بيار أبي صعب
نوبــل الآداب لأورهــان بامــوق

“صراع الحضارات” هو العامل الرئيسي وراء فوز الكاتب التركي أورهان باموق بجائزة نوبل للآداب، حسب بيان الاعلان عن الجائزة الذي صدر أمس في استوكهولم. ترى الأكاديمية السويدية أن الكاتب «ابتكر أشكالاً جديدة للتعبير عن الصراع والتداخل بين الحضارات، من خلال رصده للروح الحزينة التي تسكن مدينته حيث أبصر النور». وهذه السمة من الملامح المميزة لجيل كامل في الأدب التركي الحديث، يحمل باموق لواءه: جيل مزدوج الثقافة، عاش تمزقات الهوية، ومزج بين تقاليد الإرث العثماني من جهة، والأنماط الأوروبية من جهة أخرىوالكاتب الذي أثار النقاش داخل بلاده وخارجها، ينتظر نوبل ـــ في الحقيقة ـــ منذ العام الماضي. تعويضاً عنها منحه الناشرون الألمان «جائزة السلام» في معرض فرانكفورت الدولي (السابق) للكتاب، بعد أن تعرض للمحاكمة بتهمة تحقير بلاده. وقبل «نوبل» كان باموق قد فاز بلقب الكاتب الأكثر رواجاً في بلاده، منذ اغتيال مواطنه الكاتب الساخر عزيز نيسين: آخر رواياته «ثلج» بيع منها أكثر من مئتي ألف نسخة. ولعله أكثر الكتّاب الأتراك انتشاراً في العالم، إذ ترجمت أعماله الى أكثر من ثلاثين لغة.
بدأت القضيّة على أثر حديث أدلى به الى صحيفة سويسرية، معترفاً بمسؤولية تركيا عن “إبادة ثلاثين ألف كردي ومليون أرمني”. وكلامه الذي يشبه “فعل ندامة جماعياً”، كان له يومذاك وقع الصدمة على جزء من مواطنيه، فاتّهم صاحب “اسمي أحمر” بخيانة وطنه، وبالإساءة الى الهوّية التركية. واستمرّت معاناته مع القضاء أشهراً طويلة... ثم جاء فوزه بجائزة “ميديسيس” الفرنسية آنذاك، عن “ثلج”، ليزيد التشكيك في وطنيته. ثم صرفت المحكمة النظر عن القضية بعد ضغوط ديبلوماسية قوية، على خلفية دخول تركيا الى الاتحاد الأوروبي...
واليوم لا شك في أن هناك من سيرى في “نوبل” هديّة مسمومة لتركيا. الجائزة الأدبية الأرفع في العالم، لم يحصل عليها ناظم حكمت، ولا كاتب كبير من مقام ياشار كمال... وها هي تأتي أخيراً لتكرّم، للمرّة الأولى في تاريخها، الأدب التركي، ومن خلاله لغة الامبراطورية القديمة وثقافتها وحضارتها، وتنعش شعور الاعتزاز القومي في تركيا. لكن “نوبل” باموق يسلّط الضوء، من جهة ثانية، على الواقع الشائك في بلد موزع ـــ كما في روايات باموق ـــ بين اعتبارات ومصالح سياسية واقتصادية ودينية وثقافية وقومية متناقضة. من الاعتراف بمسؤولية تركيا عن المجزرة بحق الأرمن (1915 ـــ 1919) الى الخيار الإسلامي الراديكالي في بلد أتاتورك، مروراً طبعاً بحقوق الانسان. وتشاء المصادفات أن يصدّق البرلمان الفرنسي في باريس، يوم إعلان نوبل الآداب في استوكهولم، على مشروع قانون يجعل من نفي صفة “الإبادة” عن المجازر التي ارتكبت بحق الأرمن جنحة تقع تحت طائلة القانون.
وأبرز روايات باموق مترجمة الى العربية، وهو معروف على نطاق واسع في المشرق والمغرب على حدّ سواء. لكن ذلك قد لا يعني إليه الشيء الكثير. يروي المصوّر اللبناني المعروف فؤاد خوري أنّه ذهب لالتقاط صور للكاتب التركي، سأله إن كانت روايته “اسمي أحمر” ستترجم الى لغة الضاد. فما كان من باموق إلا أن أجابه متسائلاً: “وهل هناك ناس تقرأ بالعربيّة؟... وإذا كان هناك من يقرأ، فهل هناك من يدفع؟”. قبل أن يضيف: “اسمي أحمر” ورواياتي الأخرى تترجم حالياً الى العبريّة”(التفاصيل).