استغل الرئيس الأميركي جورج بوش حضوره لافتتاح الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك أمس ليوجّه مجموعة من الرسائل، في اتجاهات عديدة، عمل خلالها على تحريض المجتمع الدولي على «حكام» دمشق، الذين قال إنهم حولوا سوريا إلى «لعبة» بيد طهران، وعلى «حكام» إيران، الذين قال إنهم يستخدمون مواردها لـ«دعم الإرهاب»، فيما أعرب الرئيس الفرنسي جاك شيراك عن مخاوفه من وجود «نار كامنة» في لبنان، مشدداً على ضرورة العمل على ضمان تنفيذ القرار الرقم 1701. وافتتحت الجمعية العامة أمس دورتها الـ61 في ظل المشاكل نفسها التي تمت الدعوة الى معالجتها في الدورة السابقة، بل في الدورات الأخيرة، فطغت هذه المشاكل على خطابات يوم الافتتاح حتى أضحت وكأنها «أزمات مزمنة» تورّث من دورة الى أخرى، بانتظار دور أكبر للمنظمة الدولية لا تعوقه واشنطن ولا تفرغه اسرائيل من مضمونه، فسلام الشرق الأوسط لا يزال خارج أطر الحلول، بل أصبح أكثر تعقيداً، والعراق ينتقل من سيء الى أسوأ، والملف النووي الايراني على حاله، ودارفور لا تزال أداةً للنزاع وهدفاً للسيطرة.
وألقى كلمة الافتتاح الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان مودّعاً منصبه بنداء عاطفي للسلام في الشرق الأوسط ودفاع حار عن المنظمة الدولية التي قادها لمدة عشر سنوات.
وفي بداية المناقشات السنوية التي تشارك فيها الدول الأعضاء في الجمعية، وعددها 192 دولة، اعتبر أنان (68 سنة) أن الصراع الفلسطيني الاسرائيلي يمثل واحداً من أهم التحديات الأمنية التي تواجه المجتمع الدولي.
وقال الأمين العام، أمام قادة نحو 90 دولة يشاركون في جلسات الجمعية، «لا يوجد صراع آخر يحمل هذا القدر من البعد الرمزي والعاطفي بين شعوب بعيدة عن ساحة المعركة». وأضاف أنه «ما دام الفلسطينيون يعيشون تحت الاحتلال ويتعرضون للإحباط والإذلال اليومي، وما دام الاسرائيليون يتعرضون للتفجيرات في الحافلات وقاعات الرقص، ستظل المشاعر في كل مكان ملتهبة».
وحذّر أنان من أن فشل مجلس الأمن في إنهاء النزاع المستمر منذ 60 سنة عبر «جعل الطرفين يقبلان ويطبّقان قراراته»، سيؤدي الى «تدهور هيبة الأمم المتحدة ويثير الشكوك حول حياديتها». وقال «سنستمر في مواجهة مقاومة جهودنا لحل النزاعات، بما فيها النزاعات في العراق وأفغانستان التي تحتاج شعوبها الى مساعدتنا».
وتحدث أنان عن سفك الدماء في منطقة دارفور، وقال «بكل حزن نقول إن أكبر تحدٍ يأتي من أفريقيا هو من دارفور، حيث يتواصل طرد الرجال والنساء والأطفال من منازلهم من طريق القتل والاغتصاب وحرق قراهم، في استهزاء بمزاعمنا كمجتمع دولي بتوفير الحماية من أسوأ الانتهاكات».
ودافع أنان، الذي تنتهي ولايته في كانون الأول المقبل، بشدة، عن المنظمة الدولية، وقال «أنا ما زلت مقتنعاً أن الحل الوحيد لهذا العالم المقسّم يجب أن يكون منظمة أمم متحدة بحق». وأضاف «خلال الأسابيع القليلة الماضية، وخاصة أثناء زيارتي للشرق الأوسط، شاهدت مرة أخرى شرعية الأمم المتحدة ومدى تأثيرها. إن دور المنظمة الذي لا يمكن الاستغناء عنه في ضمان السلام في لبنان ذكّرنا جميعاً بمدى النفوذ الذي يمكن أن تكون عليه هذه المنظمة عندما يريد لها الجميع أن تنجح».
وشكر أنان للجمعية العامة سماحها له بالعمل أميناً عاماً للأمم المتحدة طوال عشر سنوات. وقال «إنني أسلّم مكاني الى آخرين وكلي أمل في المستقبل المشترك».
أما الرئيس الأميركي جورج بوش، فدعا في خطاب ألقاه في الجلسة نفسها، إيران، التي قاطع رئيسها أحمدي نجاد اجتماع الجمعية العامة، الى وقف تخصيب اليورانيوم، مشيراً الى ان بلاده تسعى الى حل دبلوماسي لأزمة البرنامج النووي الإيراني، فيما حث الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على تهميش العناصر المتطرفة كي يستطيع العالم العيش بسلام.
وأوضح بوش «نحن نعمل على حل دبلوماسي لهذه الأزمة، ونحن نتطلع الى اليوم الذي يستطيع الشعب الإيراني العيش فيه بحرية، وأن تصبح أميركا وإيران أصدقاء جيدين وشريكين قريبين في قضية السلام».
وقال الرئيس الأميركي، متوجهاً الى الشعب الايراني، إن «العائق الأكبر أمام هذا المستقبل هو أن حكامكم اختاروا أن يحرموكم من حريتكم وأن يستخدموا مواردكم لدعم الارهاب وإذكاء التطرف والسعي لامتلاك أسلحة نووية».
واعتبر بوش كذلك ان القيادة السورية جعلت سوريا «ملتقى طرق للإرهاب». وقال للسوريين «بينكم هناك حماس وحزب الله اللذان يعملان على زعزعة استقرار المنطقة، وحكومتكم حوّلت بلادكم إلى لعبة بيد إيران».
وأعرب بوش، في خطابه، عن ثقته في إمكانية إيجاد حل سلمي لقضية الشرق الأوسط، مؤكداً أن كلاً من «الزعيمين الفلسطيني محمود عباس والإسرائيلي إيهود أولمرت ملتزمان بالسلام». وقال «بعث العالم برسالة واحدة إلى قادة حماس: اخدموا مصالح الشعب الفلسطيني وتخلوا عن الإرهاب واعترفوا بإسرائيل واحترموا الاتفاقات المبرمة سابقاً واعملوا من أجل السلام».
وأعلن الرئيس الأميركي أنه كلف وزيرة خارجيته كوندوليزا رايس «قيادة جهود دبلوماسية لإشراك قادة من المنطقة في مساعدة الفلسطينيين على إصلاح أجهزتهم الأمنية».
ودعا بوش العالم إلى ضرورة وقف «المجازر الجماعية التي ترتكب بحق الأفارقة السود من سكان الإقليم على أيدي ميليشيا الجنجاويد التي تدعمها الخرطوم». وقال إن «النظام الحاكم في الخرطوم يعرقل نشر قوات دولية» في دارفور. وأضاف «إذا لم توافق الحكومة السودانية على نشر قوة حفظ السلام بسرعة فيجب على الأمم المتحدة أن تتصرف».
بدوره ألقى الرئيس الفرنسي جاك شيراك كلمة، دعا فيها الى مبادرة مزدوجة من ايران والدول الغربية لتسوية الملف النووي، والى تنظيم مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط.
وقال شيراك إن على ايران تعليق أنشطتها في مجال تخصيب اليورانيوم حال البدء في مفاوضات، وإن على القوى الكبرى بالتوازي مع ذلك تعليق تهديدها بفرض عقوبات.
وحث الرئيس الفرنسي على تنظيم مؤتمر دولي لإحياء جهود السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين، مشيراً الى ان «الوضع القائم لم يعد يطاق». وأضاف «أمام هذه الجمعية أدعو العالم الى التزام إعادة توفير أجواء الثقة».
وقال شيراك «يجب ان يحضّر اجتماع سريع للجنة الرباعية لمؤتمر دولي. أقترح ان يحدد هذا المؤتمر مسبقاً الضمانات التي نحن مستعدون لتوفيرها للأطراف ما إن تتوصل الى اتفاق». وأقترح ان «يضع (المؤتمر) الأسس لمستقبل جديد في الشرق الأوسط من خلال إطار إقليمي للأمن الجماعي والاندماج الاقتصادي والحوار بين الثقافات».
وفي الشأن اللبناني، اعتبر الرئيس الفرنسي ان «النار لا تزال كامنة» في لبنان، مشيراً الى ان القرار الدولي الرقم 1701 الذي أتاح وقف المعارك في لبنان «أسكت أصوات الأسلحة.. غير أن النار لا تزال كامنة». وأضاف شيراك «الآن يعود الى كل الاطراف العمل على ترسيخ السلام وقيام لبنان. على اسرائيل ان تنهي سحب قواتها وعلى الحكومة ان تؤكد سيادتها على مجمل أراضيها. وعلى دول المنطقة ان تتعاون بشكل كامل لإنجاح القرار الدولي مع الأمم المتحدة».
الى ذلك، وصف وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري الوضع في لبنان والعراق بالصعب جداً. وقال زيباري، على هامش الجمعية العامة في نيويورك أمس، إن البلدين «يمران بوضع صعب جداً، فهما ينتقلان الى وضع مستقر كامل الحرية والسيادة مع ظروف مختلفة وتفهّم دولي ممتاز».
ورداً على سؤال عن التدخلات الخارجية في كلا البلدين، قال وزير الخارجية العراقي إن «جزءاً من معاناتنا هو التدخلات الإقليمية كما في وضعنا وفي وضع لبنان أيضاً». وأوضح «بصراحة هناك تدخلات من سوريا، ورفاقنا في الشام، وهناك دول إقليمية أخرى لها تأثير بالموضوع، ونحن لم نخف ذلك، فمنذ زمن ونحن نقول ونطرح ونطالب بوقف جميع أنواع التدخلات الخارجية».
ووصف زيباري الموقف السوري السياسي بـ«السلبي»، وكذلك الموقف الإسلامي، مشيراً الى ان «هناك معلومات عن تحرك وتسرّب مجموعات الى العراق».
وعن الدور الإيراني في لبنان والعراق، قال زيباري انه «يجب أن يكون دوراً داعماً ومسانداً لأنه إذا فشلت التجربة العراقية وفشل لبنان، فإن ذلك سيؤثر سلباً عليهم لأنهم ينظرون الى مصالح قصيرة المدى لا الى مصالح بعيدة المدى، ولا شك في أن الوضع في كل من العراق ولبنان سيؤثر عليهم».
وأشار وزير الخارجية العراقي الى أن «إيران دولة إقليمية مهمة، ويخطئ مَن يعتقد بأن إيران غير مؤثرة في الأوضاع، وأثبتت الأحداث الأخيرة، سواء في لبنان أو في العراق، أن لإيران امتدادات وتأثيرات ويجب التعامل معها على هذا الأساس».