strong>ارتبـاك سـياسي أمـام حشـد دون التوقّـع ونصـر الله وعـون يتمسّـكان ببرنـامج المعـارضة
هل دخلت البلاد في المحظور؟
منذ ما بعد اغتيال الوزير بيار الجميل، بدت الامور تتجه صوب مواجهة غير محسوبة. ورفع سقف المواجهة من جانب فريق السلطة بلغ ذروته الاولى مع حشد التشييع امس والذي خيب امال قادة 14 اذار بعدما بدا انه ضئيل بالمقارنة مع ما كان مقدرا ومع ما كنت تجمعه هذه القوى سابقا. فيما دبت الخلافات بين هذه القوى على الخطوات اللاحقة مع رفض البطريرك الماروني نصرالله صفير ومن ثم الرئيس امين الجميل تبني الدعوة الى تحرك مفتوح وتحرك جماهيري باتجاه قصر بعبدا. واقتصار الامر على ضغط باتجاه اقرار المجلس النيابي لمشرورع اتفاقية المحكمة الدولية.
وبينما تابعت قوى 14 اذار مشاوراتها للاتفاق على الخطوات اللاحقة، كانت قوى المعارضة تعيد صياغة موقفها وترفع من مستوى المشاورات فيما بينها. وتحدث العماد ميشال عون لقناة “الجزيرة” مساء امس معلنا أن “لا تغيير في أولويات المعارضة”، فيما اعلن الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ليلا ان تحرك المعارضة مستمر ولو تأخر احتراما لما حصل”. وكان نصرالله يتوجه مباشرة عبر قناة “المنار” الى متظاهرين غاضبين نزلوا الى طريق المطار وبعض مناطق الضاحية احتجاجاً على التعرض له وللرئيس نبيه بري في ساحة الشهداء، داعياً اياهم الى الانسحاب من الشارع والعودة الى منازلهم “تداركاً لأي خطأ، ومنعاً لدخول أحد على الخط، لأن (...) الوضع في البلد دقيق وحسّاس جداً، والمتربّصون كثر”.
التشييع وخطاب 23 تشرين
وكان وسط بيروت شهد تشييعاً حاشداً للوزير الجميل وتخلله بعد القداس مهرجان خطابي تحدث فيه اركان الاكثرية الحاكمة. فقال الرئيس امين الجميل ان “التغيير والاصلاح يبدآن بالعد العكسي لانتخاب رئيس جديد (...) وقريبا نعلن الخطوات التي نحن بصدد اتخاذها والتي معها يكون قد بدأ العد العكسي للبنان الحقيقي». فيما شدد النائب سعد الحريري على أن «وحدتنا الوطنية اقوى من سلاحهم واجرامهم وارهابهم». واضاف: «انكم تثبتون لمن قال اكثرية وهمية نحن الحقيقة وانتم الاوهام».
وقال رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط «لن ينالوا من عزمنا وارادتنا في الصمود وتمسكنا بالاستقلال (...) ومن رفضنا للشمولية والديكتاتورية. ومن حصر السلاح في امرة الدولة، ومن مطلبنا للحقيقة والعدالة والمحكمة الدولية». لكنه اضاف: «في هذه اللحظة وفوق الالم وفوق الجراح نحن مع الحوار.»
واعتبر رئيس الهيئة التنفيذية لـ “القوات اللبنانية» سمير جعجع ان «التاريخ سيحكم على الرئيس لحود وصحبه (...) واذا كان هناك من لا شرعية ولا وطنية في لبنان فهي في احضانهم وصفوفهم ورأس حربتهم شاغل قصر بعبدا». وأضاف: «ارادوها معركة على المحكمة لكنهم لم يجرؤوا على اعلانها فقالوا انها معركة المشاركة”. ووصف الحكومة بأنها «حكومة كل لبنان ولن نقبل باستبدالها بحكومة وصاية واجرام»
الموقف الفرنسي
واثر مشاركته في التشييع جال وزير الخارجية فيليب دوست بلازي على رئيسي المجلس نبيه بري والحكومة فؤاد السنيورة والحريري واكد دعم فرنسا “الثابت” لـ “مسيرة الاستقلال والسيادة والحرية”. ودعا الى “معاودة الحوار وايجاد الحلول والتسويات العقلانية في اطار احترام العمل الحكومي المنتظم وقواعد الديمقراطية”. واعلن “ ان فرنسا ستبقى الى جانب لبنان للتحضير وانجاح المؤتمر الدولي لدعم لبنان الذي سيعقد في باريس أواخر كانون الثاني”،
السنيورة وجلسة الحكومة
وسارع السنيورة مساء الى الاتصال بري قبل مؤتمر صحافي عقده لاحقاً اثر اجتماع وزاري ضمه الى 12 وزيراً ودعا فيه الوزراء الى العودة عن إستقالتهم، وحض على إخراج المحكمة الدولية “من الجدل الداخلي” وعلى “العودة إلى طاولة الحوار والنقاش” . وإذ نوه بدور بري ودعاه الى الاستمرار فيه، قالت اوساط رئيس المجلس ان موقفه لا يزال حاسماً وابلغه الى رئيس الحكومة وهو انه “ لن يوجه اي دعوة الى التشاور او الحوار ما لم تتوافر لديه معطيات مشجعة، واقلها عودة الاكثرية الى التفاهم الذي نكصت به في الجلسات الأخيرة للتشاور”.
واذ دعا السنيورة الى جلسة لـ “مجلس الوزراء” مساء غد، علمت “الأخبار” ان الجلسة قد تعقد مساء اليوم لأن الوزير طارق متري سيصل من نيويورك فجراً حاملاً نظام المحكمة. وقالت مصادر مطلعة ان السنيورة سيطرح في الجلسة “إقرار” المشروع بمعزل عن رئيس الجمهورية لينطلق لاحقاً الى مطالبة بري بدعوة مجلس النواب الى الانعقاد لإبرامه.
وسارع وزير الداخلية المستقيل حسن السبع الى العودة عن استقالته وزار الحريري ليبلغه قراره. فيما اكد الوزير المستقيل محمد فنيش لـ «الاخبار» انه «في حال قبول الاكثرية بمبدأ الشراكة فسنعود عن استقالتنا». اما الوزير محمد جواد خليفة فإعتبر ان العودة عن الاستقالة «تستوجب إعادة التواصل مع القوى السياسية التي نمثلها».
التشييع
ولم يكد تشييع الجميل ينتهي حتى بدت الامور اكثر تعقيدا. اذ ان الاجتماعات التي عقدت في الساعات الـ36 الماضية بين فريق السلطة ركزت على توسيع التحرك الشعبي. فطالبت “القوات” وبقايا “قرنة شهوان” بتوجيه الحشود نحو قصر بعبدا، ولما برز اعتراض من ال الجميل والبطريرك صفير، دعا اخرون الى اعتصام مفتوح حتى اقرار المحكمة في المجلس النيابي وتصعيد المواجهة نحو اقالة لحود. لكن معلومات وصلت الى القوى الامنية والى بكركي وقيادات بارزة، مفادها ان المعارضة تستعد لتنظيم تظاهرة ضخمة الى بعبدا فور اعلان قوى 14 اذار التوجه اليه، ما أدى الى قرار بتأجيل الامر. وركزت اجتماعات المتابعة على اجراءات اخرى. وتبين ان لا مجال لخطوة كبيرة من دون موافقة الرئيس الجميل، الذي ظل تحت الضغط حتى خروجه لالقاء الخطاب.
في هذه الاثناء كان الحريري يبحث سبل التصعيد. واجرى مقربون منه اتصالات مهدت لقرار صادر عن الهيئات الاقتصادية باعلان الاضراب المفتوح، لكن اخرين افادوه بأن من شأن ذلك اعطاء ذريعة لقوى المعارضة لتعطيل البلاد. وترافق الامر مع ورود تقارير عن ضآلة الحشود المشاركة، خصوصاً المسيحية، في التشييع، ما انعكس التقاطا للانفاس لدى التيار الوطني الحر الذي وصف زعيمه العماد عون حشد الاكثرية بأنه “فضيحة”. وعلم أن صفير يتوسط بين عون والجميل لمنع اي احتكاك ولترتيب زيارة تعزية للجنرال الى بكفيا.
في هذه الاثناء كان فريق امل - حزب الله يدرس الامر من زاوية ان الامور تتجه الى مواجهة. ورغم تعرض بري والعماد عون والسيد نصرالله للشتائم وتمزيق الصور أثناء التشييع الا ان القرار كان التعامل بهدوء مع الامر، مع الاستعداد لتحريك الاف المتظاهرين الى القصر الجمهوري اذا دعت الحاجة.
في غضون ذلك، كان بري يتابع الاتصالات مع السفراء العرب في بيروت وممثل الامين العام للامم المتحدة غير بيدرسون الذي دعا السلطة والمعارضة الى الهدوء مبديا خشيته من ان اي انفجار يطيح بأمور كثيرة من بينها احتمال سحب القوات الدولية من الجنوب.
التحقيقات
في الجانب الامني، بوشرت التحقيقات على اكثر من صعيد. فمسحت المنطقة، وجمعت افادات اكثر من 50 من الشهود واخرين يعملون في مكتب الوزير الراحل. وانطلق البحث من لحظة خروج الجميل من منزله صباحا حتى خروجه من الوزارة قاصدا مكان التعزية. والتدقيق في الاتصالات الهاتفية التي جرت في المنطقة وجمع ما امكن من تقاطعات تدل على من سرّب المعلومات حول نيته القيام بواجب التعزية وتحديد موعد للقاء مسؤول كتائبي محلي لمرافقته في الزيارة، وجمع صور من كاميرات منتشرة في المنطقة الممتدة من الوزارة حتى مكان الجريمة. وأظهرت بعض الصور سيارة سوداء تابعت حركة الجميل يعتقد انها لسيارة الهوندا التي استخدمها الجناة. وجمع صور لسيارة "ب.ام.اف" بيضاء قيل انها كانت في المكان ويعتقد انها كانت مكلفة تغطية الجناة.
وترافقت التحقيقات مع دخول لجنة التحقيق الدولية مسرح الجريمة وتسلم افادات الشهود ومحاضر التحقيقات. وتأخذ القوى الامنية في الاعتبار مجموعة امور منها:
ـ وجود خرق امني في محيط الجميل، والعمل على تحديده وما اذا كان من الفريق الامني او المدني او حتى الحزبي.
ـ وجود عمليات تنصت اتاحت للجناة تتبع حركته.
ـ وجود اكثر من فريق من الجناة بين المراقبة والمواكبة والتنفيذ والاخلاء.
لكن الجدل الاصعب يتعلق بوجهة التحقيق، اذ يبدو ان الفريق الامني الخاضع للسلطة يحصر "عدوه" بسوريا والجماعات التابعة لها، ويعمل على مراقبة المخيمات الفلسطينية لجهة تحديد من دخل اليها ومن خرج منها وقت وقوع الجريمة. ومراقبة الحدود مع سوريا وحركة العبور من دمشق واليها. وحصر الاليات الشبيهة بسيارات الجناة، ومراقبة عناصر من الحزب القومي على اساس ان كتائبيين اشاروا اليهم كمتهمين. ولا تدرس الاجهزة المولجة مباشرة بالتحقيقات اي احتمال اخر يتعلق بآثار الحرب الاهلية أو بالنزاعات بين القوى المسيحية او باحتمال ان تكون لجهة خارجية مثل اسرائيل صلة بالعملية.
الى ذلك، قررت الهيئات الاقتصادية الاقفال التام لكل المؤسسات التجارية والصناعية والمصرفية والمالية والسياحية والزراعية في مختلف المناطق اللبنانية اليوم وغداً «ردا على الجريمة والمجرمين»، ودعت المجلس النيابي الى «الاجتماع لاتخاذ القرارات الوطنية وفي طليعتها الموافقة على انشاء المحكمة الدولية»، والتوقف عن التهديدات المتبادلة بالنزول الى الشارع ومتابعة جلسات الحوار والتشاور .