أزمة جديدة عصفت بالعراق، مسرحها الحساسيات المذهبية المتفاقمة، وقد يكون محركها سوء تقدير وتوقيت الحكومة العراقية، التي لم تعمل بنظرية «الظروف الاستثنائية» في حكمها لتجنب مزيد من التدهور والصراع الطائفي، فأصدرت مذكرة «اعتقال» بحق الأمين العام لهيئة العلماء المسلمين، حارث الضاري، لم تلبث أن عدلتها لتصبح مذكرة قضائية «للتحقيق»، بعدما تبرأت من مسؤوليتها عنها رغم صدورها عن وزارة الداخلية العراقية .(التفاصيل)وطغت أنباء صدور المذكرة تلك على الساحة السياسية العراقية أمس، فتوالت ردود الفعل، المستنكرة لها والمؤيدة، في ما يشبه حرباً كلامية تهدد بتأجيج التوتر المذهبي المتأجج أصلاً في هذا البلد المحتل. وبلغت بعض ردود الفعل حدّاً، طالبت فيه «هيئة العلماء» باستقالة الحكومة والكتل السياسية المنضوية تحت لوائها بالخروج منها، فيما وصف بعض قياديي المجلس الأعلى للثورة الإسلامية الضاري نفسه بأنه «رمز الفتنة» و«شيخ اللصوص».
وتأتي هذه الأزمة الجديدة وسط تحولات بدأت تتبلور في موقف بعض الكيانات السياسية من الاحتلال الأميركي للعراق، وتعديلات في التحالفات بالتزامن مع سجال أميركي حول كيفية التعاطي مع هذا الملف، بين مطالب بانسحاب فوري وداعٍ إلى إشراك سوريا وإيران في الحل وطارح لرؤية تقسيمية تجزّئ العراق إلى دويلات ثلاث.
وأكد الضاري، لـ«الأخبار» من عمان، بطلان المذكرة الصادرة بحقه عن الحكومة العراقية. وقال إن «العراق يعيش الآن فتنة سياسية تقف خلفها ميليشيات الأحزاب التي تشارك حالياً في الحكومة». وجدد التأكيد أن «الاحتلال الأميركي غير شرعي»، مطالباً بـ«تأليف حكومة وحدة وطنية بمشاركة جميع مكونات الشعب العراقي تنقذ العراق من الوضع الراهن الذي يعيش فيه». وتابع «سأعود إلى العراق في الوقت الذي أراه أنا مناسباً لعودتي».
وكان المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية العراقية قد أعلن، في وقت سابق أمس، أن «المذكرة الصادرة عن السلطات هي مذكرة استرداد أيضاً، وسنجلبه أينما كان».
أما «هيئة العلماء المسلمين»، فأعلنت في بيان اصدرته امس، أن «الحكومة الحالية، بعدما ارتكبته من جرائم وفضائح، لم يعد وجودها مسوغاً، وعليها أن تستقيل قبل أن يقيلها الشعب العراقي بنفسه».
ورأى الحزب الاسلامي العراقي (سني)، الذي يتزعمه نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي، أن إصدار مذكرة توقيف بحق الضاري يمثّل «اطلاق رصاصة الرحمة على مبادرة المصالحة الوطنية والحوار وإثباتاً للنهج الطائفي الذي تنتهجه الحكومة».