باريس ــ بسّام الطيارة
استبق الرئيس الفرنسي جاك شيراك أمس لقاءه الرئيس الأميركي جورج بوش اليوم في نيويورك، بإطلاق سلسلة مواقف حول لبنان خصوصاً، وسط مخاوف فرنسية من سعي أميركي «لتحوير مهمة القوة الدولية» عبر قرار ثان في مجلس الأمن، يتوقع أن يكون محور مباحثات الرئيسين.
ودعا شيراك، في مقابلة تلفزيونية مع قناة «العربية» أمس، إلى تضامن دولي من أجل لبنان. وقال «من المهم أن يعبرّ التضامن الدولي عن تأييد لمصالح لبنان وإعادة إعماره».
وجدد شيراك دعوته إلى عقد مؤتمر دولي لإعادة إعمار لبنان. وقال إنه سيطرح فكرته في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، معتبراً أن قمة كهذه «من شأنها التعمق في الأمور وجمع الوسائل الضرورية لإعادة إعمار لبنان برمته، بدءاً من جمع الأموال إلى إعادة بناء معداته وظروف الحياة فيه».
ورأى الرئيس الفرنسي أن «لا بلد أو دولة أو أمة يستطيع أن يقوم إذا بقي جزء من أرضه خارجاً عن سلطته المركزية المنتخبة ديموقراطياً»، مشيراً إلى أن المرحلة المقبلة هي مرحلة «اتفاق داخلي في لبنان لتتمكن كل القوى السياسية من المشاركة ديموقراطياً في العملية السياسية، لكن من دون الميليشيات المسلحة التي لا تتماشى مع مبدأ الدولة ذات السيادة».
ورأى شيراك، أن «من الطبيعي أن يعبّر حزب مثل حزب الله عن نفسه سياسياً، لكن أن يستند هذا التعبير إلى القوة والميليشيات المسلحة، فهذا شيء محل جدل»، مشدداً على أن «الوضع السياسي هش في لبنان ويجب أخذ هذا الأمر بالاعتبار».
في سياق آخر، أعلن الرئيس الفرنسي أنه يقيم «علاقات ثقة» مع نظيره الأميركي جورج بوش، مشيراً الى أن ذلك لا يعني «الرضوخ» للولايات المتحدة، وذلك في تعليق غير مباشر على تصريحات وزير داخليته نيكولا ساركوزي، المرشح للرئاسة الفرنسية.
وقال شيراك في مقابلة مع إذاعة «أوروبا 1»، «لدينا علاقة لا يمكن أن تقوم إلا بين ندين ولا يمكن أن تكون علاقة رضوخ».
ورغم أن شيراك لم ينتقد مباشرة ما نقلته الوسائل الإعلامية عن «انفتاح ساركوزي على سياسة واشنطن»، إلا أن بعض المصادر المقربة من قصر الإليزيه قالت إن «ثورة غضب اعترته عندما وصلته الأخبار من نيويورك». ووصف تصريحات ساركوزي بأنها «غير مسؤولة» و«مؤسفة»، وذهب إلى حد وصفها بـ«الخطأ».
ويفسر المراقبون غضب شيراك بأن تصريحات ساركوزي جاءت قبل أيام من بدء مفاوضاته مع الإدارة الأميركية حول «مجموعة من المسائل المترابطة»، التي يجمع بينها «تباين بين الموقفين الفرنسي والأميركي». ولا يتردد البعض في وصف ما قام به ساركوزي بأنه طعنة كان يمكن أن تضعف الموقف التفاوضي الفرنسي.
ورغم أن الجميع يرفض وصف لقاء بوش وشيراك في نيويورك بأنه «مفاوضات»، إلا أن «ظل القرار الثاني المنتظر» حول لبنان سيخيم على أجواء هذا اللقاء. ويرى المراقبون أن هذا اللقاء هو الأهم «منذ الأزمة العراقية لعام ٢٠٠٣».
ومن المؤكد أن لبنان سيكون «المحور الأساسي في محادثات جرى تحضيرها بشكل مكثف» في «تكملة للمفاوضات التي بدأت قبل صدور القرار ١٧٠١».
ويرى المراقبون أن «واشنطن لا تزال تستعجل صدور القرار السياسي» الذي يؤطر القرار ١٧٠١، فيما بدت باريس مهتمة بترك «الزمن يفعل فعلته»، حسب قول مصدر مقرب من المفاوضات.
ويستطرد المصدر نفسه قائلاً إن باريس متخوفة جداً من «رغبة أميركية في تحوير مهمة اليونيفيل»، على اعتبار أن الجيوش باتت على الأرض «ويصعب معارضة قرار بهذا الشأن اليوم»، بينما ترى باريس أن هذا التوجه «فوضوي» يمهد لإدخال القوات الدولية في متاهات لا تحمد عقباها، وتزيد من حالة التأزم اللبنانية.
وأكثر ما يمكن أن يقبل به الفرنسيون هو «قرار يعيد دمج القرارات السابقة ويؤكدها من دون المس بمهمة قوات اليونيفيل».
ويتوقع مقربون من شيراك أن تكون المحادثات صعبة جداً، وخصوصاً أن الرئيس الفرنسي يرى أن هذه المعركة الديبلوماسية غير المعلنة مهمة ويتابعها العالم، ولا سيما الرأي العام الفرنسي. ويرى هؤلاء أن شيراك يريد أن يضع حسابات معركته في إطار «ديمومة الديبلوماسية الفرنسية» في ظل بعض الشائعات عن «أفول سيطرته» مع اقتراب نهاية عهده.
وهذا ما يفسر تصريحه الذي أعاد تحجيم طروحات ساركوزي حول «سياسة القطيعة» والتقرب من السياسة الأميركية، كما يفسر هذا رفضه الإفصاح عن ترشحه المحتمل أو عدم ترشحه للانتخابات المقبلة، قائلاً «إنني أجد نفسي في صحة جيدة».