بعد الانفتاح العونيّ على تيار المستقبل وتصالح العونيين والقوات، نجحت المساعي أخيراً في تأمين انفتاح العونيين على العونيين في جزين وتحقيق مصالحة تاريخية بين رمز التيار في القضاء النائب زياد أسود ومنسق جزين السابق في التيار الوطني الحر، رئيس اتحاد بلديات جزين خليل حرفوش. المصالحة التي عقدت قبل نحو أسبوعين وضعت المزاحمة بين أسود وحرفوش على مقعد أسود النيابي جانباً لتفعيل عمل التيار أكثر وتوحيد جهوده عشية الانتخابات الفرعية، واتفق بموجبها على تسليم كامل ملف الاتصالات السياسية في القضاء لأسود باعتباره نائب القضاء. ويمكن اليوم اعتبار أسود الوجه السياسي للتيار وحرفوش وجهه التنظيمي، يعملان جنباً إلى جنب المرشح أمل أبو زيد الذي يفترض أن يكون الوجه الخدماتي. وبذلك، يكتمل أخيراً عقد الماكينة العونية بعدما خيبت تجاربها السابقة في جزين آمال العونيين أنفسهم نتيجة الاختيار الخاطئ للأشخاص. وبموازاة هؤلاء، يمكن تخيل موكب طويل يملأ الشارع الرئيسي في جزين يوم الانتخابات وتخرج من سياراته أعلام التيار الوطني الحر وحزب الله والقوات اللبنانية ترفرف جنباً إلى جنب، ولا بأس من تخيل قواتي يخرج من شباك صديقه العونيّ الذي يضع نشيد "بالأصفر عصبت جبيني" ويرفع الصوت. فالاصطفاف السياسيّ خلف أبو زيد يشمل التيار والقوات الذين لم يعلنوا موقفاً واضحاً حتى الآن وحزب الله الملزم طبعاً بمرشح تكتل التغيير والإصلاح والوزير السابق إدمون رزق والسفير سيمون كرم وآل الحلو ممثلين بغازي الحلو، علماً بأن العونيين كانوا ــ ولا يزالون ــ قادرين على حسم المعركة وحدهم بحسب جميع النتائج الانتخابية منذ عام 2005. فالنتيجة محسومة لمصلحة التيار الذي سيعيد إلى التكتل مقعداً نيابياً فقده بوفاة النائب ميشال حلو. لكن المعركة سواء بالنسبة إلى التيار أو إلى خصومه تتعلق بنسبة الأصوات. فماكينة العونيين تجد في واقع جزين الحالي تربة خصبة لحصد "الثنائية المسيحية" 85% من أصوات المقترعين على نحو يعوض خيبات الأمل البلدية.
يمنّي العونيون والقواتيون أنفسهم بالحصول على 85 في المئة من أصوات المسيحيين
مقابل المشهد العوني المتماسك، رغم تعدد الأفرقاء، يبدو إرباك النائب السابق سمير عازار واضحاً. فهو لا يستطيع ترك الاستحقاق الانتخابي يمر به مرور الكرام على نحو يسهم فيه بإلغاء نفسه. ولا يستطيع المشاركة فيحصد نسبة أصوات أقل بكثير مما جمعه في الاستحقاقات السابقة بحكم تصويت القوات ورزق وغيرهما ضده هذه المرة. علماً بأن تعويل عازار يتركز على نفوذه العائلي أولاً، وثانياً على مجموعة صغيرة ممن كانوا يدورون في فلك النائب العونيّ السابق ميشال حلو ويشعرون بأن المقعد النيابي ملكية خاصة بهم، وأصوات حركة أمل ثالثاً بحكم علاقته الوطيدة بالرئيس نبيه بري. في ظل تعويل أبو زيد على تحقيق خرق في "بلوك" أصوات أمل نتيجة علاقته الودية بالرئيس بري من جهة، وبكوادر حركة أمل في القضاء من جهة أخرى. والجدير ذكره هنا أن الرئيس بري وضع كل قدراته بتصرف عازار عام 2009 بعدما أبلغه بحتمية اختراقه اللائحة العونية. لكن حسابات عازار لم تُصب. وهو يسعى اليوم إلى تسجيل موقف لا يتبناه الرئيس بري بصورة تامة. وعليه، لم يحسم بعد إن كان ابراهيم عازار نجل النائب السابق سمير عازار سيترشح شخصياً أم ستكتفي "العازارية السياسية" بتسجيل موقف عبر تبني المرشح الجديّ الآخر العميد صلاح جبران.
الأخير قائد درك سابق، لديه رصيد خدماتي كبير وقد خاب ظنه قليلاً من عدم تبني العونيين لترشيحه، لكنه لم يقطع شعرة معاوية مع جمهور التيار الوطني الحر، إلا أن التحالفات والماكينة والضرورات الانتخابية المختلفة لا توفر له ظروف معركة متكافئة. واللافت أن جبران وأبو زيد هما من قرى قضاء جزين لا من مدينة جزين التي اعتادت تسمية النواب، باستثناء ثلاث مرات وصل فيها باسيل عبود وفريد قوزما وجورج نجم إلى المجلس النيابي. لكن الانتخابات في حالة الثلاثة كانت تجرى في دوائر موسعة لا في جزين دائرة انتخابية، وهو ما يجعل لانتخاب نائب من خارج المدينة طعماً هذه المرة. ويسجل لخصوم أبو زيد عدم الوقوع في فخ السؤال "الطبقيّ الغبيّ" عن كونه من قرية، وإن كان معظم وجهاء المدينة يتعاملون بإيجابية مع ترشيحه باعتباره لا يأخذ من طريقهم شيئاً: حساباتهم العائلية والوجاهية والبلدية لن تتأثر بنائب من خارج المدينة. ولأن كل ما سبق لا يكفي الانتخابات الجزينية، قرر الناشط السابق في التيار الوطني الحر باتريك رزق الله التقدم بترشحه في خطوة رمزية ضد احتكار رجال الأعمال للترشيحات النيابية، وهو يعدّ اللافتات والجولات الميدانية المنددة بالمال السياسي والخدمات لضخ بعض الحماسة في الانتخابات الباردة حتى الآن. واللافت أخيراً في المشهد الجزينيّ هو كشفه الكثير عن علاقة الناخبين بممثليهم، فقد اختار التيار الوطني الحر في هذه الدائرة ثلاثة ممثلين: الأول مهاجر بالكامل على نحو رسمي، والثاني توفي، فيما اضطر الثالث إلى حمل عشر بطيخات في ظل ضغط حزبيّ داخليّ، حاول عبثاً وضعه في الزاوية. ومع ذلك يحافظ التيار على شعبيته كما هي، وحبّة مسك غالباً.




النائب أمل أبو زيد
سيرة مرشح جبل الريحان تنقسم إلى جزءين: فهو انطلق من عالم القروض المصرفية المتوسطة بين بريطانيا وبعض الدول العربية والأفريقية، مروراً بشركة OMT للتحويلات المالية التي أطلقها مع ابن حماه توفيق معوض عام 1998، وصولاً إلى دخول عالم النفط والغاز الروسييين منذ عام 2000. نجاح أعماله سمح له بالتوسع الخدماتي في جزين، مركزاً على القطاع السياحي أولاً والصناعات الغذائية أخيراً بموازاة دورات تدريبية على مدار العام في مجالات مختلفة. وهو يعدّ من الدائرة الضيقة المحيطة بالوزير جبران باسيل وأحد الداعمين الأساسيين لماكينته في السنوات القليلة الماضية. ويرجح في حال فوزه أن يقدم نموذجاً آخر من العمل النيابي عبر استحداث فريق عمل وإحاطة نفسه بمجموعة اختصاصيين، وإن كانت تجارب من سبقه من رجال الأعمال إلى المجلس النيابي لا تبشر بالخير، إضافة إلى ترجيح معظم المتابعين أن يمضي المجلس المدة المتبقية من ولايته مقفلاً، كما هو اليوم. يبقى أن أبو زيد سيكون النائب الشرعي الوحيد في نظر المشككين بشرعية المجلس الحالي الممدد له مرتين!