strong>مجلـس الأمـن أرجأ بتّ المحكمـة الدوليـة لـ «التشـاور حـول آليـة الإقـرار الدسـتورية في لبـنان»
لم يسجل امس أي تطور يشير الى إمكان حصول تسوية بين الأكثرية والمعارضة، وبدا أن الوضع يتجه نحو مواجهة محتمة، وخصوصاً بعدما استكملت المعارضة عدتها وعديدها للتحرك الشعبي الهادف الى إسقاط الحكومة وباتت تعيش «ساعات ما قبل الساعة الصفر» للانطلاق في هذا التحرك حسبما ابلغ احد اركانها الى «الأخبار» ليل امس في ختام يوم طويل من الاجتماعات التحضيرية من جهة ومن المشاورات والمساعي التي ظل رئيس مجلس النواب نبيه بري محورها أيضاً وأيضاً... وقد أبلغت مصادر قريبة منه الى «الأخبار» أن كفة المواجهة ما تزال هي الراجحة، لكنه لم يصل الى درجة اليأس، وهو يأمل حصول «تطور ما» في ربع الساعة الأخير.
لكن تطوراً لافتاً جاء من نيويورك حيث أجّل مجلس الأمن الدولي إقرار مسوّدة المحكمة الدولية، وسط معلومات عن حاجة الأعضاء الى مشاورات حول الآلية الدستورية لإقرارها في لبنان، وهو الأمر الذي أشار إليه السفيران الفرنسي والروسي في مجلس الامن، اللذين أكدا أن الاتفاقية تحتاج الى موافقة رئيس الجمهورية في لبنان.
في غضون ذلك تتواصل اليوم حرب «المواقف الشاملة»، ويعقد الرئيس فؤاد السنيورة ثم النائب سعد الحريري مؤتمرين صحافيين قبل ظهر اليوم. وتحدثت مصادر واسعة الاطلاع عن مساع متنوعة بينها ما طلبه الحريري من نائب الرئيس العراقي عادل عبد المهدي التوسط له مع الجانب الإيراني ليتوسط بدوره لدى قيادة حزب الله من أجل إعادة التواصل بينها وبينه.
وفي بنشعي يعقد الوزير السابق سليمان فرنجية اليوم اجتماعاً مع نحو ألف من كوادر تيار «المردة» ويعلن فيه «الموقف السياسي من التطورات ويحفز الحاضرين على مزيد من الجهوزية لمواجهة الاحتمالات المرتقبة إذا استمر فريق السلطة في رفضه مطالب المعارضة، بما في ذلك النزول الى الشارع» على ما قال مقرب من فرنجية.
وعلى رغم تحرك السفير السعودي عبد العزيز خوجة في اتجاه بري امس وتحرك السفير المصري في اتجاه السنيورة فإن القطيعة استمرت بين بري من جهة والسنيورة والحريري من جهة ثانية، وذلك على خلفية الإخلال بتفاهمات سبق أن تم التوصل إليها. وأوضحت مصادر بري أن ما قاله الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله عن هذه التفاهمات اول من امس لجهة القبول بالمحكمة الدولية مقابل إعطاء المعارضة أكثر من «الثلث الضامن» كان أقل بكثير مما حصل على هامش طاولة التشاور في جولتها الثالثة، إذ إن البحث بلغ الجوانب التنظيمية المتعلقة بمسوّدة نظام المحكمة ذات الطابع الدولي الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
وحتى ساعة متقدمة من ليل امس لم يكن الرئيس بري قد تلقى أي عرض تسوية مقنع من الأكثرية حتى يبادر الى إقناع حلفائه به على رغم تجاوز هؤلاء موضوع حكومة الوحدة الوطنية بالصيغة التي سبق له أن طرحها.
وقد خرج السفير خوجة من اللقاء مع بري متفائلاً وقال لـ«الاخبار»: «إننا نتناقش في كل الحلول الممكنة». ولم يشأ كشف أي تفاصيل، لكنه قال: «الرئيس بري رجل طيب وإيجابي، وإني شخصياً متفائل جداً، ومتفائل بحكمة جميع الزعماء السياسيين».
وفي غضون ذلك اتصل السنيورة، بعد ظهر امس، هاتفياً بوزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل وعرض معه الأوضاع المحيطة بلبنان والمنطقة. وشكر للسعودية «كل الدعم الذي قدمته وتقدمه للبنان».
وذكرت مصادر قريبة من السنيورة أنه سيستهل مؤتمره الصحافي اليوم بكلمة عامة يتحدث فيها عن آخر التطورات ثم يعرض نتائج العدوان الاسرائيلي والخطوات التي تتخذها الحكومة لمحو آثاره وآلية صرف المساعدات للمتضررين. ولم تستبعد مصادر مطلعة ان يرد على الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله الذي وصف حكومته بأنها «حكومة السفير (الأميركي جيفري) فيلتمان».
وفي هذا السياق قال وزير الإعلام اللبناني غازي العريضي في القاهرة حيث التقى الرئيس المصري حسني مبارك والامين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى الذي سيزور بيروت خلال أيام، إن ما قاله السيد نصر الله عن إملاء أميركي للحكومة اللبنانية لا يساعد في إيجاد تفاهم بين الحكومة والمعارضة. وأضاف: «حكومة فؤاد السنيورة ليست أميركية بل هي لبنانية والرئيس السنيورة لبناني الهوى والانتماء». ورأى أن كلام نصر الله هو «جزء من السجال السياسي الحاد في لبنان ولا يساعد على إيجاد المناخ الملائم لرسم التفاهم السياسي». ودعا إلى العودة إلى «الحوار والنقاش الهادئ والعقلاني في المسائل الأساسية الخلافية في لبنان للخروج بتصور مشترك يكون أساساً لحكومة وحدة وطنية».
ونقلت «وكالة الصحافة الفرنسية» عن الرئيس أمين الجميل، وصفه كلام نصر الله بأنه «مهين وتهديدي». وقال: «مهين بسبب وصفه الحكومة الحالية التي يرأسها السنيورة بأنها حكومة السفير الاميركي، وتهديدي لأنه يخيف الناس بتهديده بالتظاهر دون تحديد موعد له».
دعم فرنسي وأميركي للسنيورة
وجددت واشنطن دعمها للرئيس السنيورة، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الاميركية توم كيسي «نحن ندعم الحكومة المنتخبة برئاسة رئيس الوزراء فؤاد السنيورة وسنواصل العمل معها لمساعدتها في التقدم في العديد من المسائل التي نشاركها إياها». وأضاف إن من المهم «أن أي تعبير للرأي السياسي يجب أن يجري بطرق سلمية، أن يجري وفقاً لقوانين البلاد ومن دون ان يكون القصد تخويف الآخرين».
وفي باريس اتهم وزير الخارجية الفرنسي فيليب دوست بلازي «سوريا وإيران» بالسعي الى زعزعة الحكومة اللبنانية. وقال لشبكة تلفزيون «ال سي آي» ان «سوريا وإيران، نعرف ذلك جيداً، تدفعان اليوم الى زعزعة حكومة فؤاد السنيورة». وأوضح «لا اعتبر أن هناك حرباً بين إسرائيل ولبنان» في الوقت الحاضر مضيفاً «أعتبر أن هناك سوريا وإيران وحزب الله الذين يحاولون زعزعة استقرار لبنان البلد الصديق».
المحكمة الدولية
من جهة ثانية أفاد ديبلوماسيون في نيويورك ان مجلس الامن الدولي أرجأ امس الى اليوم الثلاثاء على اقل تقدير موافقته على إنشاء المحكمة الدولية. وقال السفير الفرنسي لدى الأمم المتحدة جان مارك دو لا سابليير ان المجلس «مجمع تقريباً» على إقرار مشروع المحكمة الذي وضعته الأمم المتحدة ووافق عليه وزراء الاكثرية اللبنانية الاسبوع الماضي. وأضاف «ان رئيس مجلس الأمن سفير البيرو خورخي فوتو برناليس سيعد رسالة تأتي في إطار «اجراء الصمت»، موجهة الى الامين العام للأمم المتحدة كوفي انان تعلن موافقة مجلس الامن على إنشاء هذه المحكمة.
وأوضح دو لا سابليير انه بموجب هذا الإجراء فإن الرسالة تصبح مقبولة إذا لم يبد أي عضو من أعضاء مجلس الامن الـ15 اعتراضاً على النص خلال الساعات الـ24 المقبلة. وخلص الى القول «آمل أن يوافق عليها كل الاعضاء».
وإذا تمت هذه الموافقة، فإن نص إنشاء المحكمة سيرسل من الامانة العامة للأمم المتحدة الى لبنان حيث سيعرض على مجلس النواب للموافقة عليه لأنه يُعد معاهدة دولية كما يحتاج الى موافقة رئيس الجمهورية.
وقال السفير الأميركي جون بولتون إن المجلس يخطط لإرسال رسالة لإبلاغ الحكومة اللبنانية بموافقته. وأضاف «إن رسالة من رئيس مجلس الامن الدولي ستعرب عن موافقة المجلس على مسوّدة الاتفاق والنظام الاساسي للمحكمة.. ونأمل موافقة المجلس عليها». وقال إن المجلس سيتابع بعناية إجراءات إنشاء المحكمة، وانه اختار اعتماد هذا الإجراء بدلاً من إصدار قرار واللجوء الى تصويت رسمي لأن الخبراء في الأمم المتحدة رأوا أن التصويت غير ضروري.
وأعلن دو لا سابليير وبولتون أنه لا يعود الى مجلس الأمن التدخل في الخلافات الدستورية اللبنانية. إلا أن السفير الروسي فيتالي تشوركين اعلن ان النص يجب ان «يحترم القواعد الدستورية اللبنانية» وان المحكمة «يجب ألا تكون عامل فرقة بين مختلف الاطراف اللبنانيين».