورد في تقرير رود لارسن والتصريحات التي أدلى بها عن استمرار تهريب السلاح من سوريا الى لبنان ونسبه هذا الكلام الى مسؤولين لبنانيين، وأنها بناءً على الرد الذي ستتلقاه ستتخذ الموقف المناسب.
تجدد «حرب الإينرغا»
وكان البارز امنياً امس عودة «حرب الإينرغا» مع تعرض ثكنة الحلو التابعة لقوى الامن الداخلي في شارع مار الياس لقذيفة «إينرغا» أصابت مبناها في عملية هي الثانية من هذا النوع التي تتعرض لها خلال ثلاثة اسابيع ولم تؤدّ إلى سقوط ضحايا.
وعلّق وزير الداخلية بالوكالة أحمد فتفت في مداخلة مع تلفزيون لبنان على استهداف ثكنة الحلو وقال إنه استمرار لمحاولة خلق بلبلة أمنية في الداخل ومحاولة ضرب قوى الأمن الداخلي بدورها الجديد على صعيد الأمن الداخلي بعد انتشار الجيش في الجنوب.
الوزير فتفت رأى أن الأمن في لبنان سياسي، وربما المقصود استغلال التوتر السياسي في البلد وضرب أي احتمال توافق قد ينشأ عن طاولة التشاور يوم الاثنين.
وليلاً اكد المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء اشرف ريفي لـ«الأخبار» أن من الصعب تحديد الجهة التي اطلقت منها قذيفة الإينرغا بالنظر الى سقوطها على سطح الأترنيت في الثكنة، الأمر الذي يجعل تحديد مصدرها امراً صعباً على عكس استهدافها جسماً صلباً، وما امكن تحديده ان القذيفة اطلقت من مصدر منحن اي من شارع مواز للثكنة باتجاه الجو قبل ان تسقط على سطح مرأب الثكنة.
وأكد ريفي ان وحدات من شرطة بيروت ومكتب المعلومات والشرطة القضائية في قوى الأمن الداخلي قد أجرت بالتنسيق مع الجيش اللبناني عملية مسح شاملة للمنطقة المحيطة بالثكنة لكنها لم تتمكن من توقيف احد.
وأكد ريفي «ان نوعية القذيفة التي استخدمت في الاعتداء هي نفسها التي استخدمت قرب بناية العسيلي في وسط بيروت».