إنقسـام يربك وفـد الجامعـة في نيويـورك
أحبطت إسرائيل والولايات المتحدة أمس الجهود العربية لاستخدام مجلس الأمن الدولي في إحياء عملية السلام في الشرق الأوسط؛ الأولى رفضت صراحة المنبر الأممي، مشيرة إلى أن الحل هو في «المفاوضات الثنائية»، وطلبت الثانية دعم «اللجنة الرباعية» للوصول إلى السلام الدائم، واضعة شروطاً إضافية لهذا السلام، هي عودة اللاجئين إلى أراضي دولة فلسطينية غير إرهابية، ترسّم حدودها وفق معطيات جديدة، رغم تأكيد العرب استعدادهم، في حال إقرار السلام، للاعتراف بنهاية الصراع العربي ــ الإسرائيلي وإقامة علاقات ديبلوماسية واقتصادية مع تل أبيب.
وعقد مجلس الأمن أمس اجتماعاً على مستوى وزراء الخارجية لبحث عملية السلام في الشرق الأوسط، بناء على طلب المجموعة العربية، الذي أقره وزراء الخارجية في اجتماعهم الشهر الماضي في القاهرة.
وأشاد الأمين العام للأمم المتحدة كوفي آنان، في مستهل الجلسة، بـ «حكمة» الرئيس الفلسطيني محمود عباس وجهود رئيس الوزراء إسماعيل هنية. ودعا «اللجنة الرباعية إلى العمل من أجل السير في عملية السلام».
ووصف وزير خارجية البحرين، خالد بن حمد آل خليفة، الذي تحدث باسم الجامعة العربية، جلسة مجلس الأمن بأنها «تاريخية» وسابقة في سجل النزاع العربي الإسرائيلي. وقال إن «مناخ الشك والخوف يغذي العنف في الشرق الأوسط»، داعياً إلى إنشاء بيئة مواتية للسلام في المنطقة.
وقال بن حمد إن العرب هدفهم السلام لا الصراع، مشيراً إلى أن الهدف من الاجتماع «ليس لتبادل إلقاء اللوم، بل لإعادة الوضع إلى طبيعته، وإنهاء حالة الاحتقان». وشدد على ضرورة عودة عملية السلام إلى «خريطة الطريق».
وأعلن وزير الخارجية البحريني أن الدول العربية مستعدة لإعلان نهاية الصراع مع إسرائيل وإقامة علاقات ديبلوماسية واقتصادية معها في حال التوصل إلى اتفاق سلام يشمل الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، والتوصل إلى حل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين مبني على القرار الدولي الرقم 194، وقبول دولة فلسطينية عاصمتها القدس.
وطالب بن حمد مجلس الأمن بالدعوة إلى «بدء مفاوضات بين الأطراف بناء على الاتفاقات المعقودة، بموجب جدول زمني محدد وبمساعدة المجموعة الدولية وإشراف مجلس الأمن الدولي». كما طلب «من الأمين العام للأمم المتحدة، بالتشاور الوثيق مع الأطراف المعنية، إعداد تقرير عن الآليات المناسبة لاستئناف المفاوضات المباشرة بين اللأطراف وتقديمه إلى مجلس الأمن». وعلى أساس هذا التقرير يجتمع مجلس الأمن على المستوى الوزاري للبحث في التدابير التي يتعين اتخاذها.
في المقابل، كان المندوب الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة دان غيلرمان صادماً في مداخلته، مشيراً إلى أن إسرائيل لم تكن موافقة على حضور الجلسة، معلناً رفض الدولة العبرية تدخل مجلس الأمن في مسيرة السلام في الشرق الأوسط. ورأى أن الطريق الوحيدة لحل الصراع هي المفاوضات الثنائية.
وقال غيلرمان إن «إسرائيل تريد تحقيق رؤية الدولتين كما هي واردة في خريطة الطريق». وأضاف: «هدفنا إحياء السلام من دون إشعال النزاع، ويتطلب ذلك العمل بإلحاح وليس بتهور»، مذكّراً بالشروط الثلاثة للجنة الرباعية للتفاوض مع الحكومة الفلسطينية وهي «نبذ العنف والاعتراف بإسرائيل وبالاتفاقات الموقعة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية».
بدوره، قال وزير الخارجية القطري حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني إن «منظمة الأمم المتحدة قامت لتحقيق الأمن والسلام الدوليين، لكن لم ندرك حتى الآن تحقيق هذه الغاية في الشرق الأوسط، ما دام هناك احتلال لأرض الغير واستخدام ترسانات السلاح وهدر قسم كبير من الموارد المالية على الجانب العسكري، وهذا الوضع كان مثالياً لتغذية التطرف».
وتابع الوزير القطري: «ليس لإسرائيل وحدها حق العيش، بل للجانب العربي والفلسطينيين أيضاً». وأضاف: «الحل معروف للجميع: الأرض مقابل السلام، وقيام دولتين: إسرائيلية وفلسطينية، كما هو ثابت من القرارات الدولية الملزمة لإسرائيل».
ورأى حمد بن جاسم أن «المسؤولية في إحلال السلام لا تقع فقط على الدولة المعنية، بل على المجتمع الدولي، وخصوصاً الدول الكبرى والدائمة العضوية في مجلس الأمن».
وفي رد أميركي مباشر على المطالب العربية، وضعت وزيرة الخارجية الأميركي كوندوليزا رايس ثلاثة شروط لإحلال السلام في الشرق الأوسط، أولها «عدم عودة اللاجئين الفلسطينيين إلا إلى أراضي الدولة الفلسطينية»، وثانيها «عدم قيام دولة فلسطينية إرهابية»، وثالثها «ترسيم حدود هذه الدولة على أسس جديدة».
وفي رفض أيضاً للجوء العربي إلى مجلس الأمن، شددت رايس على ضرورة تأييد مجلس الأمن لجهود اللجنة الرباعية «لبناء أسس سلام عادل وشامل ودائم في الشرق الأوسط»، وأشارت إلى ضرورة خلق «ظروف ملائمة للتقدم في تطبيق خريطة الطريق».
وفي ترديد للموقف الإسرائيلي، دعت رايس إلى «وجود شريك فلسطيني حقيقي يلتزم بالشروط الثلاثة التي حددتها اللجنة الرباعية». وطالبت بإطلاق الجندي الإسرائيلي الأسير في غزة جلعاد شاليط، كما طالبت بإطلاق الجنديين الأسيرين لدى حزب الله. وذكّرت بضرورة تطبيق القرار 1701، وبسط سلطة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها.
وبعد الجلسة، أشار وزير الخارجية القطري إلى وجود انقسام عربي في نيويورك. وقال: «فوجئنا بوجود وفدين عربيين، رغم الاتفاق في الجامعة العربية على التوجه بوفد واحد إلى مجلس الأمن».
وكان بن جاسم قد التقى نظيرته الإسرائيلية تسيبي ليفني في نيويورك، وفق وكالة الأنباء الرسمية القطرية (قنا). وأشارت الوكالة إلى أن المباحثات تناولت التطورات الاخيرة «في الشرق الأوسط» من دون إعطاء المزيد من التفاصيل.
وفي هذا السياق، دعا الرئيس الفلسطيني محمود عباس مجلس الأمن الدولي أمس إلى اعتماد «آلية فعالة» لتطبيق خطة خريطة الطريق التي تشكل اساساً لحل النزاع الفلسطيني ــ الإسرائيلي وإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
وطالب عباس، الذي التقى نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي شمعون بيريز، في مقابلة مع وكالة «فرانس برس»، مجلس الأمن بآلية لتفعيل القرار 1515 الذي تبنى خريطة الطريق.
وأضاف أن «الآلية تكون كما يختارها المجتمع الدولي، أما أن تكون من خلال الأمم المتحدة أو من خلال اللجنة الرباعية» التي تضم الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا.
وتابع الرئيس الفلسطيني: «ليست لدينا اشتراطات حول هذا الموضوع وما نريده هو أسلوب جدي لتفعيل الخطة. نحن لا نريد قرارات جديدة، بل نريد آلية فعالة».

(الأخبار)