مشروع قرار أميركي ـ فرنسي يضع «كل لبنان» تحت «الفصل السابع» وفيلتمان ينصح بعدم التظاهر
وضع قائد «القوات اللبنانية» سمير جعجع حداً للتوقعات الإيجابية من اللقاء التشاوري. وأعلن امس باسم فريق الاكثرية رفض أي تغيير حكومي يمنح القوى المعارضة الثلث المعطل. وكرر اتهامه الذين يعدون للتظاهر احتجاجاً على الوضع السياسي بأنهم يعملون لأجل تنفيذ انقلاب سياسي لمصلحة سوريا. وجاء موقفه بعد الاعلان عن تشاور حصل بين جعجع والنائب سعد الحريري الموجود في باريس والذي يلتقي اليوم النائب وليد جنبلاط لتنسيق الموقف من اللقاء التشاوري. وقال إن الاكثرية ستنزل الى الشارع ولها الحق في ان تحدد المكان والزمان لذلك. لكنه تمنى على المعارضة عدم النزول الى الشارع في هذه المرحلة.
وقال جعجع إن الاكثرية ستشارك في طاولة التشاور الاثنين المقبل وأكد أنه ليس في الدستور ما يلزم ان يكون نصاب جلسة انتخاب رئيس الجمهورية اكثرية ثلثي عدد أعضاء مجلس النواب. وأشار الى نية الاكثرية عقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية عندما يحين موعد الاستحقاق الرئاسي برئاسة نائب رئيس المجلس النيابي أو اكبر أعضائه سناً إذا لم يدعُ رئيس المجلس النواب نبيه بري «العزيز علينا جداً» الى هذه الجلسة.
قرار أميركي جديد
في هذه الاثناء نقل مراسل “الأخبار” في باريس عن مصدر رفيع المستوى أن هناك “أفكاراً تتداولها بشكل مباشر خلايا عمل بين كل من بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا، وهي في طور متقدم لها”. وحسب هذا المصدر الذي يرفض بشدة البوح بهويته فإنه إذا تدهورت الأمور في لبنان فإن الولايات المتحدة التي لا تريد بأي شكل «خسارة معركة الديموقراطية في لبنان»، سوف تسعى مع باريس إلى استصدار قرار جديد من الأمم المتحدة «لحماية (رئيس الوزراء فؤاد) السنيورة» بالاسم (كما هي الحال في شاطئ العاج: القرار ١٧٢١ الذي كلف كونان باني رئاسة الوزراء لمدة سنة)، أي إن المجلس يصدر قراراً ملزماً تحت الفصل السابع «يكلف فؤاد السنيورة مهمات رئاسة الوزراء التي يحددها له القرار» متجاوزاً بذلك العقبات السياسية التي يمكن أن تعترض حكمه. وبذلك تكون الأمم المتحدة قد «علقت بشكل مؤقت الدستور اللبناني وبات المجلس يحكم لبنان مباشرة عبر الحكومة المكلفة في القرار».
ويتابع المصدر قائلاً «هذا حل لا ينبغي إهماله، انظر إلى ما حصل في شاطئ العاج، هذا البلد اليوم فاقد لاستقلاله، يحكمه رئيس وزراء يستمد شرعيته من الأمم المتحدة وتسانده قوات من الأمم المتحدة قوامها ١٧ ألف جندي».
حل سعودي
في هذه الاثناء توسعت مشاورات السفير السعودي عبد العزيز الخوجة الذي غاب عن السمع لساعات طويلة، ليصدر بعدها خبر نقلته وكالة الصحافة الفرنسية نقلاً عن مصادر دبلوماسية عربية في الرياض قولها «ان السعودية تجري عبر سفيرها في لبنان اتصالات بعيدة عن الاضواء لتهدئة الوضع السياسي في لبنان ومنع انفجاره وتذليل العراقيل التي تعترض دعوة رئيس المجلس النيابي اللبناني نبيه بري لعقد جلسة مشاورات».
ولم تستبعد المصادر الدبوماسية العربية «زيادة اعضاء الحكومة اللبنانية الحالية كحل وسط يرضي الجميع بدلاً من الدعوات الى تغيير الحكومة». وشددت هذه المصادر على ان اهم اهداف المملكة «هو الابتعاد عن التصعيد في لبنان وخصوصاً عدم اللجوء الى الشارع» فيما تلوّح المعارضة بتحركات شعبية من اجل تأليف حكومة وحدة وطنية.
وقالت المصادر نفسها ان الملك السعودي عبد الله شجع بري الذي زار السعودية الشهر الماضي، «على اطلاق مبادرة لاستعادة الحوار» وان السفير الخوجة وجه دعوات لقيادات لبنانية لزيارة المملكة، ولا سيما منها عون الذي يتوقع ان يزور السعودية الاسبوع المقبل. وأوضحت ان تحرك المملكة يأتي «في اطار حرصها على وحدة لبنان واستقراره، ويؤهلها لذلك علاقاتها الجيدة مع جميع» الاطراف اللبنانية.
وكان السفير المصري في لبنان حسين ضرار قال بعد زيارته بري ان «مصر تنصح بالوحدة الوطنية، وهذه النصيحة هي نصيحة كل مخلص للبنان، فالوحدة الوطنية في معناها بذاته هل يرفضها أحد؟».
وكان زوار الرئيس بري نقلوا عنه امس تعويله على الجهود التي يبذلها السفير السعودي وما سمعه بري يفيد بأن فريق الأكثرية سيحضر الى طاولة التشاور بنيات صافية ورغبة صادقة في الانفتاح على حلول معقولة.
وكشفت أوساط مطّلعة على مضمون المداولات الجارية أن الخطوة الأولى التي أنجزت هي استبعاد التغيير الحكومي بما يجنب الكل مخاطر الدخول في مشكلة البيان الوزاري والعناصر الجديدة التي يجب أن يتضمّنها وفق رؤية كل طرف للأولويات. وقد رست جهود الوساطة على إجراء تعديل حكومي يدخل بموجبه «التيار الوطني الحر» بثلاثة وزراء مع وزير للتحالف الشيعي، ووزيران لقوى الأكثرية، لكن عقدة استبدال وزيرين محسوبين على رئيس الجمهورية الذي يصر على تغييرهما لم تحسم بعد، إلا أن الخلاف الأساسي الذي ينتظر عودة الحريري وجنبلاط ما زال يتمحور حول مسألة الثلث المعطل، والحوار يدور حالياً حول صيغتين، الأولى هي اعتبار حصة الرئيس بري بمثابة الميزان الذي يمنع امتلاك الأكثرية للثلثين المرجّحين والمعارضة امتلاك الثلث المعطل، وذلك انطلاقاً من دور بري التوفيقي ونهج الاعتدال والوسطية الذي مارسه طيلة فترة قيادته لمراحل الحوار السابقة ونجح في أن يكون صلة الوصل بين الفرقاء والمقرّب لوجهات النظر بينهم.
الموقف الأميركي
وبعد بيان البيت الابيض امس الأول أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية شون ماكورماك أن تصريحات السيد حسن نصر الله «هي من بين الأسباب التي جعلت واشنطن قلقة من نيات حزب الله واللاعبين الآخرين إزاء لبنان الذي لا يزال يتعافى من حرب استمرت 34 يوماً بين اسرائيل وحزب الله في تموز وآب» الماضيين. وأضاف «نريد أن نجعل من الواضح تماماً أن الولايات المتحدة تقف بقوة مع حكومة رئيس الوزراء السنيورة».
لكن مراسل «الأخبار» في واشنطن محمد دلبح أفاد ان مسؤولَين في الاستخبارات الأميركية عارضا اتهامات البيت الأبيض لسوريا وإيران بأنهما تحاولان إلى جانب «حزب الله» إطاحة حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، وأشارا إلى أن هذه الاتهامات «ربما تأتي في سياق زيادة الضغوط على حكومتي البلدين لمساهمتهما في إحباط أهداف واشنطن في العراق والمنطقة». وقال المسؤولان اللذان طلبا عدم الإفصاح عن هويتيهما «لا دليل على أن سوريا أو إيران تتآمران لإشعال انتفاضة عسكرية أو انقلاب على حكومة السنيورة». وسأل أحدهما «ما هو الجديد؟ هل الأمر يعني أن الإدارة الأميركية خلال الأشهر القليلة الماضية كانت تبحث في وسائل للتصعيد ضد (الرئيس السوري بشار) الأسد و(الرئيس الإيراني محمود) أحمدي نجاد لكي يعملا على تهدئة الوضع في العراق».
ووجد حزب الله في البيان الاميركي «تدخلاً سافراً في شأن داخلي لبناني وتعبيراً صارخاً عن رفض الخيار الديموقراطي الذي طالما استخدمته ادارة بوش شعاراً فارغاً وخادعاً في لبنان والمنطقة».
من جانبه اسف العماد عون «لأن تنخرط أعلى المراجع في الادارة الاميركية في ترويج معلومات مغلوطة عن أننا نحاول إعادة الوصاية السورية الى لبنان ونحن من واجهنا وناضلنا من أجل تحرير لبنان من السوريين». وأمل «أن يعي الأميركيون ماهية هذه الشائعات ومصدرها، والتي لا تتعدى كونها مناورات وتزويراً من قبل عملاء سوريا السابقين في لبنان الذين يحاولون الآن إبقاء هيمنتهم على السلطة اللبنانية». وأضاف “بعد سلسلة طويلة من الانتهاكات، واستعمال طويل الأمد للأساليب السلطوية المستبدة نفسها، من حق الشعب، لا بل من واجبه، أن يطيح هذه الحكومة، ويؤمن حماة جدداً للاستقرار في المستقبل”.
الى ذلك يزور العماد عون اليوم بكركي ليلتقي طويلاً البطريرك الماروني نصر الله صفير، الذي يبقيه على الغداء. حيث ستكون محادثات تشمل اموراً كثيرة كان جرى الإعداد لها طوال الاسبوعين الماضيين.
وكان عون قد التقى السفير الأميركي جيفري فيلتمان وعرض معه التطورات، وأبلغ فيلتمان عون أن بلاده تدعم بقاء الحكومة الحالية وأنها لا تعتقد أن أي تحرك سوف يسقطها لأن الآخرين سوف ينزلون الى الشارع ايضاً. لكن المطلعين أشاروا الى انه برغم المواقف الأميركية المعلنة، يحرص فيلتمان على التواصل مع معارضي الحكومة، وخصوصاً العماد عون والوزير السابق سليمان فرنجية. وتلفت الى أن هذه الزيارات هي نوع من الاعتراف باستحالة ضمان استمرار هذه الحكومة بالدعم الخارجي وحده، وبضرورة العمل على تخفيف الضغط الداخلي عنها.