مهدي السيد
خيّمت أجواء الانكسار على الساحة الإسرائيلية أمس، مع اعتراف وزراء رفيعي المستوى في حكومة تل أبيب بالهزيمة أمام حزب الله وبعجز أقوى الجيوش عن نزع سلاحه، في تصريحات ترافقت مع سجالات وتباينات حادة وصلت إلى حد المطالبة بتأليف لجان تحقيق وباستقالة الحكومة، رغم جميع محاولاتها لتجميل الصورة وتحويل الفشل إلى انتصار عبر الإيحاء بأن القرار 1701 يلبي كل الشروط السياسية الإسرائيلية (تفاصيل صفحة 18-19).
جاء ذلك خلال جلسة لحكومة إيهود أولمرت صادقت خلالها على قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1701، على وقع صواريخ المقاومة الإسلامية التي حطمت رقماً قياسياً جديداً، في ما بدا أنه رد على الادعاء الإسرائيلي بضرب قدرات حزب الله الصاروخية.
وشهدت الجلسة التي عُقدت في ظل احتدام المعارك البرية التي تكبّد فيها جيش الاحتلال خسائر فادحة تجاوزت ثلاثين قتيلاً ومئات الجرحى خلال اليومين الماضيين، خلافات حادة بين أعضائها واعترافات خطيرة الدلالات؛ فوزيرة الخارجية تسيفي ليفني أقرت بأنه لا جيش في العالم قادر على نزع سلاح حزب الله، فيما قال وزير البنى التحتية بنيامين بن اليعازر، منفعلاً: «لا توهموا أنفسكم، نحن لا نسيطر في جنوب لبنان، لقد هُزمنا وتلقينا ضربة قاسية».
وامتنع وزير المواصلات شاؤول موفاز عن التصويت لمصلحة الموقف من القرار 1701، معللاً رفضه بأنه لا يلبي الهدفين الأساسيين اللذين لأجلهما شنت إسرائيل الحرب، وهما الإفراج الفوري عن الجنديين الأسيرين، وتنفيذ القرار 1559.
لكن رغم مصادقة الحكومة على القرار، انصب الاهتمام على مسألة تنفيذه، لجهة آلياته وسبله، فسادت الموقف الإسرائيلي حالة من الضبابية والارتباك لجهة كيفية التعامل مع المرحلة المقبلة، وهو ما انعكس توتراً في المستويين السياسي والعسكري.
وما كان من أولمرت إلا أن أعلن عن نيته تأليف هيئة، بالتشاور مع المؤسسة الأمنية، لبحث آليات وسبل التعاطي مع هذه المرحلة، ولا سيما في ضوء الرسالة التي بعث بها الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان، إلى الحكومة الإسرائيلية. وتحدد هذه الرسالة بعض آليات تنفيذ القرار وأهمها حظره على الجيش الإسرائيلي إقامة مواقع داخل الأراضي اللبنانية، وضرورة عودة كل طرف يتعرض لإطلاق نار إلى القوة الدولية وعدم رده على أي خرق، وهو ما يتعارض مع ما يسوّق له المستويان السياسي والعسكري لجهة ادعاء احتفاظ إسرائيل بحق الدفاع عن النفس والرد على كل هجوم تتعرض له رغم كونها قوات احتلال.
وتجدر الإشارة إلى أن مرحلة ما بعد دخول القرار حيز التنفيذ خلقت معضلة عسيرة أمام الجيش الإسرائيلي لجهة كيفية التعاطي الميداني، إذ إن بقاء قواته داخل الأراضي اللبنانية، كما أعلن، ستعني حتماً تعرضها لعمليات المقاومة، وسيفرض عليها انتشاراً وإجراءات ميدانية تجعل منها أهدافاً سهلة للمقاومين، فيما سيجلب تراجعها انتقادات واسعة لها من الداخل الإسرائيلي على خلفية عبثية هذه الخطوة وانعدام جدواها مقارنة بالكلفة الباهظة التي نجمت عنها، وخصوصاً أنها لم تؤدّ إلى توقف أو تراجع أعداد الصواريخ التي تنهمر على شمال فلسطين المحتلة ووسطها.
وقال أولمرت، خلال جلسة الحكومة، إن هذا القرار 1701 «جيد بالنسبة إلى إسرائيل ويضع شروطاً حقيقية لتنفيذ القرار 1559». وأضاف إن «حزب الله لن يبقى دولة داخل دولة في لبنان، وحكومة لبنان ستصبح العنوان مقابل حكومة إسرائيل».
أما وزير الدفاع الإسرائيلي عمير بيرتس فرأى، من جهته، أن «السؤال المركزي في اتفاق وقف إطلاق النار هو كيف سيطبقه حزب الله»، مضيفاً: «نستعد لكل رد فعل محتمل وسنرى إن كانوا (في لبنان) سيحترمون القرار أو لا».
وكشف بيرتس، خلال الجلسة نفسها، ان الجيش الإسرائيلي يعمل على إنشاء جهاز تنسيق بين قوات اليونيفيل التابعة للأمم المتحدة التي ستنتشر في جنوب لبنان والجيش الإسرائيلي.
وقال وزير العدل حاييم رامون، من جهته، إن «مسؤولية تطبيق القرار تعود الى الحكومة اللبنانية».
أما ليفني فرأت أن القرار «أفضل بعشرات المرات من العرض الأميركي ــ الفرنسي السابق»، في إشارة إلى مسوّدة قرار قدمت إلى مجلس الأمن الأسبوع الماضي. ورأت ليفني أن «ثمة احتمالاً لرؤية تغيير في لبنان. لكني أعيش في الشرق الأوسط وأعرف أن القرارات لا تطبق دائماً».
وأعلنت ليفني ان اسرائيل مستعدة للتفاوض من اجل الإفراج عن جندييها الأسيرين لدى حزب الله، وقالت إن «الحكومة الاسرائيلية لا تنوي البتة نسيان هذه القضية، وبالتالي سيعين رئيس الوزراء شخصاً يُكلف هذا الملف»، مشيرة إلى «أننا سندخل في عملية تعني التفاوض».
في المقابل، قال نائب رئيس الحكومة الاسرائيلية شمعون بيريز، لإذاعة الجيش الاسرائيلي، إن «حزب الله لم يخرج بطلاً وانما خرج خائباً من الحرب. استمعت (السبت) بانتباه كبير الى كلمة (الامين العام لحزب الله) حسن نصر الله. ستوجه إليه ايضاً اسئلة حول الاسباب التي دفعته الى شن الحرب التي اوقعت اكثر من ألف قتيل لبناني وأدت الى نزوح نصف مليون شخص».
وقال ضابط إسرائيلي رفيع المستوى إن جيش الاحتلال سيتوقف عن إطلاق النار ابتداءً من الساعة السابعة من صباح اليوم. وأفادت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية بأن التقديرات لدى الجيش الإسرائيلي تشير إلى أن إطلاق حزب الله للصواريخ باتجاه إسرائيل سيتوقف، «لكن الاحتكاكات ستتواصل بينه وبين القوات الإسرائيلية في لبنان».
وكان رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، اللواء عاموس يدلين، قد قال أمام الوزراء إن حزب الله سيحاول بلورة قواعد لعبة مشابهة لتفاهم عناقيد الغضب. وأضاف «سيضربون جنود الجيش الإسرائيلي، وإذا رددنا بالمس بأعضاء الحزب، فسيرد الحزب بإطلاق الصواريخ». وبحسب تقدير يدلين، سيتلقى حزب الله في المستقبل تعزيزات بالسلاح من سوريا وإيران. وأضاف «نحن نتوقع بمعقولية عالية جداً حصول مواجهة مستقبلية مع حزب الله».