strong>السعودية تطلب من برّي إحياء طاولة التشاور و«حزب الله» يصف جنبلاط بـ «الأفعى المرقّطة»
يُشيّع اليوم الوزير بيار الجميل في مأتم رسمي وشعبي في وسط بيروت، وسط توقعات من جانب فريق السلطة بمشاركة تعيد الى الأذهان صورة تجمع 14 آذار في عرض قوة يتجاوز حدث التشييع نحو توجيه رسالة الى المعارضة التي لا يبدو أنها غيّرت من برامجها للتحرك الشعبي بوجه الحكومة، بل أرجأته لبعض الوقت بما في ذلك النزول الى الشارع من أجل تأليف حكومة وحدة وطنية.
وترافق التشييع أجواء سياسية صاخبة واتهامات من فريق السلطة في غير اتجاه، مستبقةً كعادتها التحقيقات التي قالت مصادر أمنية رفيعة إن “هناك معلومات جديدة وجدية في شأنها، ولكن تقرر إبقاء الملف كله طيّ الكتمان”. وكرر قطبا السلطة سعد الحريري ووليد جنبلاط اتهام سوريا بالوقوف وراء الجريمة، واتهام المعارضة بتوفير الغطاء السياسي، وأكدا أن العرض الوحيد من قبلهما للحل الداخلي يقتصر على مشاركة في الحكومة دون الثلث المعطل. بينما كان مسيحيو السلطة يضغطون باتجاه تحويل التشييع اليوم الى تظاهرة سياسية تتجه صوب القصر الجمهوري لأجل المطالبة بإسقاط الرئيس إميل لحود، بينما اقترحت فكرة أن يقام اعتصام مفتوح في ساحة الشهداء يستمر حتى تحقيق مطلبي: إقرار المحكمة الدولية في المجلس النيابي وانتخاب رئيس جديد للجمهورية.
وتفادياً لوقوع الأسوأ، وضعت قيادة الجيش منذ ليل الثلاثاء مئات الأمتار من الأسلاك الشائكة العالية على الطرق المؤدية إلى قصر بعبدا من جهاته المختلفة بغية منع الاقتراب منه، وتفادياً لصدام بين الجموع ولواء الحرس الجمهوري. وأجريت سلسلة اتصالات مع فريق السلطة لمنع حصول هذه المواجهة، وإبلاغ العماد ميشال سليمان المعنيين قرار الجيش حماية مباني المؤسسات الدستورية والوطنية والمقار الحكومية ومباني الوزارات كلها بلا استثناء.
لكن ذلك لم يمنع من تجدد الاتصالات السياسية، فالتقى رئيس المجلس نبيه بري الوزير غازي العريضي، موفداً من جنبلاط، وعرض معه التطورات الجارية وما يمكن اتخاذه من خطوات لتفريج الأوضاع. ونقل زوار بري عنه قوله إنه لا غنى عن التفاهم لأنه الأساس، وإن اغتيال الوزير الجميل يؤكد أكثر فأكثر هذا التفاهم، ولا يفيد الأفرقاء تبادل رمي الكرات الى ملاعبهم لأنه لن يوصل الى التفاهم المطلوب لإنقاذ البلاد. وذكَّر بري بأنه كان قد حذّر مراراً من مغبة المكابرة والتعنت لأن البلاد تتمزق، وهو دعا الى الحوار الوطني في آذار الماضي، ما حال دون حصول تصادم بين الساحات. ثم كانت دعوته الأخيرة الى طاولة التشاور لتنفيس حال الاحتقان الشديد التي ما تزال سائدة.
وكشفت مصادر واسعة الاطلاع لـ“الأخبار” أن الاتصالات بين بري والسلطة قطعت شوطاً كبيراً في اتجاه التوصل الى اتفاق على تحقيق الثلث المشارك في الحكومة بما يجعلها حكومة وحدة وطنية. وذكرت أن جنبلاط كان سيزور بري في السادسة مساء أول من أمس بعدما تلقى الاخير اتصالاً هاتفياً من رئيس الحكومة فؤاد السنيورة أنهى قطيعة بينهما منذ توقف طاولة التشاور، وذلك نتيجة وساطة قام بها السفير السعودي عبد العزيز خوجة، في لقاءات عقدها مع بري وبعض اركان السلطة، ركزت على ان يعود الجميع الى طاولة التشاور لاستئناف البحث في ما بينهم للوصول الى التفاهم المطلوب للخروج من الازمة. ولكن وقوع جريمة اغتيال الوزير الجميل قبل ثلاث ساعات من موعد اللقاء بين بري وجنبلاط عطَّل هذه الوساطة السعودية ولكنه لم ينهها.
وقال السفير خوجة لـ“الأخبار” إنه يعوّل كثيراً على دور الرئيس بري لإعادة الافرقاء الى طاولة التشاور. وإذ وصف الاوضاع بأنها “صعبة” أكد أنه مستمر في بذل مزيد من الجهود من اجل تمكين الأفرقاء المتنازعين الى الاتفاق المطلوب.
وبرغم ان الجهود كلها تركزت على سبل منع تحويل التشييع اليوم الى اشارة الانطلاق لحرب الشوارع والساحات، فإن المواقف الداخلية والخارجية ظلت تشير إلى مستوى الاستنفار الذي ترافق مع تولي فريق “القوات اللبنانية” حملة عنيفة على التيار الوطني الحر والعماد ميسشال عون، بعدما تبيّن أن عناصر من القوات هم الذين يتولون الاعتداء على مكاتب العونيين وعليهم شخصياً. مقابل تمسك عون بالهدوء ودعوته أنصاره الى عدم الرد والى المشاركة في الإضراب العام اليوم وفي التشييع ايضاً. وهو رفض الدخول الآن في سجالات سياسية، وشكر الرئيس أمين الجميل على مواقفه الهادئة. وأكد رفضه السعي لإسقاط رئيس الجمهورية من خلال الشارع.
لكن الجميل الأب انضم امس الى الحريري وجنبلاط في اتهام دمشق باغتيال نجله، وقال لمحطة التلفزيون الفرنسية «ال سي آي»: “ليس لدينا بعد أدلة او قرائن غير قابلة للنقض لكن كثير اً من الاصابع تشير الى سوريا التي لها سوابق”. وأضاف:“لدينا ادلة على ان سوريا هي التي اغتالت شقيقي بشير عام 1982 وكل شيء يدفع الى الاعتقاد بأنه التصرف المعتاد لسوريا بتصفية حساباتها في لبنان عبر هذا النوع من الاساليب الشيطانية، عبر الاغتيال”. وقال “ألم يحن الوقت لنقفل صفحة المآسي والمخططات الشيطانية؟ وهذا لا يتم إلا بالعودة إلى طاولة الحوار”.

جنبلاط و“المنتصر الإلهي”
إلى ذلك وعلى وقع التعازي بالوزير الجميّل، هاجم رئيس “اللقاء الديموقراطي” النائب وليد جنبلاط، بعنف “النظام السوري” متهماً إياه باغتيال الجميل، وتوقع استمرار الاغتيالات هرباً من المحكمة الدولية. وقال “ليعلم حاكم دمشق أنه مهما استفحل في القتل فلن يخيف اللبنانيين”، مؤكداً أن “كل اغتيال هو مسمار اضافي في نعش النظام السوري”. وأكد ان هدف الاغتيال “إنقاص عدد أعضاء الحكومة حتى تفقد الغالبية وإنقاص عدد النواب حتى لا تتمكن الهيئتان من إبرام نظام المحكمة”. وإذ وصف جنبلاط الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله بـ“المنتصر الإلهي” دعاه الى “إعطاء وزرائه اشارة العودة الى الحكومة والتصويت معنا على عدالة المحكمة الدولية”. وأضاف “عندما يشارك في إقرار العدالة ننسى الماضي وندخل في نقاش حول الحكومة التي لا تستطيع ان تولد إلا من خلال توافق عام ومن خلال رئيس جمهورية جديد”. كما تمنى على الرئيس بري “الدعوة الى جلسة نيابية للموافقة على المحكمة الدولية من اجل وحدة لبنان واستقراره”.

“الأفعى المرقطة”
ورد المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله الحاج حسين الخليل على جنبلاط عبر قناة “المنار” فوصفه بأنه “رجل الفتنة في هذا البلد” وقال:“منذ اغتيال الرئيس الحريري كنا نرى أن جنبلاط يشتاق لرؤية الدم السني ــــــ الشيعي يسيل في البلد، وهو عمل لذلك لكن مشروعه فشل”. وأشار الى ان جنبلاط يحاول في كل محطة إثارة الفتن لأن عقله وتركيبته هكذا، وهو في هذه المحطات كالأفعى المرقطة التي تبث سمومها على اللبنانيين من كل حدب وصوب”.
وقال: “نحن كنا قاب قوسين او ادنى من النزول الى الشارع، وأركان السلطة كانوا في وضع لا يحسدون عليه، كانوا في مأزق كبير جداً، هم الذين كانوا يحتاجون الى دم يكون لهم نوعاً من الاوكسيجين كي يبعث فيهم الحياة من جديد”، داعياً اللبنانيين لأن يكونوا على درجة كبيرة من الوعي “لأن البلد على حافة الهاوية وهناك من ينفخ النار في الرماد”. وقال: “من اللافت للنظر تنبؤ جنبلاط وجعجع بمقتل وزراء، وقبله بحرب تموز وبالقوات المتعددة الجنسيات، وكل ما تنبأوا به حصل، فهل هم «معصومون” أم لديهم معلومات ملموسة، فليتفضلوا ويطلعوا الناس عليها، أم هم شركاء في هذا المخطط”.

بوش
وفي واشنطن أعلن أن الرئيس الاميركي جورج بوش اتصل امس بالرئيسين الجميل والسنيورة معزياً ومجدداً للسنيورة “تعهد الولايات المتحدة الثابت بالمساعدة على بناء الديموقراطية اللبنانية وبدعم الاستقلال اللبناني في وجه العقبات التي تضعها إيران وسوريا، وأكد ان العنف والاضطرابات في لبنان لن تمنع الاسرة الدولية من إنشاء المحكمة الخاصة للبنان”.
وزاد بيان وزعته رئاسة الحكومة أن بوش أكد “دعمه للبنان حكومة وشعباً، وعدم المقايضة في قضايا لبنان مع أية قضايا اخرى”. كما أكد “استخدام اتصالاته وعلاقاته مع المجتمع الدولي للتأكيد على ضرورة إنشاء المحكمة الدولية ولتثبيت الاستقرار في لبنان والعمل على تحريك موضوع مزارع شبعا ومساعدة لبنان في مسيرة إعادة الإعمار”.