strong>الأكثريـة تسـتهدف القضـاء بعـد الأمـن... وجنبـلاط وجعجـع يهاجمـان نصـرالله
دخلت البلاد مرحلة جديدة من المواجهة السياسية بعد المواقف التي اعلنها امس كل من النائب وليد جنبلاط وقائد القوات اللبنانية سمير جعجع في سياق الرد على الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، فيما استمرّت المواجهة بين فريقي الاكثرية والأقلية على خلفية مشروع الانقلاب الأمني الذي ينفّذه وزير الداخلية بالوكالة احمد فتفت، والتي يمكن أن تنسحب على محاولة الأكثرية نفسها الاستيلاء على الجسم القضائي من خلال مشروع التشكيلات الدبلوماسية، علماً بأن الجميع ينتظر اليوم التقرير الثالث لرئيس لجنة التحقيق الدولية سيرج براميرتس في شأن مسار التحقيقات في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
الانقلاب الأمني
وبينما ذكر مرجع معنيّ مباشرة بالملف أنه يفترض التوصل إلى حلّ يرضي الجميع قبل غد الثلاثاء، تواصلت الاتصالات لتطويق الذيول التي أنتجتها قرارات الوزير أحمد فتفت بحقّ المدير العام للأمن العام اللواء وفيق جزيني والتي بلغت الذروة في ضوء إعداد وزير الداخلية مشروع تشكيلات في الامن العام شمل 112 ضابطاً ولم ينفّذ. تضاف إلى ذلك المواقف المعلنة لوزراء ونواب حركة امل وحزب الله رفضاً لإجراءات فتفت “غير الشرعية وغير القانونية والمخالفة لكل الأصول”، في وقت نقل فيه عن الرئيس السنيورة قوله “إن قرار وزير الداخلية شرعي وقانوني بسبب وجود الوزير حسن السبع خارج البلاد”.
وكلّف الرئيس نبيه بري النائب علي حسن خليل التواصل مع النائب سعد الحريري ثم مع رئيس الحكومة فؤاد السنيورة توصلاً إلى حلّ على قاعدة تراجع الوزير فتفت عن مذكراته التي تضمّنت عقوبة للواء جزيني أو إحالته الى القضاء. لكن فريق الاكثرية اصرّ في المقابل على السير بالقرار 2403 الذي رُفض سابقاً. وطلب بري من رئيس الحكومة التزام ما اتفقا عليه سابقاً من دعوة رؤساء الاجهزة الامنية الى اجتماع تنسيقي ليُتفق فيه على سبل التنسيق بين الجميع وآلياته.
وذكرت مصادر واسعة الاطلاع أن اجتماعات الساعات الماضية لم تنته الى توافق أو حل، وأن الامر بات يهدّد وحدة الحكومة برمّتها، وخصوصاً أنه لم يُتفق بعد على موعد لجلسة الحكومة المقبلة، وسط أجواء ملبدة بين رئيسي المجلس والحكومة، تفاقمت في ظل الأجواء التي برزت خلال الساعات الماضية.
وكان بري قد ناقش الامر في الاجتماع الأخير بينه وبين الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، وتوافقا على اعتبار أن ما حصل لم يكن جائزاً على الإطلاق، وأن قرارات فتفت غير شرعية وغير قانونية وهي صادرة عن وزير يمارس مهمات ليست له بل هي للوزير الأصيل ـــ المستقيل (والمعلّقة استقالته) حسن السبع، في اكبر مخالفة دستورية ما زالت قائمة بحكم الأمر الواقع الذي لا يقرّه أي دستور أو قانون”.
وعلى هذه الخلفية قال النائب خليل لــ“الأخبار” امس: إن زيارته للرئيس السنيورة السبت الماضي لم تكن للوساطة، بل لإبلاغه موقفاً رافضاً لكل ما حصل على قاعدة لاشرعية القرار ولاقانونيته وضرورة التراجع عن كامل القرارات وخصوصاً التأديبية منها “ونقطة على السطر”. وعن جواب الرئيس السنيورة قال خليل: “مش ماشي الحال بعد”.
وردّاً على سؤال يتصل بعودة الوزير السبع الى وزارة الداخلية كمخرج للأزمة قال خليل: لم تطرح الفكرة حتى الآن، ولا مانع لدينا، أهلاً وسهلاً بالوزير السبع، بالقليلة يصبح الوضع قانونياً وشرعياً”. وختم خليل منبهاً “من مخاطر التمادي في الأخطاء”.
وبرغم احالة فتفت لجزيني الى النيابة العامة التمييزية “بتهمة مخالفة قرارات الوزير واغتصاب السلطة” كما قال طلب الإحالة من فتفت الى المدعي العام سعيد ميرزا في اعقاب حضور جزيني الى مكتبه السبت الماضي وممارسة أعماله كالمعتاد برغم تجميد مهماته لمدة عشرين يوماً، فقد علمت “الأخبار” أن جزيني سيحضر اليوم الى مكتبه لممارسة عمله “وكأن شيئاً لم يكن”.
وفي الوقت الذي رفض فيه الوزير فتفت الرد على أي سؤال عن تطورات القضية، قالت مصادره “إن ما حصل من تمرّد قد عولج بالقرارات المناسبة، والملف بات في عهدة القضاء المختص”، والوزير فتفت لن يتحدث في هذا الموضوع.
والانقلاب القضائي
ملف آخر قيد المتابعة السياسية يتصل بالتشكيلات القضائية التي لم ينجزها بعد مجلس القضاء الاعلى، والتي سوف يدرسها اليوم مجدّداً في اجتماع توقع كثيرون ألا يخرج بالنتيجة النهائية إذا استمرت الخلافات قائمة على عدد غير قليل من المواقع، وخصوصاً أن الحديث عن الخلافات السياسية بين أركان الدولة بدأ يترك انعكاساته على المشاورات في شأن هذا الملف الحساس.
وقالت مصادر مطلعة إن اعضاء مجلس القضاء توافقوا على أن يكون القرار بالإجماع، الأمر الذي يؤمّن تفاهمات مسبقة تساعد على تمرير المرسوم بعد توقيعه من وزيري العدل والدفاع ورئيسي الحكومة والجمهورية، علماً بأن ما تسرب حتى الآن يشير بحسب اوساط متابعة، إلى أن فريق الاكثرية يستغلّ نفوذه لدى اعضاء كثر في المجلس لتمرير تشكيلات تناسبه على أكثر من صعيد.
وأوضحت المصادر أن هناك نقاط خلاف في أمرين أساسيين:
الأول يتعلق بالتوازن الطائفي والمذهبي، حيث يتجه فريق الاكثرية إلى كسر القواعد السابقة من خلال مساواة تؤخّر استفادة المؤهلين والأكثر كفاءة من فرصهم في الحصول على المواقع الأساسية.
الثاني يتعلق بإرضاء سريع لرئيس الجمهورية اميل لحود، ونائب رئيس الحكومة الياس المر من خلال تسمية قضاة محسوبين عليهما في مواقع جيدة، الأمر الذي يؤمّن حيادهما وضمان توقيع الرئيس لحود على المرسوم، مقابل “استيلاء” الفريق المحسوب على تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية على المواقع الأساسية. (تفاصيل التسويات والتسريبات وآخر التشكيلات على الصفحة 7).
جنبلاط وجعجع
في هذه الأثناء، كان فريق الاكثرية يلجأ الى “قصف سياسي” من نوع مختلف، إذ شنّ جنبلاط وجعجع هجوماً عنيفاً على خطاب نصر الله الأخير، وركّزا على حماية الحكومة الحالية واعتبار مطلب تغييرها مطلباً سورياً لفرض الفراغ في البلاد.
وقال جنبلاط امام عدد من كوادر منظمته الشبابية، إنه لا يعتذر إلا من والده الراحل كمال جنبلاط لأنه أجرى بعد اغتياله تسوية سياسية مع النظام السوري. وإذ تحدّث عن “دخول عدد كبير من الجنود السوريين” إلى لبنان، لاحظ أن لـ“حزب الله” نهجاً واحداً و“ارتباطاً واحداً من لبنان إلى سوريا إلى إيران”، وتساءل: “ماذا يقصد بالدولة العادلة والقوية والقادرة؟ هل هي الدولة التي هو مشارك فيها واستفاد وجمع في الجولة الاولى 12 ألف صاروخ والآن يبشّرنا بأن هناك 20 ألف صاروخ... إلا إذا كان يقول تفضلوا أنا الدولة، تفضّلوا، سأضع شروطي، وانضمّوا الى دولتي”.
وقال: “قد أفسّر كلامه (نصر الله) بأنه نوع من الانقلاب لأنه بشّر بأنه بعد رمضان نحن قادمون على جولة سياسية أو جولة في الشارع أو خلافات، إسقاط حكومة؟ لا أحد يعلم (...) لذا فإن حكومة الاتحاد الوطني في ظل الموازين الحالية تؤدي إلى الفراغ حيث هناك استحالة تأليف حكومة اتحاد وطني. الفراغ هو الفوضى، يعني تعطيل القرار 1701 والطائف والمحكمة الدولية، وأن يكون الجنوب جبهة مفتوحة الى أبد الآبدين، الى أن ترضى الدول الكبرى بتسوية على حساب الاستقلال اللبناني في يوم ما”. وأضاف جنبلاط أنه لن يدخل في حوار مع نصر الله ما دام الأخير “ملتصقاً بالنظام السوري”.
وفي احتفال حضره حشد من مناصري القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي وتيار المستقبل وكتائب امين الجميل، لم يجد قائد القوات سمير جعجع سوى كلام الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله ليردّ عليه من دون أن يسمّيه، واتّهمه بأنه صاحب منطق عرقلة بناء الدولة، وقال: “عندما نجد حلاً للسلاح يصبح بالإمكان قيام الدولة. الرهان على الاحتفاظ بالسلاح بالقوة رهان خاطئ، إن أي سلاح لن يستطيع أن يرغمنا على التسليم بالأمر الواقع، والقوة ليست بالصواريخ بل بوحدة الهدف والمصير. وقد انتصر خيارنا ومشروعنا لأننا منذ البداية نحن من طالب بالجيش اللبناني معزّزاً بقوات دولية في الجنوب”.
وقال جعجع: “قبل أن يكون هناك مارون الراس والخيام وبنت جبيل، كان هناك عين الرمانة والاشرفية وقنات وزحلة. نحن المقاومة، نحن “بيّا وإمّا وولادا واحفادا”. وأضاف: نحن ما زلنا بحاجة لمقاومة، ومثلما كنا ابطال المقاومة العسكرية، علينا أن نكون الآن ابطال المقاومة السياسية السلمية الديموقراطية. وأشار الى “عدم اعتراف سوريا بلبنان كياناً ووطناً نهائياً، ولهذا تستمر في محاولة تقويض استقلالنا وسيادتنا”. وحيّا حلفاءه وخاصة رئيس تيار المستقبل سعد الحريري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط. ورأى أن الخلافات في الأمور الأساسية في لبنان كبيرة، بينما هي محسومة باتفاق الطائف. والبعض يتصرف كأن لا وجود لاتفاق الطائف.
ورأى أنّه لا حكومة وحدة وطنية من دون وحدة وطنية، ولا وحدة وطنية خارج الطائف. والذين يريدون حكومة وحدة وطنية لا يمكنهم أن يعتزّوا بصداقتهم مع سوريا، لأن سوريا لا تريد في لبنان حكومة ولا وحدة ولا وطنية. ودافع عن الحكومة الحالية: “تحمل الكثير من العيوب، لكن فضيلتها الاساسية أنها لبنانية سيادية استقلالية بالفعل لا بالقول مثل الآخرين. وإن التوازن لا يستعاد إلا بالمقاومة، وسبب عدم قيام التوازن في الدولة هو الشلل الحاصل في الموقع المسيحي الاول بالدولة، وسنستعيد هذا المركز عاجلاً أو آجلاً. وعندها تبدأ المسيرة الفعلية لعودة التوازن في الدولة”.