strong>معـوض وحمـاده وسركيـس يتحفظـون: رفـض الإتفـاق الرضـائي والمطالبـة بمنطقـة عسكريـةبعد اتصالات سياسية وأمنية وديبلوماسية معقّدة، توصلت المرجعيات السياسية البارزة في البلاد الى اتفاق ينظم عملية انتشار الجيش اللبناني جنوبي نهر الليطاني دون أن يؤدي ذلك الى أي صدام مع رجال المقاومة الذين ينظمون انتشاراً يحفظ الدور الذي يتيح لها مواجهة أي احتلال أو عدوان من اسرائيل على الجنوب، ولا يمس قوتها وجهوزيتها في كل المناطق اللبنانية.

لكن المناقشات التي جرت في مجلس الوزراء والطروحات التي قدمها ممثل الحزب التقدمي الاشتراكي مروان حمادة من جهة، وتحفّظ ممثل «القوات اللبنانية» جو سركيس على القرار من جهة ثانية، دلت على استمرار الخلافات الداخلية برغم سير تيار «المستقبل» في الاتفاق مع حزب الله والجيش، الذي تم برعاية الرئيس نبيه بري.
وقد قرر مجلس الوزراء مساء أمس رسمياً البدء بنشر نحو ثمانية آلاف جندي لبناني ابتداءً من فجر اليوم في الجنوب، على أن يتم ذلك بداية من القطاع الشرقي، وتحديداً في قضاءي مرجعيون وحاصبيا. وقال بيان الحكومة إن «مهمات الجيش وصلاحياته على كامل تلك المناطق تكون بالدفاع عن أرض الوطن والحفاظ على الأمن والنظام التامين، وكذلك الحفاظ على أملاك المواطنين وأرزاقهم وحمايتها، ومنع وجود أي سلطة من أي نوع تكون خارجة عن سلطة الدولة اللبنانية، والتأكد من احترام الخط الأزرق والتعاون مع قوات اليونيفيل حسب القرار 1701». وأعلن حزب الله بلسان الوزير محمد فنيش الموافقة على القرار دون أي تحفظ.
وقبل ساعات من البدء بتنفيذ القرار المفترض فجر اليوم، وجه قائد الجيش «امر اليوم» الى العسكريين تحت عنوان «الارادة الوطنية الجامعة»، وفيه: «تستعدون للانتشار على ارض الجنوب الجريح، الى جانب مقاومتكم ومع شعبكم الذي أذهل العالم بصموده وثباته، وكسر هيبة الجيش الذي قيل عنه انه لا يقهر، ولقد اخطأ العدو الاسرائيلي عندما تناسى أنه في لبنان تدب الحياة بدماء الشهداء من الجيش والمواطنين والمقاومين والصامدين».
وقائع الجلسة
بدأت الجلسة بالترحيب بوفد قيادة الجيش، الذي قدم قائده العماد ميشال سليمان عرضاً لما تقوم به وحدات الجيش في إعمار بعض البنى التحتية في المناطق المنكوبة، وذكّر بحاجات الجيش للقيام بخطوة الانتشار من ناحية العتاد والمال والتجهيزات، وقدم مدير المخابرات العميد جورج خوري عرضاً للمناقشات التي جرت في مقر القيادة الدولية مع وفدين دولي واسرائيلي، كما قدم تقريراً يبرز الخروقات الاسرائيلية وأماكن تجمع قوات الاحتلال في عدد من النقاط الحدودية، وأن اسرائيل قتلت مواطناً لبنانياً حاول التقدم الى منزله في بلدة طيرحرفا. وأكد ما أعلنه قائد الجيش عن الجهوزية الكاملة لبدء الانتشار.
ثم قدم الرئيس السنيورة عرضاً لمشروع القرار لجهة تحديد الساعة الصفر للانتشار العسكري والمهمة التي سيكلف المجلس الجيش للقيام بها في الجنوب، معتبراً أن النص جاء بعد سلسلة من الاتصالات التوفيقية التي توصلت اليها المفاوضات مع الرئيس بري. ولما سمع بعض الوزراء بالصيغة المقترحة، علت الاعتراضات من بعض الوزراء. وكانت أصوات البعض أعلى من غيرها، وسألوا عن مصير سلاح «حزب الله».
وتبعه وزير الدفاع الياس المر بشرح الكثير، وقال ان القيادة ألغت كل الخطط التي كانت تهدف الى استدعاء الاحتياط بعدما تطوع في صفوف الجيش أكثر من ثمانية آلاف عسكري وضابط من المجندين، الذين أجروا الخدمة العسكرية في وقت سابق، الأمر الذي دفع ببعض الوزراء إلى التصفيق بالنظر الى حجم المراجعات التي انهالت عليهم لجهة إعفاء الطلاب والموظفين الذين كان سيشملهم التجنيد الاجباري من الخدمة المفاجئة.
وأضاف المر: ان الجيش جاهز لنشر القوة كاملة خلال خمسة أيام، من خلال ثمانية ألوية يضم كل لواء 2000 ضابط وعسكري، بالاضافة الى لواءين من المدرعات، الأمر الذي يوفر مع القوة المنتشرة في الجنوب 15000 ضابط وعسكري كما نص عليه القرار الدولي 1701. كما شرح المر اللوازم المالية وتكاليف المهمة بحدها الأدنى، متمنياً على المراجع المالية الإسراع بصرف الاعتمادات الضرورية، التي قدرت بنحو 47 مليار ليرة لبنانية.
وأثار المر موضوع التعويضات المطلوبة لعدد من العسكريين الذين دمرت بيوتهم أو تضررت جراء العدوان واتفق مع رئيس الحكومة ووزير المال على متابعة الأمر وإنجازه في وقت قريب.
واعترضت الوزيرة نايلة معوض على «الصيغة الرضائية» التي تم التوصل اليها مع الرئيس بري، وسألت عن «المنطقة الأمنية والعسكرية» الخالية من أي وجود مسلح غير شرعي التي تحدث عنها القرار التمهيدي في الجلسة السابقة. أما الوزير سركيس فرأى أن الصيغة المطروحة «لا تفي بأن تكون جواباً عن الأسئلة التي طرحتها قيادة الجيش ولا تشكل أمر عمليات واضحاً لمهمة الجيش ولا تقدم حلولاً لاحتمالات أي صدام مع أية مجموعة مسلحة عند حصول أي احتكاك محتمل مع القوى العسكرية». وطالب بأن تحمل الصيغة كلاماً واضحاً وصريحاً غير قابل للتفسير.
وأضاف: ان القرار لم يشمل بشكل واضح كيفية سد الثغر على طول الخط الأزرق ومحاور شبعا وكفرشوبا، فقاطعه الرئيس السنيورة، وأوضح له «جغرافية المنطقة». وقال: ان شمول القرار لقضاءي حاصبيا ومرجعيون يشمل ضمناً المزارع التي تتحدث عنها وحتى التقاء الحدود اللبنانية مع سوريا عند انتهاء المنطقة المحتلة من اسرائيل. وأضاف الرئيس السنيورة ان الحديث عن منطقة عسكرية يحتاج الى قانون يقره المجلس النيابي التزاماً بما ينص عليه الدستور. لكن الوزير سركيس أكمل مداخلته وسجّل تحفظه على القرار «الذي لا يوفر الاجابة عن هواجسنا، ولا يضمن تنفيذ ما تضمنه القرار 1701 من تكليف واضح وصريح للجيش».
وسجل الوزير حمادة ملاحظات شبيهة، وشدد على تنفيذ مقتضيات القرار الدولي، وسأل مجدداً عن المنطقة العسكرية الخالية من أي سلاح غير شرعي. وطالب حمادة بفتح دورة استثنائية عاجلة لمجلس النواب لمناقشة تداعيات العدوان وللحصول على قانون يفرض المنطقة العسكرية في جنوبي نهر الليطاني. وهو ما أيده الوزيران معوض وميشال فرعون.
وعلق الوزير طارق متري على المناقشات، وقال إن ما هو مطروح يلبي حاجة القرار الدولي ومضمونه بلغة هادئة لا تتناقض في جوهرها مع مقتضياته الأساسية.
وشرح قائد الجيش أن القوات سوف تعمل وفقاً للمادة 4 من قانون الدفاع الوطني لا وفق إعلان المنطقة عسكرية بالكامل.
وبناءً على المناقشات تقرر :
1ــ إلغاء القوة الأمنية المشتركة فور البدء بتنفيذ قرار نشر الجيش.
2ــ اعادة العمل بغرفة العمليات البحرية المشتركة.
3ــ وقف العمل بالمرسوم الذي يجعل منطقة بعلبك منطقة أمنية تأميناً لتسهيل عمل الجيش في المناطق الجنوبية.
4ــ الموافقة على صرف الاعتمادات المالية المطلوبة لتغطية هذه العملية. كذلك حصل نقاش حول عمل الدولة في مواجهة آثار العدوان. ورداً على استفسار الرئيس اميل لحود، كشف وزير المالية ان الحساب المالي للتبرعات الموجود في المصرف المركزي يجري الآن على مئة مليون دولار، وأشار رئيس الحكومة الى وصول مساعدات إضافية كثيرة لهيئات ومؤسسات خاصة. وجرى استعراض للمبادرات المقدمة من عدد من الشخصيات والمؤسسات لإعادة إعمار عدد من المرافق والبنى التحتية. وأبلغ حمادة مجلس الوزراء قرار النائب وليد جنبلاط اصلاح الجسور المؤدية الى منطقة الشوف على نفقته الخاصة.
وفي الجلسة أثار بعض الوزراء موضوع استمرار الحصار البري والبحري والجوي الاسرائيلي وطلبوا الى الرئيس السنيورة اعطاء لمحة عن الحلول التي توصل اليها من خلال المعالجات التي قادها مع وزراء خارجية فرنسا والدول الصديقة. ففوجئ بعض الوزراء بما قاله السنيورة بأن الحصار قد يستمر الى حين الاتفاق على وقف النار في مرحلة لاحقة تلي المرحلة الحالية المتصلة بوقف العمليات العسكرية. وأبلغ السنيورة الحكومة أن هناك توافقاً ضرورياً مع الطلب الدولي بالتثبت من آليات المراقبة في المطار والمرفأ وأن وحدة ألمانية يفترض ان تكون مشاركة في قوة اليونيفيل سوف تعمل خلال الأيام القليلة المقبلة على التثبت من جهوزية الاجهزة الامنية والقضائية اللبنانية على منع دخول اسلحة عبر المرافق، وانه سوف يتبع ذلك فك الحصار بصورة شاملة وإلا فإن العالم لن يكتفي بأن نقول له نحن اننا جاهزون لهذا الامر.
وقال: وإلا فإن علينا معالجة كل حالة على حدة وبالتقسيط، فعندما سنأتي بمئة كيلو بطاطا او بباخرة فيول أو ادوية علينا اجراء الاتصالات مع الأمم المتحدة او السفارة الأميركية كوسيطين لنيل الموافقة الإسرائيلية، فإذا جاءتنا الموافقة كان به، وإلا فلاحول ولا قوة.