أخيراً، تحركت وزارة الأشغال العامة والنقل في اتجاه استرداد الأملاك البحرية العمومية بعد أخذ وردّ في ملف شاطئ الرملة البيضاء كاد يسلب سكان العاصمة مسبحهم الشعبي. ومالك العقارات هنا ليس رجل الأعمال وسام عاشور بعد أن تبين أنه مجرد وكيل للمالكين الأصليين، أي ورثة الرئيس الراحل رفيق الحريري. تحرك الوزارة بشخص الوزير غازي زعيتر، عطّل صفقة شراء بلدية بيروت للأملاك العامة التي انتقلت ملكيتها بشكل ملتبس إلى عائلة الحريري، وذلك عقب صدور قرار شرائها من المجلس البلدي بسعر خيالي يلامس 120 مليون دولار، في ظل صمت محافظ بيروت زياد شبيب واكتفائه بلعب دور ساعي البريد. فيوم أمس، أرسل زعيتر كتاباً إلى محافظ بيروت يبلغه فيه أن «الأملاك البحرية ملك وزارة الأشغال، وبالتالي لا تباع ولا تشترى ويفترض التنسيق مع الوزارة في كل ما يخص هذا الأمر»، على ما قال الوزير لـ»الأخبار». وأكد أن «على المحافظ القيام بواجباته واستعادة عقد الشراء. فالأرض أملاك بحرية لا يمكن أحداً التصرف بها من دون العودة إلينا». «الأخبار» حصلت على الكتاب الذي أرسله زعيتر إلى شبيب وموضوعه: القرار رقم 284 (أي قرار المجلس البلدي الذي أوصى المحافظ بتحضير عقد الاتفاق) الصادر بتاريخ 21/4/2016.
أحرج زعيتر شبيب ومنع وصول 120 مليون دولار إلى جيوب ورثة الحريري
وفي التفاصيل، يقول زعيتر بما لا لبس فيه إن «العقارات وفقاً لطبيعتها وموقعها تعتبر داخلة ضمن الأملاك العمومية، وهي لا تباع ولا تكتسب ملكيتها بمرور الزمن». واستند في هذا إلى القرار رقم 144/S الصادر في 1925/6/10 الذي تشير مادته الثانية من الفصل الأول إلى أن الأملاك العمومية تشمل «شاطئ البحر حتى أبعد مسافة يصل إليها الموج في الشتاء وشطوط الرمل والحصى». وهو ما يفسَّر في حالة شاطئ الرملة البيضاء أن الأملاك العمومية تمتد من «فقش الموج» إلى الكورنيش. ما يعني أن عقارات الحريري ليست سوى أملاك عامة. أما الجزء الأهم في كتاب وزير الأشغال، فهو اتهام كل من أسهم في تكريس «التعدي على الأملاك العمومية» بـ»هدر المال العام عبر شراء ما هو مملوك أصلاً من الدولة ولإنشاء ما هو موجود أصلاً على تلك العقارات». ما سبق بمثابة فضيحة وثّقها الوزير عبر الإضاءة على «النية الحقيقية لكل من أسهم في إصدار القرار 284، أي البلدية والمحافظ وآل الحريري. والنية تؤكد السعي إلى هدر المال العام، فوفق زعيتر «الغاية المعلنة من شراء العقارات (الأملاك العمومية) هي إنشاء مسبح للعموم عليها، أي إنشاء ما هو موجود أصلاً». وذلك اتهام ضمني لأبطال الصفقة بمحاولة تبديد 120 مليون دولار من أموال سكان العاصمة على أملاك هي لهم أصلاً! فيما كان الأجدى لهم «السعي إلى استرجاع حقوق الدولة وفقاً للأصول القانونية وبما يحفظ المال العام وحقوق الغير». كلام الأخير واضح، والمتهمون معلنون ومعروفون بالأسماء والألقاب (بلال حمد و12 عضواً من بلدية بيروت وافقوا على الصفقة، المحافظ زياد شبيب، وورثة رفيق الحريري). هؤلاء كلهم وبالاتفاق سوياً أسهموا في التعدي على أملاك البيروتيين واللبنانيين، وكانوا في صدد المتاجرة بأملاك العموم من أجل درّ 120 مليون دولار إلى جيوب عائلة الحريري. هكذا يفنّد الحريريون شعار «بيروت لأهلها» عبر السعي إلى حرمانهم المسبح الشعبي، المتنفس المجاني الوحيد الباقي لهم. من هنا يضع زعيتر المحافظ أمام مسؤولياته، مستنداً إلى المادة 67 من المرسوم الاشتراعي رقم 118 الصادر في 30/6/1977: «يتولى السلطة التنفيذية في البلدية رئيس المجلس البلدي وفي بلدية بيروت يتولاها المحافظ...»، كي يطلب منه اتخاذ الإجراءات اللازمة في ضوء هذه الصلاحيات والتنسيق مع الوزارة.
شبيب المحرج، وافق سريعاً على الكتاب وطلب من الوزارة «تحديد حدود الأملاك العامة المذكورة. والمباشرة بهذه العملية عبر تشكيل اللجنة التي يرأسها مهندس من وزارة الأشغال ومندوب من وزارة المالية وعضو بلدي». وفي خضم تسرعه وقع في خطأ المادة 7 من الفصل الثاني التي تقول في نهايتها إنه «إذا كان التحديد جارياً على أملاك عمومية بحرية فيعين العضو الثالث مفتش البحرية التجارية أو مندوبه»، لا عضو بلدي كما أشار آنفاً، لأن شاطئ الرملة البيضاء يعد ضمن الأملاك العمومية. علماً أن المادة 6 من القانون نفسه تقول إن تحديد الأملاك لا يجري من دون أمر خاص من رئيس الدولة، وهو ما يؤكد ضرورة إصدار مجلس الوزراء الذي ينوب عن الرئيس أمراً بالتحديد لمباشرة هذا العمل.
تطبيق القانون حرفياً على الرملة البيضاء يقتضي بالدرجة الأولى فتح تحقيق شامل بشأن كيفية تحول الأملاك العامة إلى أملاك خاصة، وما إذا كانت قد حصلت عملية تزوير بعد العام 1925 سمحت بتملك ما هو حق مقدس للشعب؛ وطبعاً محاسبة المزورين. أما إذا كان الأمر يعود إلى ما قبل عام 1925 ويكرس الملكية الخاصة، فيفترض عندها التعويض بشكل رمزي لأصحاب العقارات بحكم طبيعة المنطقة هناك التي يتدنى فيها عامل الاستثمار إلى الصفر، أي لا يمكن مالكَها البناء عليها أو استثمارها بأي شكل من الأشكال. فيما تبقى الخطورة الأكبر في أن يضيع هذا الملف في متاهات تشكيل اللجنة ودرس الخرائط والعودة إلى الأرشيف. وينتهي بتسوية على الطريقة اللبنانية المعتادة حيث تُفصّل القوانين على قياس حيتان المال والباطون.