جوزف سماحة
«يعتقد جميع صنّاع السياسة ومسؤولي الاستخبارات من دون استثناء، في أميركا، بأن على الولايات المتحدة أن تقوم بجمع معلومات أكثر وأفضل وعلى نطاق أوسع في ما يخص المسائل الإيرانية: القوى السياسية المحرّكة، الوضع الاقتصادي، دعم الإرهاب، طبيعة التدخل في العراق، وضع المساعي لامتلاك أسلحة نووية وبيولوجية وكيميائية، وغيرها العديد من المواضيع المثيرة للاهتمام. يجب على جماعة الأمن القومي أن يكرّسوا عدداً من الموظفين والمصادر الضرورية لتقويم مشاريع إيران وأهدافها بشكل أفضل».
هذا ما ورد حرفياً في تقرير لجنة الاستخبارات الفرعية في مجلس النواب الأميركي، وهو تقرير مرفوع الى اللجنة الأم بعنوان «تعريف إيران كخطر استراتيجي». هدف التقرير تحديد الثغر في المعطيات الاستراتيجية عن هذا «العدو».
في الصفحة الأولى من التقرير مقتطفات من خطابات لأحمدي نجاد موجهة ضد إسرائيل. لا كلمة عن الولايات المتحدة. في الجملة الأولى من التقرير إشارة الى تهديدات نجاد «للولايات المتحدة وإسرائيل...». في الفقرة الأولى من الصفحة الأولى تركيز على ازدياد جدية الخطر الإيراني بفعل «الهجمات الصاروخية الأخيرة التي شنّتها مجموعة حزب الله الإرهابية المدعومة من إيران...».
التقرير صدر أول من أمس، في 23 آب، أي غداة تقديم إيران جوابها الى مجموعة «خمسة زائد واحد». ويتضمن التقرير تأكيدات مستفيضة حول الفشل في حشد المعطيات الضرورية التي لا تؤكد عداء إيران للولايات المتحدة وإسرائيل فقط وإنما نجاحها في امتلاك ترسانة أسلحة دمار شامل وحيثيات دعمها لـ«الإرهاب».
التقرير، بهذا المعنى، هو حول النقاط الغامضة، والنقص، وقلة المعرفة. إنه، في الوجه الأول منه، اعتراف بالجهل.
أما الوجه الثاني فهو، استناداً الى هذا الجهل، إعلان العداء بحجة المخاطر النووية والبيولوجية والكيميائية ووسائط إيصال الرؤوس الحربية غير التقليدية ودعم تنظيمات في لبنان وفلسطين وتشجيع التمرد في العراق.
نواب من الحزب الجمهوري شاركوا في كتابة هذا التقرير ومعهم نواب ديموقراطيون. إلاّ أن الصياغة النهائية تعود الى فريديريك فلايتز ضابط الاستخبارات المركزية السابق الذي تصفه «واشنطن بوست» بأنه كان «مساعداً مقرباً من جون بولتون». لذلك ليس غريباً أن تكون خلاصة الاعتراف بالجهل الدعوة الى الاستمرار في مواجهة إيران لأنه ليس مستحباً الدخول في تفاوض معها على قاعدة هذا النقص الفادح في المعلومات!
يعترف التقرير بأن «ثمة أموراً كثيرة لا نعرفها عن إيران» إلاّ أنه يستفيض في استعراض الترسانة غير التقليدية مركّزاً، في كل مرة، على الموقع الخاص الذي يحتله «حزب الله».
إن إيران القوية، في عرف التقرير، ستصبح «أكثر جرأة» وأكثر «تهديداً للاستقرار ولأمن الولايات المتحدة وحلفائها وأصدقائها»، وأكثر إثارة للتوترات الإقليمية، وأكثر استدعاءً لمبادرة هجومية إسرائيلية. ربما كان هذا صحيحاً ولكنه ليس الموضوع.
الموضوع هو أن إيران متهمة بالتقدم من برنامج نووي سلمي إلى برنامج نووي عسكري. والموضوع هو أن الدول المتعاطية مع هذا الملف ترسم سياستها على هذا الأساس. والموضوع هو أن قوى الضغط من أجل استعجال المواجهة تبني ذرائعها على معلومات دقيقة تفيد أن «الحرب الاستباقية» باتت أكثر من ضرورية. وبهذا المعنى فإن التقرير يقدم تحليلاً سياسياً للخلاف مع إيران ويعترف بالهوة المعرفية الحائلة دون امتلاك تقدير دقيق لعوامل القوة الإيرانية.
ومن تابع النقاشات السابقة حول العراق يجد أنها تكاد تكرر نفسها حرفياً هنا. فمن الدلائل المستخدمة للحسم بأن إيران تطوّر برنامجاً نووياً عسكرياً هو إصرارها على العكس! ويقول هذا المنطق، كما كان يقال سابقاً عن العراق، إنه ما كان لها أن تبذل مثل هذا الجهد للنفي لولا أنها تملك شيئاً تودّ إخفاءه! ومن الدلائل، أيضاً، حيازة إيران مخزوناً نفطياً كبيراً واحتياطي غاز. ويعني ذلك في عرف التقرير أن القصد من النووي شيء آخر غير الطاقة السلمية. ويتهاوى الأمر أحياناً، إلى حد استخدام عبارات «من الشائع» و«من المتداول على نطاق واسع» وذلك في معرض التركيز على عناوين دقيقة ومحددة.
لهذا التقرير وظيفة. القصد منه القول إن الجهل حائل دون التفاوض ولذلك فإنه مقدمة للعدوان! أما الوظيفة الأخرى فهي مطالبة أجهزة الاستخبارات الأميركية، بعد «تطهيرها»، بأن تدخل مع المستوى السياسي في علاقة غير مهنية. لم يعد مطلوباً منها أن تقدم إليه القاعدة التي يبني عليها قراره بل عليها أن تقدم إليه التبريرات التي تخدم قراراً متخذاً سلفاً.
لا أحد يعرف إذا كانت إيران تطور برنامجاً نووياً عسكرياً، لا أصدقاء إيران ولا خصومها. وبإمكان الكثيرين ألاّ يُعجبوا بتصريحات أحمدي نجاد حول «الهولوكوست» وهي، في الواقع، مجافية للحقيقة. ولكن هذا شيء والسياسة الأميركية شيء آخر. إنها سياسة عدوانية تدّعي الانبناء على معرفة الوقائع مع ميزة خاصة وهي أن العدوانية تبقى في حالة جهل الوقائع كما في حالة الوقائع المخالفة.
إن ما يهمنا، في لبنان، من هذا التقرير وأمثاله، هو أنه يحسم في من يتعاطى مع البلد بصفته «ساحة» ويحسم في فهم العدوان الذي تعرضنا له. إن الوعي الريفي امتهان لصراعات يكون «النووي» عنوانها حتى لو لم يكن موضوعها.
أما الوجه الثاني فهو، استناداً الى هذا الجهل، إعلان العداء بحجة المخاطر النووية والبيولوجية والكيميائية ووسائط إيصال الرؤوس الحربية غير التقليدية ودعم تنظيمات في لبنان وفلسطين وتشجيع التمرد في العراق.
نواب من الحزب الجمهوري شاركوا في كتابة هذا التقرير ومعهم نواب ديموقراطيون. إلاّ أن الصياغة النهائية تعود الى فريديريك فلايتز ضابط الاستخبارات المركزية السابق الذي تصفه «واشنطن بوست» بأنه كان «مساعداً مقرباً من جون بولتون». لذلك ليس غريباً أن تكون خلاصة الاعتراف بالجهل الدعوة الى الاستمرار في مواجهة إيران لأنه ليس مستحباً الدخول في تفاوض معها على قاعدة هذا النقص الفادح في المعلومات!
يعترف التقرير بأن «ثمة أموراً كثيرة لا نعرفها عن إيران» إلاّ أنه يستفيض في استعراض الترسانة غير التقليدية مركّزاً، في كل مرة، على الموقع الخاص الذي يحتله «حزب الله».
إن إيران القوية، في عرف التقرير، ستصبح «أكثر جرأة» وأكثر «تهديداً للاستقرار ولأمن الولايات المتحدة وحلفائها وأصدقائها»، وأكثر إثارة للتوترات الإقليمية، وأكثر استدعاءً لمبادرة هجومية إسرائيلية. ربما كان هذا صحيحاً ولكنه ليس الموضوع.
الموضوع هو أن إيران متهمة بالتقدم من برنامج نووي سلمي إلى برنامج نووي عسكري. والموضوع هو أن الدول المتعاطية مع هذا الملف ترسم سياستها على هذا الأساس. والموضوع هو أن قوى الضغط من أجل استعجال المواجهة تبني ذرائعها على معلومات دقيقة تفيد أن «الحرب الاستباقية» باتت أكثر من ضرورية. وبهذا المعنى فإن التقرير يقدم تحليلاً سياسياً للخلاف مع إيران ويعترف بالهوة المعرفية الحائلة دون امتلاك تقدير دقيق لعوامل القوة الإيرانية.
ومن تابع النقاشات السابقة حول العراق يجد أنها تكاد تكرر نفسها حرفياً هنا. فمن الدلائل المستخدمة للحسم بأن إيران تطوّر برنامجاً نووياً عسكرياً هو إصرارها على العكس! ويقول هذا المنطق، كما كان يقال سابقاً عن العراق، إنه ما كان لها أن تبذل مثل هذا الجهد للنفي لولا أنها تملك شيئاً تودّ إخفاءه! ومن الدلائل، أيضاً، حيازة إيران مخزوناً نفطياً كبيراً واحتياطي غاز. ويعني ذلك في عرف التقرير أن القصد من النووي شيء آخر غير الطاقة السلمية. ويتهاوى الأمر أحياناً، إلى حد استخدام عبارات «من الشائع» و«من المتداول على نطاق واسع» وذلك في معرض التركيز على عناوين دقيقة ومحددة.
لهذا التقرير وظيفة. القصد منه القول إن الجهل حائل دون التفاوض ولذلك فإنه مقدمة للعدوان! أما الوظيفة الأخرى فهي مطالبة أجهزة الاستخبارات الأميركية، بعد «تطهيرها»، بأن تدخل مع المستوى السياسي في علاقة غير مهنية. لم يعد مطلوباً منها أن تقدم إليه القاعدة التي يبني عليها قراره بل عليها أن تقدم إليه التبريرات التي تخدم قراراً متخذاً سلفاً.