القاهرة ــ وائل عبد الفتاح
“روح بيروت”؛ قيلت الكلمة عابرة ونسيها الجميع على نيل القاهرة. لم يكن أحد من المحبوسين في الزحمة الروتينية لميدان التحرير مهتم بما يحدث على بعد بضعة أمتار. انتصر تيار الخوف من تموز 2006، وانتصر تيار الهزيمة المسبقة. أثبت العرب أنهم فاشلون في استثمار حتى النصر الذي لم يساهموا فيه.وأثبتوا أن فكرة العروبة، كما تراها الأنظمة الرسمية، تحتاج إلى إعادة إعمار، وأن “روح بيروت” تحتاج إلى عملية إنقاذ من محاولة اختطاف جرت فصولها الأخيرة في القاهرة (تفاصيل صفحة 21).
جميع الأنظمة اشتركت فى العملية كل بطريقته. في الخطب والاجتماعات. أمام الشاشات ومكبرات الصوت وفي الكواليس والغرف المغلقة. ومن يتابع ملامح الوزراء والمسؤولين العرب يكتشف بمجهود قليل أن أحدهم لا تبدو عليه سعادة مما حدث فى لبنان منذ أيام قليلة. كلهم كانوا فى حالة قلق ورغبة فى التخلص من ذكريات 33 يوماً اضطروا فيها الى تحريك الموقف من الإدانة المباشرة لحزب الله إلى “الإدانة غير المباشرة لإسرائيل”.
التحريك تمّ من دون إرادة حقيقية في الخروج من نفق عملية سلام ماتت إكلينيكياً، لكن تيارها لا يزال هو الأقوى، كما بدا أمس فى القاهرة. وعلى غير العادة، لم يكن الانتصار تياراً. الهزيمة كانت موجودة بقوة وبتياريها المتميزين بحنجرة قوية في الدفاع عن خيار سلام فاشل أو حرب لم تطلق فيها رصاصة بأمر قائد رسمي في جيش عربي.
المدهش أن روح بيروت لم تدفع العرب الشطار في “البيزنس” الى اعلان مشروع عربي لاعادة اعمار لبنان. شطارة العرب كانت في بيزنس فردي. هكذا بدت فقرات الحماسة في البيان الختامي تسير باتجاه حرب خفية على احتكار الاعمار، ربما تكون بين السعودية والإمارات في جولة جديدة من صراع مالي واقتصادي، ساحته عواصم عربية، آخرها كان القاهرة في مشروعين، أحدهما للاتصالات والآخر كان عقارياً.
ستكون بيروت ربما الساحة المقبلة. وستحمل معها نفوذاً سياسياً، وخصوصاً بالنسبة للسعودية الباحثة عن قنوات جديدة بعد انسداد أفق القنوات القديمة المستهلكة في سجال ما بعد الحرب على لبنان. هكذا كان مشهد عمرو موسى، وهو يترك المؤتمر الصحافي، كأنه هارب من شيء ما. خرج فجأة ومن دون سابق إنذار، ولا إشارة إلى نهاية الاجتماع.
ممّ يهرب عمرو موسى وهو يرأس قمة تعيش أجواء انتصار لم يتوقعه أكثر المتفائلين؟ من العجز الرسمي؟ من وطأة الغرف المغلقة؟ من ضغوط آتية من قصور الحكم؟ من مرحلة ما بعد 1701 وديبلوماسية لا يتحملها عرب ما بعد كامب ديفيد وأوسلو؟ الحقيقة أن العرب كلهم، وفي القاهرة، هربوا من روح بيروت. حاصروها بكل ما أوتوا من وسائل ضغط. وتركوها ترفرف وحدها على النيل تؤكد للناس المنتعشين بانتصار المقاومة في الجنوب: لا أمل في عروش تنتظر كلمة من واشنطن.
لا اتفاق في اجتماع وزراء الخارجية، هذه هي المحصلة الأبرز لما شهدته القاهرة أمس. لا قمة عربية طارئة ولا مساعدات لإعمار لبنان ولا دعم عسكرياً لجيشه. جلّ ما خرج به الاجتماع هو مزيد من الخلافات، بعدما غاب وزير الخارجية السوري وليد المعلم، ما أثار الكثير من التكهنات حول توتر العلاقات بين عدد من الدول العربية، وعلى رأسها السعودية ومصر، وبين سوريا، بعد الخطاب الأخير للرئيس بشار الأسد.
“ضخ الدماء في عملية السلام”، هو العنوان الأبرز لاجتماعات ونقاشات هيمن عليها أصحاب نظرية “المغامرة”. وبعدما كان عمرو موسى أعلن موت عملية السلام في اجتماع سابق لوزراء الخارجية، عاد أمس ليعلن مطالبة مجلس الأمن الدولي بعقد اجتماع استثنائي لإعادة إحياء العملية نفسها.