رغم ضخامة الأسئلة والكلام «الأكثري» عن دور الدولة في ضبط السلطة الأمنية والسياسية على كامل البلاد، فإن الأسئلة الرئيسية التي لا تجد أجوبة عند الفريق نفسه الذي يمسك بالحكومة تركز على واقع ودور مؤسسات الدولة في إعادة إعمار ما دمره العدوان الإسرائيلي على لبنان. وسط خلافات جدية تعصف بالفريق الحكومي والرسمي المسؤول عن هذا الملف، وبدء سريان أخبار عن صفقات وتنفيعات ومحسوبيات عاد اليها فريق الأكثرية تماماً كما كان يفعل يوم كان أيضاً فريق للأكثرية في ظل الوجود السوري.وبعد مرور أيام تجاوزت الأسبوع على وقف الأعمال العدائية وعودة القسم الأكبر من النازحين الى قراهم ومدنهم، فإن مؤسسات الدولة لم تعمد بعد إلى إزالة الركام ورفع الأنقاض في معظم بلدات الجنوب ولم تقم سوى فرق صغيرة من مؤسسة كهرباء لبنان بإعادة وصل ما قطعته الطائرات في محاولة لإعادة التيار الكهربائي سريعاً، بينما قامت وحدات من وزارة الاتصالات بمسح أوّلي للأضرار والشروع في بعض الإصلاحات الضروروية لإعادة وصل شبكات الهاتف الثابت بانتظار أن تجد الدولة وشركتا الهاتف الخلوي حلولاً مشتركة لبناء محطات البث والإرسال. لكن مشهد الدمار في القرى والبلدات الجنوبية والبقاعية المدمرة لا يزال على حاله ما عدا عمليات إبعاد وتجميع الأنقاض عن الطرقات الرئيسية التي تقوم بها بلديات أو مؤسسات تابعة للمقاومة.
لكن المشكلة الرئيسية في ما خص ملف إعادة الإعمار تتلخص في أمرين:
الأول هو خلاف على التقديرات الخاصة بالخسائر والأكلاف المفترضة، وسط رغبة من مراجع حكومية ووزارة الاشغال في رفع الرقم الى نحو ستة مليارات دولار أميركي وهو رقم خيالي قياساً بحجم الأضرار الفعلية.
الثاني يتصل بالمرجعية الرسمية التي سوف تتولى الإشراف على إنفاق الأموالالخاصة بهذه العملية وعلى التدقيق في الأشغال المفترضة. وخصوصاً أن وزارة الأشغال باشرت بتلزيم عدد من المقاولين بعض الأشغال بحجة السرعة في إنهاء الأعمال من جهة وبحجة أن المتبرعين لإنجاز بعض الأشغال يشترطون العمل مع هذا المتعهد أو ذاك.
وحسب مصادر واسعة الاطلاع فإن المعركة الرئيسية تتعلق بإبعاد مجلس الإنماء والإعمار عن هذا الملف، ليس لاعتباره غير مختص بالأمر، بل ربما لموقف من إدارته، وهو ما كشفته التسريبات الأخيرة عن رغبة رئيس الحكومة فؤاد السنيورة في إبعاد الفضل شلق عن رئاسة المجلس وإعادة الرئيس الأسبق نبيل الجسر الذي يعمل اليوم مستشاراً لرئيس الحكومة بما خص هذا الملف. وهو الذي يدير في رئاسة الحكومة عمليات التنسيق الخاصة بهذا الأمر وبالعلاقة مع مؤسسات دعم مالية عربية ودولية.
وعقد خلال اليومين الماضيين أكثر من اجتماع له صلة بهذا الأمر أبرزه الاجتماع الذي جمع شلق الى النائب سعد الحريري، من دون أن تتّضح صورة النتيجة النهائية.
وحسب المصادر نفسها فإن هناك ضغوطاً وأسئلة من جانب صناديق عربية ودولية للحكومة حول تأخرها في مباشرة الأعمال، وهناك في المقابل طروحات مصدرها رئاسة الحكومة ومصرف لبنان تتعلق باستحداث هيئات جديدة مثل الهيئة العليا للإعمار أو الصندوق العربي والدولي لإعادة الإعمار. وهو أمر يصيب أيضاً مؤسسات أخرى بينها الهيئة العليا للإغاثة التي يبدو أنها مستاءة من خطوات سارعت اليها وزارة الأشغال وأبرزها تلزيم رفع الأنقاض في الضاحية الجنوبية الى متعهد مقرب من تيار المستقبل، عمد بدوره الى تكليف متعهدين آخرين وشركات أخرى القيام بهذه المهمة، وسط تضارب حول الأكلاف المفترضة والتي تصل الى نحو 15 مليون دولار، من دون الاتفاق تفصيلياً على أمور كثيرة من بينها فرز الأنقاض ومكان تصريفها في نهاية الأمر. وعلم أن وزارة الأشغال طلبت من رئاسة مجلس الإنماء والإعمار تزويد المتعهدين بالخرائط والبيانات الخاصة بإعادة إعمار بعض الجسور وبعض المرافق العامة وتأهيل طرقات. من دون أي تدخل وهو الأمر الذي قابلته أسئلة حول هوية الجهة التي ستشرف على الأعمال ومدى مطابقتها للمواصفات وبما خص الأسعار. وخصوصاً أن متعهدين قدموا أرقاماً عالية بحجة ارتفاع أسعار المواد الأوّلية.
أما الأحاديث التي تملأ المدينة فهي التي تخص أسماء المقاولين الذي أسندت اليهم هذه المهمات، وأسماء الشركات التي خصصت وحدها بتوفير المواد الخاصة بتموين النازحين، وبما لدى وزارة المالية من بيانات واضحة حول الإنفاق الجاري وحقيقة الأرقام النهائية الخاصة بالتبرعات.