أنجزت المؤسسة الوطنية للاستخدام بالتعاون مع جمعية تجار بيروت وبنك SGBL دارسة تتعلق بإحصاء اليد العاملة في المؤسسات التجارية والخدماتية بهدف «التعرّف إلى رأي أصحاب المؤسسات والشركات بالأوضاع الوظيفية الحالية والمستقبلية لهذه المؤسسات ومعرفة هيكليتها البشرية القائمة وحاجاتها المتوقعة من اليد العاملة الماهرة (الجامعية والتقنية والفنية) وغيرها، لمحاولة توجيه الشباب نحو الاختصاصات المطلوبة في سوق العمل»، خصوصاً أن القطاع التجاري يفتقد إلى القاعدة الاحصائية الأساسية للمؤسسات التجارية.وبلغ عدد الشركات التي جرى استقصاء المعلومات حولها 184 مؤسسة، صغيرة ومتوسطة وكبيرة، توزعت على 36 نشاطاً أساسياً.

أكثر من الحرب الأهلية

ارتفعت البطالة في لبنان بما يزيد على الضعف خلال السنوات الست الأخيرة، ما يؤشر الى مخاطر كبيرة تعترض مستقبل الشباب اللبناني وتدفع بأعداد متزايدة الى الهجرة بما يفوق المعدلات التي سجلتها سنوات الحرب الاهلية وأول عقد من الاستقرار بعد «اتفاق الطائف». ووفق المعطيات الصادرة عن البنك الدولي، بلغ معدّل البطالة في لبنان نحو 11% عام 2010، وارتفعّت هذه النسبة في السنوات الأخيرة الى نحو 25%. ويشكل السوريون والفلسطينيون حالياً 55% من عدد سكان لبنان، ونسبةُ القوى العاملة منهم تبلغ 52%، أي أن هناك نحو مليون ومئة وخمسين ألف يد عاملة سورية وفلسطينية تنافس اليد العاملة اللبنانية.
38 ألف لبناني يهاجرون سنوياً خلال السنوات الأخيرة مقابل 25 ألفاً سنوياً خلال فترة الحرب

وتبين الدراسة أن النازحين السوريين في سوق العمل «يلحقون ضرراً كبيراً باللبنانيين، وبشكل رئيسي بالشباب والنساء وأصحاب المهارات العالية والشهادات الجامعية، خصوصاً أن مستويات البطالة مرتفعة ومقلقة لدى الشباب إذ تصل إلى 34%، ولدى النساء حوالى 18%. كذلك يؤثر النازحون السوريون العاملون على غالبية القطاعات الاقتصادية، ويعتبر القطاع التجاري الأكثر تضرراً، يليه القطاع الصناعي، والقطاع الإداري».
وتقّدر الدراسات «متوسط الدخل الشهري للنازح العامل بـ 418 ألف ليرة، أي أقل بنحو 40% من الحد الأدنى للأجور (675 ألف ليرة)، نتيجة كثافة العرض وتدني مهاراتهم ومستواهم العلمي».
واللافت أن ارتفاع معدلات النمو خلال السنوات العشر الأخيرة «لم يترافق مع نمو موازٍ في عملية خلّق فرص عمل جديدة. ووفق دراسة للبنك الدولي، بلغ معدّل النمو السنوي الوسطي للناتج المحلي القائم نحو 7.3% بين عامي 1997 و2010، بينما اقتصر نمو القوى العاملة في الفترة نفسها على معدّل لا يتجاوز 1.1%. واضافةً إلى هذا التفاوت الكبير، تبرز مفارقة كبرى متمثلة في أنّ غالبية فرص العمل التي خلقها الاقتصاد المحلي في تلك الفترة، تركّزت في قطاعات ضعيفة الإنتاجية، وشغلتها بصورة عامة فئات من اليد العاملة ذات مهارات متدنية، في وقت كان النظام التعليمي يتوسع في إنتاج مهارات عالية».
وفي مؤشر خطير على تصاعد الأزمة، شهدت أعداد المهاجرين ارتفاعاً كبيراً متخطية بذلك أعداد المهاجرين سنوياً منذ بداية الحرب الأهلية عام 1975 حتى 2000. وتظهر الأرقام أن أعداد المهاجرين ارتفعت في السنوات الأخيرة الى اكثر من 38 ألف مهاجر سنوياً، مقابل 25 ألفاً سنوياً خلال الفترة بين 1975 ــــ 2000.

نقص في اليد العاملة

وأظهرت الدراسة أن 26.6% من المؤسسات التي شملها التحقيق تعاني من نقص في اليد العاملة. إذ أن المؤسسات التي توظف بين 10 وأقل من 25 عاملاً تعاني من أكبر نقص في اليد العاملة يبلغ 39.5%، تليها المؤسسات التي يتخطى عدد عمالها الـ 250 والتي بلغ نقص اليد العاملة فيها 38.1%.

الوظائف التي يحتاجها السوق

تكشف الدراسة أن المهن المطلوبة حاضراً ومستقبلاً تنتمي بأكثريتها الى فئة العاملين في المهن الوسطى (40.7%)، تليها المهن الفكرية والعلمية (19.8%) والحرفيون العاملون في المهن ذات الطابع الحرفي (15.4%). واللافت أن الحاجة الى من يعمل في مجال الخدمات والبيع بلغت (3.3%) فقط.
أما من حيث العدد الإجمالي للوظائف الناقصة المطلوبة في المؤسسات التي شملها التحقيق، فقد استحوذت المهن الوسطى على الحصة الأكبر (27.2%)، ثم مسيّرو مركبات وآليات ثقيلة رافعة (23.8%)، ثم اختصاصيو العلوم الفيزيو ـــــ كيميائية والرياضيات والعلوم التقنية (5.4%).
أما من حيث توزع النقص في التوظيف بحسب الوظائف والجنس، فقد تبيّن أن المهن الوسطى تعاني من النقص الأكبر على مستوى الجنسين (الإناث 46.2% والذكور 55%).
ورغم أن الدراسة تقتصر فقط على 184 مؤسسة في القطاع التجاري إلا أنها مهمة كونها تساهم في إعطاء صورة عن واقع القطاع وسوق العمل واتجاهات التوظيف مستقبلاً بما يحدد المسار لكل من المؤسسات والباحثين عن عمل، ويساهم في إخراج القطاع من العشوائية والتخبط، ويساعد الطلاب على معرفة أي اختصاصات يختارون للدراسة.
(الأخبار)