بدء انتشار كثيف للجيش والسلطة ترفض «الوساطة الأخيرة» لكرامي وتوسّع التحقيقات مع موقوفي «القوات»
استمر التوتر الأمني مسيطراً على مناطق عدة من لبنان، ونشر الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي، ابتداءً من بعد ظهر أمس، آلاف العناصر والآليات في بيروت ومحيطها وعلى مداخل أحياء خاصة فيها، وسط معلومات عن تحرك وشيك لقوى المعارضة رفضاً للحكومة الحالية ومطالبةً برحيلها. بينما كانت المقارّ الرسمية تشهد اتصالات من النوع الذي يستهلك عادة في الوقت الضائع، مقابل اجتماعات مكثفة عقدتها قيادات ميدانية في قوى المعارضة تحضيراً لتحرك سوف يبدأ “في أي لحظة” على ما قال معنيون، بينما درست قوى السلطة خيارات لمواجهة تحركات المعارضة في الشارع وغيره.
وفيما بدت “انتفاضة المعارضة” قريبة من الانطلاق، وسط تكهنات بأن الرزمة الأولى من التحركات سوف تحصل خلال الساعات الـ36 المقبلة، فإن الاجهزة الامنية عملت طوال الساعات الماضية على احتواء أي مضاعفات للتوترات بين عناصر من “القوات اللبنانية” وآخرين من التيار الوطني الحر الذي طلبت قيادتهمن جميع عناصره الاستعداد للحظة التحرك الذي سوف يحصل على جميع الاراضي اللبنانية.
في المقابل شهد نهار امس اتصالات وضعت في سياق وساطة ربع الساعة الأخير. وكان محورها الرئيسان أمين الجميّل وعمر كرامي، بعد اجتماعهما على هامش تعزية رئيس الحكومة الأسبق للجميّل باستشهاد نجله. وزار الجميّل لاحقاً الرئيس نبيه بري عارضاً عليه القبول بفتح ملف الرئاسة مقابل إقرار المحكمة الدولية ضمن لجنة قانونية وبت أمر حكومة موسعة تضمن الثلث المعطل للمعارضة. لكن الجميّل وبري فوجئا بخطوة استباقية قرّرها فريق السلطة الذي أوفد “مسيحييه” الى البطريرك الماروني ضمن إطار لقاء “قرنة شهوان” والإعلان من بكركي رفض أي بحث يتقدم على انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
أما الرئيس كرامي فقدم اقتراحاً بدا مخرجاً باسم المعارضة، ولكن تبيّن أنه يخصّه وحده، وهو اقتراح بعث به كرامي الى الرئيسين بري وفؤاد السنيورة الذي اتصل به طالباً تزويده نسخة عنه، وفيه “ان معالجة المواضيع الخلافية الثلاثة تكون ضمن سلة واحدة.
اولاً: المحكمة الدولية: تأليف لجنة حقوقية مناصفة بين الفريقين للبحث في كل الأمور وإدخال التعديلات اللازمة.

ثانياً: تأليف حكومة تتمثل فيها المعارضة بالثلث زائداً واحداً.
ثالثاً: موضوع رئاسة الجمهورية: الاتفاق على اسم من قبل جميع الأفرقاء وعندئذ يصار الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية على قاعدة استمرار الرئيس الحالي حتى نهاية ولايته.
النقطتان الاولى والثانية تخضعان لمهلة عشرة ايام، أما النقطة الثالثة فإذا تعذر الاتفاق عليها في المهلة الآنفة فإنها لا تعطل النقطتين الاولى والثانية، ويستمر الجهد للوصول الى اتفاق. وهذا يتطلب وقف عقد جلسات مجلس الوزراء وكل امر تنفيذي خلال عشرة أيام، وهي المهلة لبت المواضيع اعلاه”.
وعلمت “الأخبار” أن اقتراح كرامي لم يلق تجاوباً لاصطدامه بإصرار السنيورة على رفض فكرة الثلث المعطل.
وتكتمت مصادر الرئيس بري على ما شهدته عين التينة من لقاءات ومشاورات، لكنها قالت إن رئيس المجلس كان قد أقفل الباب أمام المساعي بعد وصول جهوده إلى طريق مسدود ولم يلق اي استجابة للأفكار والمقترحات التي قدمها للخروج من الازمة، ولكنه نزولاً عند عند رغبة مراجع كبيرة روحية دينية وسياسية عاد عن إحجامه عن تلقي المبادرات وبات ينتظر الآن الافكار والمقترحات التي يمكن ان تفتح نوافذ، ولو ضيقة، في الجدران التي تفصل بين الأطراف، وهذه النوافذ على ضيقها مفتوحة على تسويات ممكنة يتمنّى الرئيس بري الوصول إليها في مقبل الأيام.
وكان السنيورة الذي اتصل بالرئيس بري بعد ظهر امس قد قال في حديث متلفز مساءً إن مسودّة المحكمة الدولية “ليست كتاباً منزلاً”، مبدياً ترحيبه بأي ملاحظات جدية بشأنها. وإذ اعتبر أن حكومته “دستورية 100%”، قال إنه لا يزال يأمل عودة الوزراء المستقيلين. وأشار الى انه لم يسمع من حركة “أمل” و“حزب الله” بعد أي ملاحظات قانونية على المحكمة، ولفت الى ان “المنطق الانقلابي يطغى على المنطق المحاور”. لكنه قال: “ما زال لديّ أمل بأن لا يكون هناك نزول الى الشارع في ظل هذه الأجواء، والجهود مستمرة”.
في غضون ذلك كان النائب الحريري يشن حملة على “أمل” و“حزب الله” فاستغرب، في حديث الى قناة “الإخبارية” السعودية، الاتهامات الموجهة الى السنيورة مذكراً بأن كلاً من حركة أمل وحزب الله “كانا قد سمّيا حكومته خلال الحرب حكومة المقاومة السياسية” وقال: “فجأة يسمونها اليوم حكومة فيلتمان، فليسمحوا لنا، هذا الكلام مرفوض، فليس هم من يعيّن الناس ويريدون الحكومات كما يريدون”، وأضاف ان السنيورة “رجل عربي قبل أن يعرفوا العروبة ويحاربوا من أجلها فليخلصونا من الاتهامات، وكل ساعة يتهموننا بفيلتمان. نحن أصل العروبة ونحن العروبة وهم لا دخل لهم بالعروبة وإذا وجد خونة فهم الخونة ولسنا نحن”.
وفي معلومات لـ“الأخبار” أن رئيس كتلة “المستقبل” النائب سعد الحريري أبلغ معاونيه قبل أيام في معرض التحضير لمواجهة تحرك المعارضة في الشارع لإسقاط الحكومة: “إننا سنحمي سوليدير والسرايا الحكومية الكبيرة بأكثر من 2000 عنصر من شركات الأمن الخاصة العاملة في الوسط التجاري بما يحول دون وصول أي متظاهرين الى هذه البقعة الجغرافية. وفي الوقت نفسه فإن الدكتور سمير جعجع تعهد لنا بأن يُقفل طريق الشمال، فيما وليد بك جنبلاط سيقفل طريقي البقاع والجنوب، وعندها فليتظاهر حزب الله في الضاحية الجنوبية فقط”.
“الأمن المركزي”
وأمس عُقد مجلس الأمن المركزي للمرة الأولى برئاسة وزير الداخلية الأصيل ــــــ العائد حسن السبع، وبعد 24 ساعة على اجتماعه الأول مع الرئيس السنيورة، واستؤنف البحث فيه في الوضع الأمني في ضوء التقارير التي رفعتها المراجع الأمنية. وتركز البحث على المعلومات المتوقعة بشأن التحرك الذي تحدثت عنه المعارضة والذي لم تكشف بعد عن مواعيده، وفيما رجحت مراجع شاركت في الاجتماع بدء التحرك مساء أمس، حسم آخر بأن اليوم لن يشهد أي تحرك. وقال مصدر معني إن التدابير الأمنية ليست جاهزة وهي ستبنى على ماهية التحرك وشكله وموقعه وتوقيته. وقال “إن التدابير هي في حد ذاتها من باب رد الفعل وليس العكس”.
وعلمت “الأخبار” ان الوزير السبع جدّد في اللقاء ما كان قد أشار إليه السنيورة في اجتماع اول من امس ومفاده “ان من مسؤولية الدولة حماية الحريات والسماح بالتظاهر، لكنها لن تسمح بالتعرض للأملاك العامة والمؤسسات الرسمية والأملاك الخاصة، وإن من مهمات القوى الأمنية احترام هذه التعليمات واتخاذ الإجراءات التي تسمح بذلك”.