وكأنّ البلاد لا ينقصها ما فعله بها وزير الداخلية بالوكالة أحمد فتفت منذ توليه مناصبه المتعددة، حتى يحصل ما حصل أمس. جريمة في وضح النهار ترتكب على خلفية قرار الوزير المعني منع مخالفات قائمة في منطقة طريق المطار بالقوة، ومهما كلف الأمر. وكانت الحصيلة الاولية مقتل فتى وإصابة اربعة جراح احدهم خطرة. في هذه الأثناء، كان السجال على خلفية بيان مجلس المطارنة الموارنة الأخير يشتد مع إبداء العماد ميشال عون استغرابه للموقف الرافض لحكومة وحدة وطنية، والمتجاهل لملفات الفساد التي لا تزال قائمة من قبل فريق الاكثرية نفسه الذي كان قائماً على ملف إعادة المهجرين منذ سنوات. وأعرب عن استغرابه لإهمال الحكومة الملفات الانمائية لقضاءي كسروان وجبيل، وانتقد سلوك الرئيس فؤاد السنيورة الذي “يبدو أنه رئيس حكومة سوليدير فقط” وأعرب متابعون عن اعتقادهم بأن عون، الذي يعدّ مع مساعديه وقيادات التيار الوطني الحر للمهرجان الشعبي الكبير الذي سينظمه في منتصف الشهر الجاري لمناسبة ذكرى 13 تشرين الأول عام 1990، سيعلن موقفاً حاسماً من مسألتي الحكومة والانتخابات النيابية المبكرة.
وردّاً على ما كان قد أعلنه عون لـ«الأخبار» عن تأييده دعوة الرئيس نبيه بري الى حل مجلس النواب وإجراء انتخابات نيابية مبكرة، نقل قريبون من قائد القوات اللبنانية سمير جعجع عن الأخير “ترحيبه الكامل بدعوة عون الى تأييد اقتراح بري”، مؤكداً أن “القوات مع إجراء انتخابات نيابية مبكرة اليوم قبل غد، ستخوضها بقوة وبلا تردد، لأنها ترى أن إجراء هذه الانتخابات من شأنه تصحيح تمثيلها في مجلس النواب، اذ إن تمثيلها الحالي لا يعبّر حقيقة عن حجمها السياسي والشعبي».
ورأى عون في مقابلة مع قناة “الحرة” بُثّت ليلاً أن موقف مجلس المطارنة الموارنة من حكومة الاتحاد الوطني “يتلاقى مع موقف دار الفتوى وبعض السفارات”، نافياً أن يكون هدف مواقفه الوصول الى رئاسة الجمهورية، و«لو أردتُ ذلك لكنت سايرتهم وسكتّ عن زعرناتهم وفسادهم».
ورأى أن رئيس الحكومة ورئيس كتلة المستقبل النائب سعد الحريري “يرتكبان جريمة في حق الوطن لتجاوزهما الدستور”، مشيراً الى أن هناك “أعرافاً وتقاليد على الحريري أن يحترمها، وألا يفرّط كثيراً في الكلام على السوريين لأنه لم يتخلص من عقدتهم بعد، وأن ينضج في السياسة”. وسأل: “أين كان الحريري قبل أن يأتي السوريون الى لبنان؟”.
وأكد عون أنه لم يتفاهم مع حلفائه بعد على طريقة تغيير الحكومة، لكنه حذر من أنه “إذا بدأت الخطوات العملية في هذا الاتجاه فسيكون هدفها أبعد من التغيير الحكومي”. وأشار الى أن الحريري يتوسّط لدى بعض السفراء لوقف المطالبة بتغيير الحكومة. وعن التشكيلات القضائية والديبلوماسية، أكد أن الحكومة لا تعتمد الأسس الصحيحة في هذه التشكيلات.
جريمة طريق المطار
وكانت أزقّة طريق المطار شهدت مواجهات مفتوحة بين قوى الأمن وأهالي المنطقة الذين حاولوا الدفاع عن منازلهم. وفي الوقائع، كما رواها شهود، أنّ قوة أمنية حضرت ظهراً لإزالة بعض مخالفات البناء في المنطقة، مما أدى الى اعتراض الأهالي على ذلك فنشبت “معركة” استخدمت فيها عصي وحجارة وأعقاب البنادق. وما لبث أن أطلق أحد العناصر الرصاص في الهواء وأتبع ذلك برشق عشوائي، فقتل الفتى حسن لطفي سويد (17 سنة)، وأصيب الطفل محمد حسين ناجي (10 سنوات) بجراح خطرة فيما كان على شرفة منزله. كما أصيب علي نبيل العزير (14 عاماً) بجراح خطرة والمصور في تلفزيون المنار خضر عمّار والمواطن جهاد قدور (40 عاماً) بجراح طفيفة.
وأصدرت شعبة العلاقات العامّة في قوى الأمن الداخلي بياناً أشار إلى “تجمهر عدد كبير من المواطنين لمنع قوى الأمن من إنجاز إزالة مخالفات، وهاجموها مستخدمين العصي والحجارة وأطلق بعضهم عيارات نارية الأمر الذي أجبر قوى الأمن على إطلاق عيارات نارية معدودة في الهواء لثنيهم عن ذلك». وأضاف ان “تقرير الطبيب الشرعي الذي كشف على جثة الفقيد والجرحى أظهر انه أصيب بطلقين ناريين في الظهر من سلاحين حربيين مختلفين وعن بعد مترين تقريباً، وأن إصابة أحد الجريحين خطرة وهي ناتجة عن رصاص متفجر غير مستعمل لدى قوى الأمن الداخلي وهي عن مسافة مترين أيضاً».
الجدير بالذكر أنّ عائلة سويد طلبت تشريحاً للجثّة، وجاء تقرير الطبيب الشرعي مخالفاً لتقرير قوى الأمن، إذ أوضح أنّ الفقيد أصيب من «مسافة بعيدة بدليل غياب كلي للوشم البارودي»، وأنّه «لا يمكن تحديد نوع السلاح المستعمل لغياب أية أعيرة نارية من جسم الضحية»، وأنّ طلقاً واحداً جاء «من الخلف» فيما الطلق الآخر «دخل من أعلى خط الإبط الأيمن ليخرج من فوق حلمة الثدي الأيمن».
وليلاً تحدث اللواء أشرف ريفي لـ«الأخبار» فقال: «كنا نأمل ان تنفذ المهمة التي أوكلت إلينا في افضل الظروف وبسلام، اذ لا يجوز ان تستمر المخالفات كما كان قائماً، لما لها من انعكاسات سلبية على مصالح أصحاب الأرض من مواطني المنطقة أو الأملاك العامة”. وأكّد ريفي انه طلب المباشرة بالتحقيقات التي ستعطي نتائجها اليوم وسط ثلاثة احتمالات: “وجود طابور خامس دخل على الخط، ويمكن ان تكون الإصابات برصاص المسلحين لوجود إصابتين عن بعد مترين من السلاح، او أن التدافع أدى الى ذلك واستخدام رصاص لا نستعمله نحن، او ان تكون الإصابات برصاص عسكريينا».
وأضاف رداً على سؤال عن حصيلة الأحداث: “أصيب ضابط من القوى الأمنية في أنفه بسبب رميه بوعاء زريعة، و11 عسكرياً آخر، فيما قتل احد المواطنين وجرح اثنان آخران، أحدهما إصابته خطرة، برصاص متفجر، كما اصيب ثلاثة آخرون برضوض مختلفة”.
وعن حصيلة يومين من العمل، قال: «أنجزنا (اول من) امس إزالة عشر مخالفات، واليوم (امس) أزلنا واحدة كبيرة، ولما بدأنا إزالة الثانية للمخالف نفسه وقع الحادث الأمني». وقال: «إن القوى الأمنية تنفذ الأوامر وإذا تبدلت نتوقف».


جاء تقرير الطبيب الشرعي مخالفاً لتقرير قوى الأمن، إذ أوضح أنّ الفقيد أصيب من «مسافة بعيدة»، وأنّه «لا يمكن تحديد نوع السلاح المستخدم»، وأنّ طلقاً واحداً جاء «من الخلف».