زياد الرحباني
خرجت مرّةً من البيت، وكانت مميزة على ما أذكر، فقد قصدت مبنى أول ما يتبادر الى الذهن أنه مميّز عن حق، وسلكت الشارع الرئيسي المميّز، وكنت برفقة صديقٍ أقلّني بسيارته وهو جِد مميّز عن كل معارفي الآخرين، وتحادثنا في مواضيع متنوعة ومميّزة، ومررنا في حديثنا عن برنامج السهرة المميّز على اسم المطربة المميّزة حقاً التي دُعيت لافتتاح هذا المؤتمر المميّز لدرجةٍ لم أعد صراحةً قادراً على «التمييز»! وكيف يكون التمييز بين كل ما هو مميّز وعلى طول!؟ فما هو الطبيعي العادي؟ نسيت.
هل من مجال يا إخوتي أن نلتقي أو نتلفّظ أو نأتي على أو ننحو الى شيءٍ ما غير مميّز؟ وذلك فقط من أجل الدول الأخرى في العالم وقد أصبح معظمها يشعر بعقدٍ هائلة من النقص والغيرة تجاهنا كشعب من الأقوياء، كلهم. شعبٍ من الأساتذة، من المُعلّمين لا شغيل واحداً بينهم. نحن كظاهرة فعلاً مميّزة لا مكان لها في التاريخ المعاصر وقد تنقرض قبل التاريخ المقبل خاصةً أنها، على وفرة ما يميّزها، يبقى عندها في الوقت نفسه مشكلة مميّزة هي أنَّ: الكمية محدودة!
***
إذا طلبك أحدهم على الهاتف وكان آخر من قبله قد بدأ بطلب رقمك سيسمع الأول في هاتفه الزمّور الذي يدل على أنّ خطك مشغول، وهو في الواقع، ليس بمشغول على الإطلاق، لا أنت ولا هو ولا شيء سوى أنّه يرن بشكل متواصل في الشقة وأنت تتشاءم و«تَستَفول»، فأنت إن كنت مشغولاً بشيء، فمشغولٌ حصراً بكيفية ألاّ يجدك أحد، «يا نسرَ الزاروب» أنت. لذا تستطيع إن كنت تريد ألاّ يطلبك أحد، خاصةً دون معنى أو ضرورة، أن تطلب نفسك من هاتفك دون أن تجيب بالتأكيد. تستطيع أن تجيب إن أردت، ففي الحالتين ستسمع الزمّور-الرمز بأنك وإياه مشغولان، أمّا وفي حال أجبت إمعاناً في إشغال الخط فبِم ستتكلم مع نفسك؟ تستطيع أن تمارس ذلك من دون هاتف ولا مصروف لكن الباقين وقتها سـ«يكمشونك»، سيطبقون عليك يا «نسر الزاروب»، وهذا ما لا تغواه دوماً، خاصةً آخر أيام انهيار الأمبراطورية الرومانية الفينيقية على تخوم مدينة مرجعيون وفرار ملكة بترا. ضع هاتفك في وضعية «معاودة الاتصال آلياً»، أطلب نفسك ولا تجب.