جوزف سماحة
ثمّة محاولة متعمّدة لإساءة فهم ما قاله الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله في مقابلته التلفزيونية الأخيرة. تتناول هذه المحاولة، بالضبط، إشارته إلى أنه لو كان يعلم بحجم الرد الإسرائيلي على عملية أسر الجنديين لما كان قام بها. ولقد أعاد الامتناع إلى أسباب «إنسانية وأخلاقية وعسكرية واجتماعية وأمنية وسياسية».
تأسيساً على هذا الاعتراف، خرجت أصوات تقول إنه يقرّ بالهزيمة، ويعلن الندم على فعلته، ويكاد يتعهّد بعدم تكرارها. وكان مفهوماً أن يبادر رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، ومعه الناطقون الرسميون الأميركيون، إلى إطلاق وصف «خطاب الندم» على هذا الإقرار. فلهذه الجهة حساباتها الخاصة التي تشجّعها على إيجاد تبريرات لاحقة للتعثّر الذي واجهته. وأولمرت تحديداً، يسعى إلى تحويل نصر الله إلى شاهد محتمل، شاهد دفاع، إذا استجوبته لجنة التحقيق. إنه مضطر إلى «الإمساك بحبال الهواء» ولو قاده الأمر إلى تحويل الإجرام الإسرائيلي إلى قاعدة سلوك طبيعية.
الموقف الإسرائيلي ــ الأميركي مفهوم، لا بل مبرّر. وإذا كانت مواقف بعض اللبنانيين مماثلة له ومتطابقة معه، فإن القدرة على تفهّمها أقلّ لمجرد أن القائلين بها لبنانيون.
ويحاول البعض، هنا، التأسيس على هذه العبارة لاستخلاص منطق متكامل يقوم على استبطان الهمجية الإسرائيلية بصفتها مشروعة، وعلى المطالبة ببناء «استراتيجية دفاعية» تكرّر، على مستوى وطني، التجربة الموجعة لـ«ثكنة مرجعيون».
اللافت أن أحداً لم يقدّر لنصر الله شجاعة الاعتراف. لكن اللافت أكثر، هو استثمار هذا الاعتراف بطريقة توحي أن لا مجال، في سياق هذا الهزال، لقدر من الجدية. ينكشف سياسيون كثيرون عندما يستدرجون عبارات من هذا النوع إلى «اللعبة الداخلية» بالمعنى الرديء للكلمة. وهم، إذ يفعلون ذلك، يتجنبون، على عادتهم، الخوض في النقاش الفعلي الذي كان يفترض بحديث نصر الله أن يثيره.
إن ما أراد الأمين العام لـ«حزب الله» قوله فعلاً، هو أن المقاومة ما كانت لتقدم على العملية لو أنها كانت تعرف مسبقاً حجم الردّ. إلا أن ذلك يعني، بالضبط، أن المقاومة لو سقطت في مراعاة ردّ الفعل وتركت المبادرة في يد إسرائيل لكانت أخطأت.
وهكذا، فإذا كانت عملية الأسر خطأ فإنها بمثابة إنقاذ من خطيئة التغافل عن أن إسرائيل كانت تعدّ لحرب وتمضي في اختيار التوقيت المناسب لها.
فالصورة الإجمالية، حسب نصر الله، هي أن التحالف الأميركي ــ الإسرائيلي هو في موقع الهجوم، وأنه يريد أن يتحكّم بزمان المواجهة وفقاً لحساباته. ولقد أدّى هذا «الخطأ» غير المقصود إلى خربطة الحسابات، فكان الضرر الذي وقع أقلّ بكثير من الضرر الذي كان سيقع.
إن أي نقاش مع نصر الله يفترض به أن يتناول هذا الجانب بالتحديد. إنه الجانب الذي يمكننا تعريفه بأنه التشخيص الإجمالي لحركة الصراع في المنطقة ولموقع لبنان فيه. وهذا، بالضبط، ما يتجنّبه المساجلون مع «حزب الله» معتبرين أن العدوان حصل في سماء صافية لا يعكّرها إلا الإقدام «المغامر» على عملية الأسر.
لا بد من نقطة نظام إذاً. لا بد من الدعوة إلى الإحاطة بالحدث الذي أطلقته عملية 12 تموز انطلاقاً من التوقيت في السياسات الأميركية والإسرائيلية السابقة عليه، ومن معرفة ما إذا كانت تستهدف لبنان، أو مقاومته، في إطار استراتيجيتها العامة في الإقليم. كل محاولة لتجنّب التطرق إلى هذا العنوان الرئيسي تقترب، شاءت أو أبت، من قراءات معادية استولدها النهج الأميركي ــ الإسرائيلي بعد عام 2000 وبعد 11 أيلول وخاصة في سياق احتلال العراق.
«هنا الوردة فلنرقص هنا» قال أحدهم، إلا أن هناك مَن يريد الرقص على إيقاع التفاصيل متناسياً النغمة العامة.