باريس ــ بسّام الطيارة
خيوط كثيرة تتقاطع في سماء فرنسا الملبدة بغيوم القلق من الإرهاب، وهو ما يضع باريس في «عين الإعصار» الإرهابي، الذي يربطه كثيرون بالموقف الفرنسي من العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان، وتصدّرها القوات الدولية إلى الجنوب، وهو ما لم يعجب أطرافاً داخلية وخارجية بدأت تحيك خيوط تهديدات إرهابية في الإعلام، لوضع فرنسا وسط «حصار» متعدد الأوجه.
ويرى مراقبون أن وضع فرنسا ما قبل ١٢ تموز، تاريخ بدء العدوان الإسرائيلي على لبنان، هو مغاير لما هو عليه اليوم، ولا يتردد البعض في القول إن باريس تدفع ثمن «كل سياساتها منذ العام ٢٠٠٣» دفعة واحدة. ويرى آخرون أن «دور فرنسا قد حان للاصطفاف وراء القوة العظمى الوحيدة» من دون أي «تباين أو محاولة ديبلوماسية تعوق الاستراتيجية الأميركية».
وأكثر ما يثير عجب المراقبين هو «تناغم وتوافق العوامل»، التي تصب كلها في إطار تضييق العمل الديبلوماسي لباريس من طريق تهديدات مباشرة لأمنها. ومن العجب أيضاً «تطابق مصالح المتطرفين» في طرفي النزاع، كما تراهما فرنسا ،أي الطرف الأميركي والطرف التكفيري، في محاولة إحراج الدولة الفرنسية.
ويقول مسؤول فرنسي، رفض الكشف عن هويته: «إننا محاصرون». واستطرد: «لا نعرف إذا كان توجه سياستنا الجديد نحو وضع المسألة الفلسطينية في لب الصراع في الشرق الأوسط يثير لنا هذه المتاعب، أم أن جهدنا لوقف الحرب في لبنان ومشاركتنا الكبيرة في قوات اليونيفيل تستفز جهات ما؟». ويرى المسؤول «أن كل المؤشرات تشير إلى تناغم مثير للارتباك».
وقد بدأ الاستغراب يغمر المتخصصين بالشؤون الاستخبارية منذ يومين، أي بعد بث تصريح الرجل الثاني في تنظيم القاعدة أيمن الظواهري الذي صادف قبل يوم من ذكرى ١١ أيلول. ورأت الأجهزة الأمنية أن الأمر لا يتعدى «محاولة استعمال الذكرى السنوية كرافعة إعلامية» لتنظيم «القاعدة».
وأعطت الأجهزة المختصة البيان الأهمية «التي تعطيها في الحالات المماثلة»، من دون أن ترفع درجة الاستنفار المرتفعة أصلاً منذ قرار المشاركة في قوات اليونيفيل.
ويقول مراقب قريب من الأجهزة الأمنية إن الاستنفار «جاء من وسائل الإعلام»، إذ بعد يومين من بث مقاطع من بيان الظواهري، الذي «أخذ حصته الإعلامية الاعتيادية» حيث إنه لا يحتوي «على أي جديد بالنسبة إلى الأجهزة الأمنية»، عادت صحيفة لإبراز الخبر عبر «نافذة المقاطع التي لم تبث»، والتي اشتملت على مبايعة «الجماعة السلفية للدعوة والجهاد» لـ «القاعدة»، وهو أمر ليس جديداً أيضاً ويعود إلى العام ٢٠٠3.
ويؤكد مسؤولون أن «درجة الخطر»، الذي يحدق بفرنسا، لم يرتفع بسبب تصريح الظواهري، ويرون «أن التناول الإعلامي هو الذي سبب القلق واستجلب ردات فعل السياسيين».
ويرمي البعض جانباً التحليلات، التي أشارت إلى أن مشاركة الفرنسيين بقوات «اليونيفيل» قد تكون وراء هذه التهديدات، قائلين إن التهديد الإرهابي متربص بفرنسا قبل بروز المسألة اللبنانية، وإقحام هذه المشاركة في «تحليل الأخطار التي تنتظر فرنسا» تفيد إما «القاعدة»، التي تريد «الصعود على موجة ما يحدث في لبنان بعدما برز عامل مقاومة ونزاع بعيد عن فلسفتها القتالية» وعدم الابتعاد عن صورة المقاوم لغزوة الغرب، أو «من لم يعجبه الدور الذي أدته فرنسا في لبنان وتصدّرها القوة الدولية ويريد بالتالي التأثير على الرأي العام الفرنسي».
ويشير أحد المراقبين إلى أنه في سياق الحديث عن التناغم في تضافر العوامل المذكورة، فإن أوساطاً تتحدث عن «مصادفة وجود وزير الداخلية الفرنسي نيكولا ساركوزي في الولايات المتحدة» وحديثه عن الإرهاب وضرورة تضافر الجهود الدولية لمحاربته، مستعملاً مفردات هي أقرب للقاموس الأميركي من القاموس الفرنسي.
وتشير هذه الأوساط إلى أن القلق والخوف الذي يجتاح مجتمعاً خلال فترة انتخابية «يفيد بالدرجة الأولى المنادين بالتشدد في محاربة الإرهاب».
ومن دون أن يوجه أحد اتهاماً لأي جهة سياسية، إلا أن إمكان التلاعب الإعلامي عبر تسريبات إخبارية حاضر في أذهان الكثير من المراقبين. وقد جاءت تصريحات البابا بنديكتوس السادس عشر لتصب المزيد من الزيت على نار القلق الفرنسي ولتعطي حججاً أقوى لمن يرى أن عوامل كثيرة تتشابك لتأجيج هذه النار في فرنسا. ويذكر هؤلاء أن تصريحات البابا، كما هو حال التهيج الإعلامي بقضية بيان «القاعدة»، جاءت في الوقت الذي تستقبل فيه باريس مؤتمر حوار الحضارات من ١٣ إلى ١٥ أيلول تحت عنوان «حوار الثقافات والحضارات».