ترك حديث النائب سعد الحريري المرتفع السقف آثاراً سلبية على المناخ العام في البلاد التي ظلت امس تحت وطأة “أخطاء الاكثرية” التي تتناول كل شيء، من الملفات الادارية الى التشكيلات في القضاء والامن ووزارة الخارجية، الى ملف القمة الفرنكوفونية الذي وجهت من خلاله ضربة إضافية الى موقع رئاسة الجمهورية، عدا السجال الحاد القائم الآن بين فريق الاكثرية وحزب الله. وقد وصف العماد ميشال عون هذا السجال بأنه “مظهر سيئ”، وقال لـ“الاخبار” انه سيكون له رد مفصّل على الجميع من دون تسميات في مؤتمر المهجرين السبت المقبل، من ضمن طرح تصور إيجابي للدولة وكيفية ممارسة الحكم. وأوضح ان تلويح النائب الحريري باللجوء الى الشارع “لا مبرر له لأن احداً لم يهدده بالشارع. ولكن اذا كان يريد النزول الى الشارع ويعتقد انه قادر على مواجهة الاوضاع المتردية، فليفعل. الحكومة لا تنزل الى الشارع بل المعارضة هي التي تملك حق التظاهر والاحتجاج دستورياً على اعمال السلطة وأخطائها وسوء ادارتها الحكم. اذا كانوا يريدون النزول الى الشارع فالأحرى بهم القيام بتظاهرة تأييد للحكومة التي تمثلهم، وليس الاصطدام بالمعارضة. المسألة ليست شارعاً بشارع ولا تصادماً، وإنما التعبير عن حقوق مطلبية”.
ورأى عون ان “لا فرصة للعودة الى الحوار الذي اوصدت ابوابه على ما يبدو”، وتساءل: “هل نعود الى الحوار معهم من اجل اعطاء حكومتهم فرصة جديدة لالتقاط الانفاس ومنحها رصيداً اضافياً؟ في اي حال لا ارى شروط الحوار متوافرة في الوقت الحاضر”.
القمة الفرنكوفونية
وبعد نشر تصريحات الرئيس الفرنسي جاك شيراك في بوخارست، التي قال فيها ان عدم دعوة الرئيس لحود الى القمة “يتوافق مع المشاورات في الأمم المتحدة”، سألت “الاخبار” الرئيس لحود رأيه في الامر فقال: “منذ انتخابي رئيساً للجمهورية والرئيس الفرنسي يتعامل معي وفق حسابات خاصة لا تليق برئيس دولة. وهو شخصياً من قام بعملية التحريض لإلغاء دعوتي الى القمة في بوخارست، وهو أجرى اتصالات بعدد من الدول الاوروبية ومع دول اخرى في العالم لمقاطعتي، وهو يفعل ذلك من أجل اصدقائه في لبنان وهم فريق ولا يمثلون كل لبنان”.
وقال لحود: “على اي حال، فإن كل هذه الضجة لن تؤثر على موقفي وما قاله شيراك عن مشاورات الأمم المتحدة ليس صحيحاً، فأنا كنت قبل ايام في الأمم المتحدة أترأس وفد لبنان وأتحدث باسمه وألقيت خطاباً لم يعجبهم على الارجح. ثم إنني كنت مدعواً العام الماضي الى القمة الفرنكوفونية ولم اذهب نظراً الى التطورات”. وأوضح رئيس الجمهورية: “ان الرئيس شيراك يعتقد اننا ما زلنا تحت الانتداب، ولكن عليه ان يعلم ويتذكر انه سيترك منصبه قبل ان تنتهي ولايتي”.
كذلك رفض لحود في بيان صادر عن القصر تصريحات الرئيس الروماني ترايان باسيسكو الذي برر عدم توجيه الدعوة بأنها ناتجة من الشكوك التي ظهرت اثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وعلم انه لم تطرأ اي تطورات على الموقف من المشاركة اللبنانية في القمة ولم يرد الوزير طارق متري على نصائح زملاء له بعدم الذهاب لأن في ذلك مساهمة منه في ضرب موقع رئاسة الجمهورية، فيما اصر الرئيس فؤاد السنيورة على حصول التمثيل على هذا المستوى.
التشكيلات القضائية
في هذه الاثناء كانت التشكيلات القضائية التي نشرت “الاخبار” امس ابرز الاسماء الواردة فيها قد اثارت استياءً لدى مرجعيات سياسية وعدد من القضاة المشمولين، وكان البارز مسارعة المحامي العام لدى محكمة التمييز القاضي حاتم ماضي الى تقديم استقالته لدى وزير العدل شارل رزق احتجاجاً على قرار تعيينه مستشاراً في محكمة التمييز، الأمر الذي عدّه ظلماً اضافياً لحق به، وتردد ان آخرين سوف يقدمون على الخطوة نفسها اذا لم يتم تدارك الامر.
ورأت مصادر قضائية ان التشكيلات لن تبصر النور اذا لم يطلب تعديلها وزير العدل، وان رئيس الجمهورية اميل لحود سيرفضها بالتأكيد، ولفتت المصادر الى ان ثمة خطأ في تفسير القانون فمن غير الصحيح ان تصدر اذا ما صوت عليها سبعة اعضاء في مجلس القضاء الاعلى، لأنها تصدر بمرسوم وهذا المرسوم يحتاج الى توقيع لحود.
وقال الرئيس لحود لـ“الاخبار” انه لن يوقع على اي مرسوم لا يحقق التوازن ولا يعطي اصحاب الكفاءة حقهم ويلغي المحسوبيات، فيما قال العماد عون لـ“الاخبار” ان هناك “من يعلّبها ويقولبها بحيث تكون ناجزة وجاهزة للتوقيع من الجهة المعنية من غير مناقشتها. هذا الامر غير مقبول اطلاقاً. من غير المسموح إلا تناقش التشكيلات القضائية بين كل السلطات المسؤولة”.
بطولات فتفت الوهمية
الى ذلك لم يترك وزير الداخلية بالوكالة احمد فتفت المجال لإتمام تسوية الامن العام من دون “اضافات على طريقته” وكاد يطيح الاتفاق الذي تم التوصل إليه أول من امس بين الرئيسين نبيه بري والسنيورة في عين التينة، وذلك بسبب البيان الذي صدر عن مكتب فتفت بعد لقائه المقرر امس مع اللواء وفيق جزيني، وتحدث فيه عن “اعتذار” تقدم به جزيني “واستعداده لتنفيذ كل قرارات وزير الداخلية” الأمر الذي دفع بالرئيس بري الى التعبير عن استيائه من مضمون البيان وخروجه عن مضمون الاتفاق مع السنيورة، الذي لم يلزم المدير العام للأمن العام أي اعتذار على الإطلاق مقابل تراجع فتفت عن القرار التأديبي 2531 الذي اتخذه بحقه وأحاله بموجبه على النيابة العامة التنفيذية “لتمرده” على قرارات الوزير.
وفيما لم يعبّر بري عن موقفه صراحة اكدت مصادر مقربة من مقر الرئاسة الثانية في عين التينة “عدم صحة ما ورد في البيان عن اعتذار مزعوم قدم إليه او التعهد بأي امر خارج اطار القوانين والأنظمة المرعية”. وأشادت المصادر بـ“اجواء اللقاء والنقاش الإيجابية” واستغربت ما سمّته “محاولات ايجاد بطولات وهمية لا تمت الى الحقيقة بصلة”.
وقالت مصادر عليمة لـ“الأخبار” ان اصدار فتفت القرار 2605 فور انتهاء اللقاء مع جزيني والذي قضى بما حرفيته “يوقف العمل بمفاعيل القرار 2531” خفف حدة التشنج وحال دون صدور ردود فعل قاسية، بما شكله من التزام بتنفيذ حرفي للاتفاق الثنائي بين بري والسنيورة والذي وضع حداً نهائياً لإجراءات فتفت بحق جزيني.
وتطبيقاً للبند الأول من اتفاق بري ـــ السنيورة زار جزيني وزارة الداخلية والتقى الوزير فتفت لبعض الوقت حيث جرت “مكاشفة ومصارحة” بعد “عتاب متبادل وخفيف”، ومعه مشروع سلة التشكيلات الذي اعده فتفت والذي سيخضع للإجراءات المعتمدة كما في الحالات الطبيعية، فيما بات القرار 2403 في عهدة الاجتماع المنتظر يوم غد الجمعة برئاسة السنيورة وحضور وزيري الدفاع والداخلية بالوكالة وقادة الأجهزة الأمنية بمن فيهم اللواء جزيني هذه المرة.
وبعد اللقاء بنصف ساعة وزع المكتب الإعلامي لفتفت بياناً اعلن فيه “انه بعد تداول التطورات الأخيرة التي طاولت علاقة المدير العام للأمن العام بوزارة الداخلية بادر اللواء جزيني الى تقديم اعتذاره عن سوء التفاهم الذي حصل، وأعلن استعداده الدائم والكلي بتطبيق اي قرار صدر او يصدر عن وزير الداخلية. وبناءً عليه اصدر وزير الداخلية قراراً بوقف مفاعيل القرار 2531 المتعلق بالتدبير المسلكي المتخذ في حق اللواء جزيني اعتبارا من تاريخه”.
وعلمت “الأخبار” من مصادر ثقة تبلغت بما جرى في اللقاء القصير انه لم يشهد اي “اعتذار” للواء جزيني عن “سوء التفاهم الذي حصل” كما جاء في بيان لمكتب فتفت الإعلامي كما لم يتناول الحديث المتبادل ما قال به البيان نفسه من “اعلان استعداد جزيني للالتزام الدائم والكلي بتطبيق اي قرار صدر او يصدر عن وزير الداخلية”، بقدر ما تناول الحديث من حوار قاد إليه سؤال لجزيني لفتفت عن “سبب اصداره مذكرات وقرارات غير قانونية قبل التراجع عنها”، لافتاً الى ان العادة درجت “على التفاهم المسبق على ما يسمح به القانون والنظام الخاص بالمديرية العامة للأمن العام قبل صدور اي قرار”. فرد فتفت بالتأكيد انه “وحده يتحمل التبعات السياسية لأي قرار صدر او يصدر عنه”.