اصدرت شركة تطوير وإعمار وسط بيروت «سوليدير» بياناً، اول من امس، عن نتائجها المالية لعام 2015. تدّعي الشركة أن عملياتها في السنة المذكورة سجّلت خسائر بقيمة 118.9 مليون دولار. نجمت هذه الخسائرعن «إحجام المستثمرين بشكل عام عن شراء العقارات خلال عام 2015 وإلغاء عقدين من عقود بيع الأراضي المحققة في السنوات السابقة». وبرّرت الشركة هذه النتيجة السلبية بالإشارة إلى «تخلّف مستثمرَيْن عن تسديد أقساطهما المستحقة وعدم التوافق على إعادة جدولتهما». وبالتالي اضطرت الشركة «إلى اتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة وعكس الأرباح المحققة سابقاً من خلال تكوين مؤونات مالية إحتياطية بقيمة 82 مليون دولار تماشياً مع القوانين المحاسبية المعتمدة. كما قامت الشركة إحترازياً بتكوين مؤونات مالية إضافية بمثابة إحتياط عام تحسّباً لأي تأخير أو تخلّف في تسديد سندات واستحقاقات مستقبلية من عقود أخرى».
مديونية الشركة للمصارف ارتفعت إلى 683 مليون دولار
عملياً، يحاول البيان التنصّل من إخفاق إدارة «سوليدير» وتحميل المشترين المسؤولية بسبب تخلّفهم عن السداد، لكن الأرقام تظهر أن المشترين سددوا من أصل ثمن قطعتي الأرض ما قيمته 82 مليون دولار، علماً أن المعلومات المتداولة تشير إلى أن الثمن الإجمالي لقطعتي الأرض يبلغ 90 مليون دولار، أي أن الباقي من الثمن ليس سوى 8 ملايين دولار، وبالتالي كان يمكن التوصل إلى تسوية، إلا إذا كانت سوليدير تريد تقديم خدمات مجانية لتجّار عقارات مقرّبين منها سياسياً أو خليجيين مصرّين على الإنسحاب من لبنان.
محاسبياً، اضطرت الشركة إلى أن تسجّل ضمن ميزانية 2015 مبلغ 113.4 مليون دولار ضمن بند «مؤونة إجمالية لتدني قيمة استثمارات وذمم». المبلغ مخصص لتغطية الخسائر الناجمة عن الغاء عقدي البيع الفاشلين، وتحسباً لاحتمال فشل المزيد من العقود. هذا المبلغ مكوّن من قيمة المبلغ المدفوع للمشترين ثمناً لاسترجاع الارض، أي 82 مليون دولار، مضافاً إليه مبلغ 31 مليون دولار احتياط عام. يشي هذا التحوّط الكبير بأن العلاقات السلبية التي بنتها الشركة مع التجار والمستثمرين تخلق نتائج سلبية مؤّثرة على ميزانيتها.
واللافت أن كلفة الارض التي باعتها الشركة ثم استرجعتها يبلغ 8 ملايين دولار، أي أن الكلفة مسجّلة بحسب السعر الدفتري يوم حصول سوليدير على كل الأراضي في منطقة وسط بيروت في عام 1994، وبالتالي لماذا تتباهى الشركة بأن سعر الارض الحقيقي هو أعلى من سعرها الدفتري بنحو أربع مرّات؟ الشركة تقول إن قيمة الأراضي السوقية تبلغ 6.8 مليارات دولار لكنها تسجّل في ميزانيتها مخزون أراضٍ بقيمة 1.134 مليار دولار.
الهدف كما يقول بعض المساهمين، هو التعمية على طريقة الاستيلاء على الأراضي وعملية النهب المنظمة التي جرت في منتصف التسعينيات، فما حصل هو أن القضاة الذين عملوا على تخمين الاراضي كانوا يعملون لحساب سوليدير ووفّروا لها كل الظروف الملائمة للاستيلاء على الأراضي بأسعار بخسة، فقد أنهت لجان التخمين عملها على 1630 عقاراً في وسط بيروت التجاري في خلال 13 شهراً، وأصدرت نتائج تشير إلى أن القيمة الإجمالية لهذه العقارات بلغت 1170 مليون دولار، أي بسعر 1532 وسطيا للمتر المربع غير المبني و100 دولار لسعر المتر المبني.
وتأتي هذه القصّة اليوم لتفضح سوليدير. التلاعب بالأرقام لم يعد لمصلحتها، فهي باتت تسجّل خسائر ضخمة وكبيرة تجبرها على دفع ما كان يوماً عبارة عن أرباح في ميزانيات سابقة، لا بل يفرض عليها أن تخصّص عشرات الملايين الأخرى لمواجهة احتمالات الخسارة. هذه الأمور لا يمكن إخفاؤها في الميزانية التي تتضمن سلّة طويلة من الخسائر لم تتجرأ إدارة سوليدير على الكشف عنها، ربما لأن هناك منتفعين منها. فعلى سبيل المثال، تبلغ قيمة الإنفاق الإداري للشركة 30.9 مليون دولار، وهناك «خسائر ناتجة عن إعادة جدولة» بقيمة 2.5 مليون دولار، وهناك شطب لخسائر مسجلة في الميزانية أيضاً قيمتها 4.7 ملايين دولار، وهناك «مؤونة مخاطر وأعباء بقيمة 7.5 ملايين دولار، وهناك أعباء فوائد بقيمة 34.3 مليون دولار... هذه البنود السلبية تعبّر عن سوء إدارة الشركة نظراً إلى ضخامة المبالغ المنفقة من دون وضوح في الأهداف الفعلية وتفاصيل هذه العمليات الإنفاقية. واللافت أن هذا الأمر يأتي في ظل تراجع في إيرادات الإيجارات من 61.5 إلى 56.9 مليون دولار في 2015 فيما زادت كلفة أعباء واستهلاك العقارات المؤجرة إلى 25.7 مليون دولار.
وكان لافتاً في ميزانية 2015، ارتفاع ديون سوليدير القصيرة الأجل (الحسابات المكشوفة) إلى 556 مليون دولار، وانخفاض محفظة الأوراق المالية (السندات والأقساط المتوجبة على شاري الأراضي) إلى 466 مليون دولار.
رغم ذلك، تؤكد الشركة أن هناك انفراجات. ففي النصف الأول من عام 2016 وقعت عقود بيع جديدة بقيمة 158 مليون دولار «ويستمرّ التفاوض على عدد آخر من العقود حيث من المتوقّع أن لا يقلّ مجموع البيوعات لعام 2016 عن 200 مليون دولار». وبحسب مصادر عقارية، فإن سوليدير اضطرت الى أن تخفض أسعارها إلى أقل من 3000 دولار للمتر المربع الواحد، وهو مستوى متدن جداً قياساً الى المستويات السابقة. وفي هذا الوقت، لا تزال السيولة النقدية للشركة متدنية جداً، إذ انها تبلغ 127 مليون دولار، لكن «مديونية الشركة تجاه المصارف ارتفعت إلى 683 مليون دولار».