بـري لا يـرى طريـق «التشـاور» مقفـلاً والحريـري يطلـب لقـاءً مـع نصـر اللـه
لم تأتِ نتائج الجولة التشاورية الثالثة في ساحة النجمة امس، افضل من الجولات السابقة، لأن التشنج ظل سيد مداخلات المتشاورين الذين لم يتزحزحوا عن مواقفهم، عاكسين من خلالها ازمة ثقة مستحكمة بينهم، هي على ما يبدو، احدى العلل الاساسية التي تحول دون توصلهم الى الحلول المرجوة. وذلك ما استولد جولة تشاور رابعة تعقد قبل ظهر غد، قبيل سفر مدير التشاور رئيس مجلس النواب نبيه بري الى طهران في زيارة تستمر أياماً، وربما سفر العماد ميشال عون في جولة خليجية، احدى محطاتها السعودية. عسى ان يكون يوم غد السبت «سبت نور» تخرج معه البلاد بحلول تدفعها الى آفاق جديدة.
أقطاب الاكثرية أمس ظلوا يقدمون موضوعي رئاسة الجمهورية والمحكمة ذات الطابع الدولي، على البحث في تعديل الحكومة أو توسيعها و«الثلث المعطل» فيها. وفي المقابل اقطاب المعارضة ظلوا مصرين على وجوب تأليف حكومة وحدة وطنية، او تعديل الحكومة الحالية وتوسيعها ليكون لهم فيها «الثلث الضامن»، بما يحول دون استئثار الاكثرية بالقرار.
وبين هذين الموقفين دارت بين الطرفين مناقشات وسجالات لم تخلُ من الحدة والتوتر احياناً. إذ ما إن طُرحت طبخة تعديل الحكومة وتوسيعها التي أعدها النائب ميشال المر بتكليف من المتشاورين، والتي كانت قد حظيت بموافقة بري وعون، حتى بادر اقطاب الاكثرية الى رفضها، معتبرين ان حل ازمة رئاسة الجمهورية ينبغي ان يكون اولوية قبل البحث في تعديل الحكومة أوتوسيعها.
وقال الرئيس بري امام زواره مساء امس ان الطريق للوصول الى اتفاق ليس مقفلاً، «فالمسألة ليست المحكمة الدولية ولا توسيع الحكومة والثلث المعطل، وإنما هي الثقة المفقودة بين الافرقاء، والمطلوب هو إعادة الاعتبار الى هذه الثقة. ونحن نعمل لخلق مناخ من الثقة تدريجاً في ما بينهم». ولفت الى ان اجواء جلسة امس «كانت كويسة» مشدداً على اهمية «توافر النيات الحسنة قبل التوصل الى اي حل».
وعلمت «الاخبار» ان من المقترحات التي يتوقع ان يطرحها أن توافق المعارضة على المبدأ في موضوع المحكمة الدولية، في مقابل موافقة الاكثرية على المبدأ في موضوع توسيع الحكومة وتأليف الثلث الضامن فيها، الذي تطلبه المعارضة.
وأوضح احد المشاركين في التشاور ان رفع الجسة حتى قبل ظهر غد السبت، كان لإعطاء فرصة للتشاور وإيجاد مخارج، مشيراً الى ان رئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الدين الحريري هو من طلب التأجيل حتى غد، لأنه يرغب في عقد اجتماعات ثنائية وثلاثية مع قيادتي حركة «امل» و«حزب الله»، في اطار السعي الى ايجاد المخارج المطلوبة. وبالفعل فقد عقدت خلوة بعد رفع الجلسة بين بري والحريري وممثل «حزب الله» النائب محمد رعد والوزير محمد فنيش، وتلتها «كولسات» بين بري والعماد عون وبينه وبين جعجع. وقالت اوساط بري ان الهدف من هذه الخلوات هو «ضبط الايقاع وتهدئة الاجواء واعادة الثقة بين المتشاورين، فعندما تعود الثقة تنكسر حدة المواقف وتسهُل المعالجة».
وعلمت «الاخبار» ان ان لقاءً عُقد في عين التينة ليل امس بين بري ورعد وفنيش، جرى خلاله تقويم نتائج الجولة التشاورية امس. وترددت معلومات عن ان اتصالات حثيثة تُجرى لتأمين لقاء بين الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله والحريري الذي يُلح على هذا اللقاء منذ توقف العدوان الاسرائيلي الاخير.
وقالت مصادر مشاركة في التشاور إن مسألة «الثلث الضامن» لا تزال تراوح مكانها. وأشارت الى ان فريق الاكثرية يريد ان يعرف ما سيحصل عليه في مقابل قبوله بهذا الثلث. ونقلت المصادر نفسها عن احد اركان هذا الفريق قوله للمعارضة على طاولة التشاور: «ما الذي سنقوله لجمهورنا؟ نحن ايضاً لدينا هواجس ينبغي الأخذ بها، وفي مقدمها مسألة رئاسة الجمهورية المعطلة». ولفتت الى ان الوزير مروان حمادة اقترح بداية تأجيل البحث في توسيع الحكومة الى ما بعد إقرار مشروع إنشاء المحكمة الدولية، ثم عاد واقترح ان تتبنى الحكومة الحالية مسألة المحكمة الدولية، كإثبات لحسن نية الفريق المعارض، وبما يحفظ ماء الوجه لفريق الاكثرية.
وأكدت المصادر نفسها ان الموقف الذي عبّرت عنه المعارضة على طاولة التشاور هو أنها ليست ضد انشاء المحكمة الدولية ولكنها تريد على الأقل ان تقرأ نظام هذه المحكمة، «فكلنا نريد ان يُكشف قتلة الرئيس الحريري، لكن ماذا لو كان في نظام المحكمة شبهات انتقامية؟ نريد على الاقل ان نعرف نظام هذه المحكمة وصلاحياتها. وربما تكون لآل الحريري أنفسهم ملاحظات عليها. وإذا كنا نقر مسبقاً بأننا مع مبدأ المحكمة، فعلى الاقل أقروا أنتم بمبدأ حكومة الوحدة الوطنية».
وتوقعت المصادر ان تصل المسودة النهائية لمشروع المحكمة الدولية الى بيروت خلال اليومين المقبلين، وربما توضع ملاحظات عليها في ضوء التعديلات الروسية والصينية التي أُدخلت عليها، وعندها ربما تسهل الامور وتحصل ترتيبات معينة.
الى ذلك واصل السفير السعودي في لبنان عبد العزيز خوجة اتصالاته ولقاءاته مع اقطاب طاولة التشاور، عملاً على إنهاء التوتر والتشنج، وناصحاً الجميع بالتوقف عن لغة التهديد بالنزول الى الشارع والارتفاع الى مستوى المسؤولية التي تفرضها عليهم مصلحة لبنان، بما يذلل العقد التي تعترض طريق المتشاورين للوصول الى الحلول المرجوة. والتقى في هذا الإطار النائب الحريري والوزير غازي العريضي.
وقال خوجة الذي بدا متفائلاً لـ«الأخبار»: إنني اوصي الجميع بتقديم تنازلات متبادلة لحماية لبنان من اي فتن»، وأضاف: «بنبغي علينا ان نكون متفائلين. ولن يأتينا إلاَّ الخير بإذنه تعالى».
على صعيد آخر شهد المقر المؤقت لمجلس الوزراء ليل امس جلسة عادية خلت من اي توتر، وانتهت الى سحب البند الخاص بتحويل الممثلية الفلسطينية في بيروت الى سفارة، وإقرار البند الخاص بتعميم الحصانة الدولية على المقر الإضافي للجنة الدولية للتحقيق في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، القائم في فندق «بادوفا» في سن الفيل، فيما غاب مشروع وزير التربية لتعيين المدير العام لوزارة التربية، غاب عن الجلسة لوروده من خارج جدول الأعمال.
كما علمت «الأخبار» ان الوزير فنيش اثار موضوع تكليف القوة الألمانية البحرية مهمات اضافية ضمن الأميال الستة القريبة من الشواطئ اللبنانية، فرد السنيورة والمر ونفيا الشائعات التي راجت عن الموضوع. كذلك قرر المجلس دعم صفيحة المازوت الأحمر بثلاثة آلاف ليرة، من منتصف الشهر الحالي حتى نهاية شباط المقبل لمواجهة ازمة التدفئة.
وقبل انعقاد الجلسة رد الرئيس اميل لحود على تصريحات الوزير رزق، فقال: لديّ امور كثيرة اقولها لكن «الوفاء حلو». وعن رفضه تحويل ممثلية فلسطين في لبنان الى سفارة قال: لقد نوقش الأمر من قبل، وكانت الخلاصة أن هذا التحول خطير لما يعنيه في شأن التوطين ومصير حق العودة وفق القرار 194، وهذا امر يعني لبنان اكثر من غيره ولا يجوز ان يمر المشروع منعاً لإذكاء الخلاف بين الفلسطينيين. وعن رده على ربط حكومة الوفاق مع انتخاب بديل له قال: أنا باق حتى آخر لحظة من الولاية، والحديث عن «حالات حتماً فليسمحوا لنا بها». ولا أعرف ان ابيع او اشتري.