strong>جنبـلاط: أُدرك جيـداً أن المحــور الأميـركي يتـراجع والمحـور السـوري ــ الإيـراني يتقــدّم
كسر جليد وهدنة إعلامية هما ما توصلت إليه «طاولة التشاور» في جولتها الأولى أمس في ساحة النجمة، وهو ما أكد أكثر فأكثر أن توصل المتشاورين الى اتفاق على جدول أعمالهم يحتاج الى معجزة، لم يعلم ما إذا كانت موضع إنضاج في اللقاء المسائي الذي عقد بين النائب سعد الدين الحريري والسفير السعودي عبد العزيز خوجة.
ولكن اعتراف رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط، بـ«تراجع» المحور الذي ينتمي إليه و«تقدم» محور المعارضة، فاجأ الجميع على طاولة التشاور وخارجها، حتى إن بعض المتشاورين ذهب الى حد التعليق عليه بالتساؤل: هل هو يستعد لانقلاب في الموقف داخل الاكثرية؟ ام يطلق تحذيراً ليستنهض به الأكثرية التي ينتمي إليها لتستمر في المواجهة، وخصوصاً أنه أكد أنه «مكفِّي» ضد النظام السوري؟
وفيما لم يعلق أي من اركان الاكثرية على كلام جنبلاط على طاولة التشاور او خارجها ، فإن اوساط المعارضة تعاطت معه بحذر.
إلا ان هذه «المفاجأة الجنبلاطية» لم تمنع كل فريق من عرض مواقفه المعروفة مسبقاً، من دون الحياد عنها قيد أنملة، ما دفع «مدير التشاور» رئيس مجلس النواب نبيه بري الى الاستعانة بـ«الهدنة الإعلامية»، لئلا يتسرب الى خارج القاعة ما يبعث على التشاؤم بعدم وصول المتشاورين الى اتفاق في الجولة الثانية، التي ستعقد قبل ظهر اليوم.
ولخصت مصادر شاركت في الجلسة ما حصل فيها لـ«الأخبار» بالآتي:
ــ الاكثرية طرحت موقفها القائل بحسم ازمة رئاسة الجمهورية، بانتخاب رئيس جديد ثم الدخول في تغيير الحكومة او توسيعها وفي موضوع الانتخابات النيابية وقانونها، مؤكدة رفضها التخلي عن الثلث المعطل.
ــ المعارضة طرحت تأليف حكومة اتحاد وطني تنطوي على ثلث ضامن يشارك في القرارات الهادفة الى النهوض بالبلاد، ويمنع استئثار أي فريق بالسلطة.
وقالت هذه المصادر إن ما شهدته الجلسة كان استعراضاً للمواقف، حيث عرض كل فريق موقفه على طريقته مبدياً تمسكه به. وتوقعت أن يبدأ «النقاش الحقيقي والهادف» في جلسة اليوم. ورأت ان «ليس امام فريق الاكثرية إلا خيار التسوية، ووجدت في نبرته «ما يشير الى الى انه مقبل على الدخول في تسوية مع المعارضة»، على ان تكون هذه التسوية توسيعاً للحكومة.
لكن مصدراً آخر في المعارضة حضر الجلسة التشاورية عكس صورة متشائمة عما دار خلالها، فأكد أنه لم يحصل اي تقدم «إذ إن الفريق الاكثري عرض وجهة نظره القائلة بحل شامل وكامل يبدأ بانتخاب رئيس جمهورية جديد، وينتهي باتفاق على الحكومة وتوجهاتها، ورأى ان لا داعي الى تعديل الحكومة او توسيعها، ما دامت تتخذ قراراتها بالتوافق، وشدد على وجوب إنشاء المحكمة ذات الطابع الدولي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، مبدياً مخاوفه عليها».
ورأى المصدر «ان الامور ليست واضحة بعد، فكل فريق كرر مواقفه والتشاور سيستمر، لكن السؤال هو هل الاكثرية مستعدة للدخول في اتفاق مع المعارضة؟».
وكان معظم المتشاورين جلسوا الى الطاولة بوجوه عابسة، فتوجه بري إليهم بدعابة قائلاً: «ابتسم انت في الزوق» فانفرجت بعدها أسارير العابسين وترطبت أجواء الجلسة. ثم افتتح بري الجلسة بطرح جدول أعمالها المكون من بندي حكومة الوحدة الوطنية وماهية الدوائر والنظام الانتخابي في قانون الانتخاب الجديد، واقترح النقاش في البند الاول، مشدداً على وجوب الخروج بتفاهم واتفاق يخرج البلاد من أجواء التشنج والتوتر الى آفاق الانفراج.
وأضاف بري اننا نحن المجتمعين «غير مرحب بنا في الشوارع، حتى لا نتحول الى شوارع»، واقترح هدنة إعلامية، فرد النائب محمد رعد ممثل الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله، مشدداً على الخروج من التراشق الاعلامي، مع الاحتفاظ بالمواقف والتباين بينها. وقال إن «حزب الله» لا يهدّد بالشارع، بل هو يطرح موضوع تأليف حكومة وحدة وطنية كمخرج من الازمة التي تفاقمت بعد حرب 12 تموز «حتى لا نصل الى الشارع».
وإذ تداخل بعض اركان الاكثرية مؤكداً انها كانت قد «عزفت عن اللجوء الى الشارع لإسقاط رئيس الجمهورية العماد إميل لحود، بناءً على مقررات طاولة الحوار»، رد بري عليهم قائلاً: «ما تربحونا جميل، أنتم عزفتم عن اللجوء الى الشارع قبل مقررات طاولة الحوار، لأن البطريرك صفير منع إسقاط الرئيس في الشارع».
وتحدث رئيس الحكومة فؤاد السنيورة لمدة ساعة، شارحاً نقاطه الأربع الشهيرة التي كان قد أعلنها من الغردقة المصرية، رداً على دعوة بري الى طاولة التشاور غداة عيد الفطر، وأكد تمسكه بها.
وإذ تطرق السنيورة الى موضوع العدوان الاسرائيلي الأخير أسباباً ونتائج، قاطعه النائب رعد مشيراً الى ان هذا الامر «غير مطروح للنقاش». فرد رئيس الحكومة قائلاً إنه يريد الحديث عن هذا الموضوع «لأنكم تخوّنوني وتسمّونني قرضاي». فتدخل بري مشدداً على «حصر الكلام في جدول الاعمال».
وفي هذا الإطار توجه جنبلاط الى رعد قائلاً: «محورنا يتراجع ومحوركم يتقدم بفضل صمودكم ومقاومتكم، ومع ذلك أنا عنيد وأصلي كردي و«مكفِّي» ضد السوريين».
لكن أحد المشاركين في التشاور أكد أن جنبلاط قال: «أنا لست غبياً في السياسة، هناك محور يتراجع وآخر يتقدم، المحور الاميركي يتراجع والمحور السوري الايراني يتقدم، وإني ادرك ذلك جيداً. أما في الموضوع السوري فعندي لذَّة سياسية، وأنا مكفّي ضده لأني عنيد وأصلي كردي». ورأى رئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الدين الحريري أن المشكلة هي في الازمة الرئاسية وليست في الحكومة.
أما رئيس الهيئة التنفيذية في «القوات اللبنانية» سمير جعجع (الذي تناول طعام الغداء مع عون بناءً على رغبته في وسط بيروت) فكرر مطالبته بكشف محاضر جلسات الحوار الوطني للعلن، «لأنه يجب عدم حجب ما يحصل على الطاولة عن الناس». وقال انه يتفهم مطلب عون و«حزب الله» بحكومة وحدة وطنية، وانه لا أفكار مسبقة لديه منهما، لكنه رأى ان المشكلة ليست في تمثيل حكومي او تعديل وزاري، بل في التوجهات العريضة والتفاهم على أي لبنان، قائلاً «ان هناك قراءتين مختلفتين للبنان، وهنا مكمن المشكلة التي يجب البحث فيها».
وتحدث النائب ميشال المر فلفت الى وجود احتقان عام في الشارع، وخصوصاً في الشارع المسيحي، فاعترض عون وجعجع.
وكانت قد سجلت على هامش طاولة التشاور خلوة بين العماد عون وجعجع، ومصافحة بين العماد عون والنائب الحريري، وبينه وبين النائب جنبلاط في حضور الوزير مروان حمادة، فضلاً عن مصافحة مماثلة بين الرئيس بري وجعجع، وحوار بين الرئيس الجميل والنائب المر.
وكان بري قد أكد بعد رفع الجلسة الى اليوم، أنه «تخللها عرض عام من كل الاخوة المتحاورين للمشاكل والمداخلات، ولضرورة التوصل الى ايجاد حل، لأنه لا يجوز إبقاء الوضع على ما هو عليه، وبالتالي كان هناك كسر للجليد الذي كان قائماً، وكان الجميع حريصاً على التكافل والتضامن لحل المشكلات والتوحد. انطلاقاً من هنا بدأنا بالاتفاق على هدنة إعلامية».
الى ذلك كان للرئيس لحود موقف من الطاولة التشاورية، اكد فيه ان «لدى لبنان فرصة اليوم من خلال التشاور الحاصل»، معرباً عن امله بأن «يعي الجميع أننا سندفع غالياً إذا لم نعد الى الصواب والحق والديموقراطية الحقيقية، فيجري تشكيل حكومة وحدة وطنية يتمثل فيها الجميع». وشدد على أنه «في كل الاوقات كان مجلس النواب يضم أقليات وأكثريات، ومع ذلك كانت الحكومة تضم كل الفئات». وأمل أن «يتوصل المتشاورون الى اتفاق على حكومة وطنية حقيقية، فيعودوا الى التحدث لبنانياً بدل الاستقواء بالخارج».