باريس ــ بسّام الطيارة
انعكس فوز الديموقراطيين في الولايات المتحدة وهزيمة الرئيس جورج بوش، حيوية على الدبلوماسية الفرنسية، وخصوصاً في ما يتعلق بالشرق الأوسط؛ فوزير الخارجية فيليب دوست بلازي يحزم حقائبه متجهاً إلى مصر والسودان في زيارة تستغرق ٣ أيام، وكاترين كولونا، الوزيرة المفوّضة للشؤون الأوروبية، تمثّل فرنسا في المجلس الأوروبي للشؤون العامة والعلاقات الخارجية، حيث سيحتل ملفّا لبنان وفلسطين، بحسب مصادر موثوق بها، حيزاً مهماً من أعماله.
ويتوقع أن تشارك وزيرة الدفاع ميشال أليو ماري في أعمال المجلس، الذي يُنتظر أن ينكبّ على دراسة «تفعيل العمل العسكري المشترك» للاتحاد الأوروبي، وخصوصاً في عمليات حفظ السلام.
وكان «الحادث» بين القوات الفرنسية والطائرات الإسرائيلية حاضراً بقوة في المؤتمر الصحافي للمتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية جان باتيست ماتيي، الذي نبّه إلى أن «قواعد الاشتباك المعتمدة بالاتفاق مع الأمم المتحدة» تسمح للقوات الأممية «بالدفاع عن نفسها»، وهذا يفسر تجهيز القوات الفرنسية «بصواريخ أرض جو». وشدّد على اعتبار فرنسا تحليق القوات الإسرائيلية فوق قوات اليونيفيل «خرقاً للقرار ١٧٠١ كما هي الحال بالنسبة إلى التحليق في الأجواء اللبنانية»، فقرار مجلس الأمن يشدّد على «احترام السيادة اللبنانية».
أما في ما يتعلق بـ«حجج اسرائيل المتعلقة بمراقبة دخول الأسلحة إلى لبنان»، فقد دعا المتحدث الدولة العبرية إلى «التحدث إلى الأمم المتحدة في شأن هواجسها» لإيجاد حل لها.
ورداً على سؤال عن إمكان اللجوء إلى مجلس الأمن إذا كررت إسرائيل خروقها وتحديها لقوات اليونيفيل، أجاب ماتيي «كل شيء ممكن». وكرر أن الضغوط على إسرئيل متواصلة لوقف خروقها، مشيراً إلى أن «رسائل كثيرة أرسلت إلى إسرائيل».
وقد سبّب استدعاء السفير الإسرائيلي إلى وزارة الخارجية نوعاً من «المفاجأة»، بحسب قول بعض المتابعين، لأن «جو الاستدعاء يذكّر بأجواء دبلوماسية شارل ديغول»؛ فقد بات من النادر جداً منذ وصول فرانسوا ميتران إلى الحكم أن يتم استدعاء سفير إسرائيل للاحتجاج على تصرف «غير صديق»، وخصوصاً أن وزيرة الدفاع استعملت تعابير قاسية جداً لوصف «الحادث الذي كان يمكن أن يتطوّر نحو اشتباك».
ويرى البعض أن دبلوماسية جاك شيراك هي في طور «إعادة تموضع لفترة أطول من الأشهر القليلة التي تفصلنا عن الانتخابات الرئاسية» من دون أن يكون للانتخابات الأميركية أي دور في هذا «التعديل التقني لمفاصل الدبلوماسية في الشرق الأوسط».
ويقول أحد المتابعين إنه خلافاً لما يعتقد البعض، فإن باريس لم تخرج خاسرة من العدوان الإسرائيلي على لبنان، «كما هي حال الولايات المتحدة». ويتابع قائلاً «إن من يعتبر ذلك ينظر بمنظار ضيق لا يأخذ بالاعتبار انفتاح الدبلوماسية الفرنسية على الأطراف اللبنانية كافّة». ويشدد على أن «فرنسا تدعم بشدة ديناميكية الحوار التي أطلقها (الرئيس) نبيه بري وإن كانت لا تعلن ذلك على السطوح، وأن المعنيين يدركون جيداً هذا الأمر»، قبل أن يضيف «يجب ألّا ننسى أن لفرنسا دبلوماسية عريقة تنظر إلى مصالحها بعيدة المدى».
وتقول مصادر إن الوزير دوست بلازي، يود خلال جولته التي تبدأ غداً، أن يوسّع بيكار التموضع الدبلوماسي الجديد ليشمل «النقاط الساخنة كلها التي تعانيها المنطقة»؛ فهو يصل إلى الخرطوم حاملاً الأمل بالتوصل إلى «إقناع السودان بقبول وضع القوات الأفريقية تحت إمرة ضباط دوليين» في مقابل حوافز جديدة لم يعلن عن نوعيتها.
ويتوقع أن تكون محطة القاهرة مناسبة «لتحريك ملف الوضع الإنساني في الأراضي المحتلة» وإعطاء دينامية جديدة لعملية السلام المتوقفة.
وفي هذا السياق، قال ماتيي إن «فرنسا تؤيد دراسة آلية لحماية المدنيين الفلسطينين» مثل وضع لجان مراقبة الأوضاع.
وجواباً عن سؤال لـ«الأخبار» حول «موقف فرنسا من إرسال قوات فصل دولية إلى الأراضي الفلسطينية»، أجاب ماتيي مثلما هو الأمر في لبنان فإن «من الضرورة أن تستند هذه القوة إلى اتفاق سياسي»، وإن الأمور لم تصل بعد إلى هذه النقطة. وأعاد تأكيد ما قاله مندوب فرنسا لدى مجلس الأمن في شأن حماية المدنيين وإن «هذا لا يعني قوة عسكرية» واستدرك قائلاً «لقد فتحنا المناقشة ونحن مستعدون لمتابعة التفكير في الأمر».
ويقول بعض المراقبين إن فكرة «قوات دولية في الأراضي المحتلة» بدأت رويداً رويداً تأخذ طريقها في دهاليز الدبلوماسية الأوروبية مدفوعة من تكاتف فرنسي إيطالي وبعض التأييد الإسباني.