زياد الرحباني
لن تَجِدَ في تاريخ العالم والشعوب على مرِّ العقود، معادلةً لدولةٍ عنوانها: سياحة وتحرير. لا يوجد. ربما استطاع هتلر "في زمانه" أثناء الحرب العالمية الثانية جمع الصناعة والتحرير، لكنها كانت صناعة حربية هائلة: يطوِّرون يحاربون ويُجَرِّبون. ربما استطاع الفيتناميون جمع الزراعة والتحرير، طبعاً فهي أرضهم وهم مزارعون زرعوا الأرّز، زرعوا في القَصَبِ الذعرَ للأميركيين، اخترعوا دفاعاتهم من الغابات والحقول، أمّا سياحة وتحرير؟! لم يجرؤ سيركٌ في العالم على تجريبها، الروسي ألغاها والصيني أيضا. إنَّ أهم بهلوان في العالم مهما عَلا حبله، يشارط على رجلين إثنتين متطابقتين: أي سياحة – سياحة أو: تحرير – تحرير. إلهي لماذا تركتني استسلم للفكرة؟ إنها وبالتوازي: 1- محاولة إخراج أُناس معتدين على الوطن، منه، وذلك بالقوة وباستنفار خيرة الرجال للمقاومة حتى الشهادة. 2- في الوقت نفسه، محاولة إدخال أكبر عدد ممكن من الناس الى الوطن بالإغراء واستقبالهم بأحدث وأسمى ما في روح الضيافة من معان ٍ، عبر إستنفار معالمنا المضاءة بأبهى نسائنا "الشَغاميم" حتى فجور الفجر! لا أتكلم عن الأخلاقيات في خلط الأمرين بل عن مدى الشطارة المطلوبة والإدعاء والـبهلوانيّة والجهد المنسَّق والمتناقض للقيام بالشيئين. رَحِمَ الله أبا بهاء فقد كان داهيةً في التسويق لمشاريع جريئة جداً. هل يُعقَل "تفاهم نيسان"(1996)...ما أبهاه! أفهم أن يكون مناسبا ً للبنان ومقاومته، لكن كيف أقنعَ الحريري إسرائيل بهِ؟ من ساعَدَهُ؟ بماذا وَعَدوهم؟ بماذا بَلَفَهُم وقتها عبر وسطائهِ المتعددين في العالم؟ يُحكى عَنهُ أنه صاحب أحلامٍ بالغةِ الجموح والطموح، أحلام شبه مستحيلة وقد سار بها فعلاُ، وسرنا من خلفهِ لزمن ٍ لا بأسَ بهِ ولا أمل ولا من يُخَبِّر حتى صارت مستحيلة. فكان توما الشكّاك وما زال هو نفسه كما في الانجيل المقدس، يفضي به الشّك الى الفشل الغبي، طبعا ً فهو لا يسمع لفارس سعيد. بُحَّ فارس سعيد وهو يستشرف ويُفَنِّدُ، أمّا توما فلا حولَ ولا نَوَى.
(يتبع غدا)