عصام الجردي
أن يحوز البنغالي محمد يونس، مع مصرف غرامين الذي أسّسه لتوفير قروض بسيطة للفقراء جائزة نوبل للسلام، لا تفسير له سوى إقرار بحقيقة طالما تنكّر لها الفكر الليبرالي، وهي أن لا سلام في العالم من دون العدالة الاجتماعية واجتثاث أسباب الفقر. وإلا فما الرابط بين الفكر الاقتصادي ــ الاجتماعي الخلّاق الذي ترجمه يونس عملياً عبر مصرفه، وبين نوبل للسلام التي درج على حيازتها أفراد بذلوا جهوداً لإنهاء نزاعات أو حروب في أكثر من مكان في العالم؟
لجنة جائزة نوبل تؤكد لنا هذه المرة عملياً، ما كان يونس قد سبقها إليه في تعامله مع الملايين من أبناء بنغلادش، ومن خارج بلاده أيضاً، أن العدالة هي القوة التي ترسي السلام، وأن القوة بلا عدالة تتحوّل طغياناً وحروباً، متنقلة في أصقاع الأرض.
لو كان إسحق نيوتن جائعاً حين سقطت عليه التفاحة الشهيرة، لتلهّى بأكلها ولم يكتشف قانون الجاذبية الذي أحدث ثورة علمية كونية. لا أستذكر أين قرأت هذا القول. يونس لم يُلقِ بالتفاح على أبناء جلدته في بنغلادش، حيث أكثر من نصف شعبه تحت خط الفقر، لكنه ابتدع نظرية القروض الصغيرة لفقراء بلاده كي يزرعوا ويشجّروا وينتجوا، حتى غدت مثالاً باتت له مؤسسات تمارسه تحت مسمّى «قروض المؤسسات الصغيرة والمتوسطة»، ولحق به البنك الدولي نفسه.
كان لمحمد يونس، أستاذ الاقتصاد اللامع، أن يحوز جائزة نوبل للاقتصاد التي سبقه إليها الاثنين الماضي الخبير الاقتصادي الأميركي إدموند فيليبس لدراسته عن وجوب إقامة توازن بين البطالة وأهداف جبه التضخم. وأعترف بأني لم أقرأ بحث فيليبس بعد، لكني أزعم من عنوانه أنه سعى لتسوية بين القيود النقدية في مرحلة الدفق الاستثماري لاجتناب الضغوط التضخمية وبين ارتدادات تلك القيود على النمو الاقتصادي المولّد لفرص العمل.
«كنت أُدرّس نظريات اقتصادية رائعة، والناس يموتون جوعى في الشوارع»، يقول يونس، «كنا جميعاً أساتذة في الجامعة أذكياء للغاية، ولكننا كنا نجهل جهلاً مطلقاً ما يحوطنا من فقر».
الفارق بين فيليبس وبين يونس، أن الأول توخّى بحسّ اجتماعي لا نغفله أن يصيب الفقراء والمهمّشين ــ وهم كُثر في الولايات المتحدة ــ وفي غيرها من مجتمع الفكر الاقتصادي الليبرالي، رذاذاً من عملية النمو الاقتصادي في اتجاه توليد فرص عمل. أما الثاني فبدأ من المكان الصح ليؤكد أن التنمية الاجتماعية هدف في ذاتها، وليردّ من حيث قصد أو لم يقصد على النظريات الاقتصادية وآلياتها المعاصرة في ظل الجانب المشوّه من العولمة. إن عملية النمو تبدأ بالموارد البشرية والإنسان أولاً، وإن كتل المال والأرباح الخيالية التي تتحقق في كل يوم ليست بالضرورة مصحوبة بفرص العمل والتنمية الاجتماعية، ما لم يكن هذان الهدفان في صلب عملية النمو الاقتصادي والتنمية.
محمد يونس يستحق الجائزتين معاً: نوبل للسلام، ونوبل للاقتصاد أيضاً.