بري يصف الحكومة بـ «مجلس قيادة الثورة» وجنبلاط للحوار أو المواجهة وعون يلغي سفره ويستنفر قواعده
خلت شوارع بيروت أمس من الحركة الناشطة. وفي ساعات المساء كانت الدوريات الأمنية بلباس مدني أو عسكري توسع انتشارها في كل الأمكنة. وبدا أن العاصمة، كما مناطق أخرى في المحافظات، تستعد لأمر ما. بينما واصلت القوى المتنازعة استعدادات عملانية لمثل هذه المواجهة، في الوقت الذي عاد فيه الرئيس نبيه بري إلى بيروت من دون فتح خط التواصل مع أحد، بينما كان النائب وليد جنبلاط يبعث برسائل حوارية إلى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله ويرفقها بحملة تحريض أخذت بعداً طائفياً عندما رأى أن حزب الله يعارض المحكمة الدولية، وهو بذلك يستفز السنّة في لبنان والعالم العربي.
ومع أن الكلام السياسي في موضوع المحكمة ظل مدار تداول في رسائل دبلوماسية ورسمية بعث بها الرئيس إميل لحود، رأى جنبلاط أن موافقة المعارضة على إقرار المحكمة في المجلس النيابي من شأنها فتح الباب أمام تأليف حكومة “بالشكل الذي يريدون”. لكنه حرص على بعث رسائل إلى الرئيس بري، مبدياً في الوقت نفسه استعداده للذهاب وحده أو برفقة قيادات 14 آذار لزيارة السيد نصر الله ومحاورته في مستقبل البلاد. وقال إن الأكثرية ستلجأ إلى الشارع إذا اضطرت إلى ذلك.
في هذه الأثناء، كانت الاجتماعات الخلفية تسير على قدم وساق في قريطم وفي السرايا الكبيرة وفي وزراة الداخلية، كما في السفارة الأميركية في عوكر التي زارها وزير الداخلية بالوكالة أحمد فتفت.
وعلم أن بعض اللجان المكلفة “تجهيز الأرض” التي يشكل عنصر الشباب أكثرية أعضائها، ناقشت معلومات وصفت بأنها “رسمية” عن سلسلة الاجتماعات التي تعقد في الضاحية الجنوبية والرابية تحضيراً للاعتصامات والتظاهرات في بيروت والمناطق. وقالت مصادر أمنية رسمية إن تقارير غرف التنصت كانت بين أيدي أقطاب من فريق الأكثرية، مع تركيز من جانب الفريق الأمني للأكثرية على أن التحرك المعارض في الشارع بات وشيكاً جداً.
أما رئيس الحكومة فؤاد السنيورة الذي يبدو أنه تلقى نصيحة بتجنب دعوة مجلس الوزراء للانعقاد اليوم كي لا يظهر الانقسام السياسي أكثر، فتابع امس مع عدد من وزراء الأكثرية آخر التطورات وقضايا اخرى متصلة بالوضع الامني في الداخل وتبلغ بحجم الانتشار الامني في العاصمة وبسلسلة الإجراءات الكثيفة التي اتخذت لمواجهة اي طارئ.
وسبق وصول بري مساء امس الى بيروت بث مقابلة معه على قناة “العربية” قال فيها إن جلسة الحكومة الاخيرة غير دستورية لكونها تخالف العيش المشترك. وقال “لا عودة” عن استقالة الوزراء “من دون مشاركة حقيقية في الحكم” معتبراً ان اجتماعات الحكومة “اضحت غير دستورية وأي جلسة الآن... هي غير دستورية لأنها تمس الميثاق الوطني” وقال: “هناك مجلس قيادة. الأكثرية تشكل مجلس قيادة يحكم لبنان باسم الاكثرية. ليس هناك اقلية تريد ان تستبد، هناك اقلية تريد ان تشارك”.
وبرغم جهود جنبلاط الكلامية فإن أقطاباً في الاكثرية رأوا أن كلام الرئيس بري امس أنهى احتمال قيامه بدور الوسيط الذي ميزه على طاولة الحوار المستديرة وبعدها على طاولة التشاور، وقال هؤلاء إن الاجواء توحي بأن أي مخرج للأزمة القائمة لا يبدو متوفراً في الأفق او في مكان ما من حركة الاتصالات في الساعات الأخيرة الماضية، لافتاً الى فقدان أية وساطة محلية اقليمية او دولية، علماً بأن “مناخاً سلبياً” ساد أوساط السفيرين السعودي عبد العزيز الخوجة والمصري حسين ضرار اللذين عبّرا عن قلق بالغ من الأجواء السائدة وأملا بـ“مسعى أخير وبتفهم الجميع لخطورة الموقف والذهاب نحو تسوية سريعة”.
وعلم ان قادة في فريق الأكثرية حاولوا الاتصال بالرئيس بري لدعوته الى قيادة الحوار من جديد. وفهم أنه لم يرد على غالبية الاتصالات وأحال الأكثرية الى موقفه المعلن بأنه لن يشارك في أي محاولة قبل إقرار الأكثرية بمطلب تأليف حكومة جديدة تمنح فيها المعارضة الثلث المعطل. وأجرى بري ومسؤولون من امل سلسلة من المشاروات المفتوحة شملت حزب الله والتيار الوطني الحر والوزير السابق سليمان فرنجية وقادة في بيروت وطرابلس وصيدا والبقاع.
وفي تطور مفاجئ أرجأ العماد ميشال عون جولة كان مقرراً ان يقوم بها الاسبوع المقبل وتشمل السعودية والإمارات العربية والكويت “نظراً الى الأوضاع التي يمر بها لبنان”.
وعلم ان عون دعا اكثر من ألف من قادة التيار في المناطق والقطاعات الى اجتماع تنسيقي يعقد اليوم لوضعهم في الاجوار العامة وإعداد القواعد للمشاركة في أي نشاط له طابعه الشعبي في المناطق.
كذلك واصلت قيادة حزب الله وضع قواعدها في أجواء التحرك القائم، وقالت مصادر قيادية في الحزب إن “ما قام به فريق الاكثرية قطع الطريق على أي حوار والحكومة الحالية باتت فاقدة لأي شرعية، وقراراتها ليست صالحة للتنفيذ إلا في قريطم والمختارة والأرز، ولن يعترف بها أحد على الإطلاق، وان النزول الى الشارع وأي نوع من التحرك الشعبي سوف يحصل”. وقالت المصادر “مهما حصل فلن يكون اسوأ مما اقترفه هذا الفريق الحاكم بحق الدولة واتفاق الطائف والعيش المشترك”.
جنبلاط
واكد جنبلاط انه في وجود جار مثل الرئيس السوري بشار الاسد "نخوض معركة وجودية ، نكون او لا نكون" واعتبر ان حديث نصرالله عن امتلاك المقاومة 20 الف صاروخ "يعني اننا على مشارف حرب جديدة". لكنه قال :" في اقصى درجات المشكل انا مع الحوار ونحن نقول له اننا نمد يدنا اليك انا ونبيه بري وسعد الحريري و14 آذار". ودعاه الى إقامة مسافة بينه وبين الاسد" من اجل سمعته فهو سيد ولا يحتاج الى سيد يأمره". وحذر من النزول الى الشارع هو "لغم " للمعارضة وللأكثرية في آن معاً "خصوصاً بعدما اعلنت "القاعدة" السورية عن وجودها في لبنان". وقال: “افضِّل وانصح بأن ما من احد يسيطر على الشارع".
وإذ اعتبر جنبلاط ان نصرالله "شريكاً اساسياً" ،قال: فليتذكر هو وغيره ان ما من احديمكنه فرض سلطته على الآخر".
واضاف : مهما كانت المحاور الخارجية فإن محور التسوية في لبنان يبقى الاهم والاقوى" . واضاف ان هذه التسوية هي في الحد الادنى على قاعدة برنامج لحكومة وحدة وطنية ينطلق من المحكمة الدولية ونترك موضوع السلاح جانباً ونناقش القرار1701 وباريس ـ 3 وندخل لاحقاً في حوار اوسع حول العلاقة مع سوريا وموضوع مزارع شبعا".
وتحدث جنبلاط عن "أمر عمليات بكره السنيورة" صدر عما سماه "ملاك الموت" . وهاجم دمشق وطهران واتهمهما بأنهما تريدان "بقاء الجنوب مدخلاً لمغامرات" الى ان تصلا الى تسوية مع واشنطن "فهدف السوري والايراني هو الحوار مع الاميركي" وقال:" لا أُفق لمصالحة بين الشعب اللبناني والنظام السوري إلاّ اذا تغيرت صيغته وأعترف بالتنوع والتعدد".
ومن جهة ثانية اتفق مفتي الجمهورية الشيخ رشيد قباني في اتصالين أجراهما مع كل من نائب رئيس المجلس الشيعي الشيخ عبد الأمير قبلان وشيخ عقل الطائفة الدروز نعيم حسن على “عقد قمة روحية إسلامية في بيت الطائفة الدرزية في أقرب وقت والعمل على تعزيز وحدة المسلمين” حسب البيان الرسمي.
كما رد رؤساء الحكومة السابقون في بيان اصدروه امس على السنيورة متسائلين: “هل يكفر من يطالب بحكومة وحدة وطنية تنقذ البلاد من المأزق الذي تتخبط فيه؟” واعتبروا انه “لم يعد لاستمرار الحكومة في وضعها الراهن سوى تفسير هو التشبث بالكرسي من فريق الاستئثار بالسلطة”. وقالوا: “لا كانت كرسي ولا كانت سلطة إذا كان الثمن سيدفعه الوطن وحده”.