الطريق إلى النبطية ليست آمنة. أوتوستراد يقطع أحياء سكنية ومحال تجارية لا يقطعه سوى جسر مشاة أنشئ في دير الزهراني بعد عشرات ضحايا حوادث الصدم. السرعة تقتل مثل الظلام الدامس المرافق على طول الطريق إلا بمحاذاة دارة الرئيس نبيه بري في المصيلح، حيث لا تطفأ الإنارة عن أعمدة الكهرباء ليلاً ونهاراً.


على طول البلدات المتتالية من المروانية إلى مدخل النبطية، وجدت للأعمدة مهمة أخرى: ساريات لرايات حزب الله وحركة أمل أو منبر لشعاراتهما وصور الشهداء. الازدحام عند مستديرة النبطية كفر رمان، لا يخففه عناصر الدرك الذين يحاولون تنظيم السير بين أربعة مداخل رئيسية، أضيف إليها مسرب أوتوستراد كفر رمان مرجعيون الذي شطر أحياء كفر رمان.

كانت الوجهة نحو كفر رمان. بلدة الشهداء وتحدي مواقع الاحتلال في الدبشة وعلي الطاهر، كانت لتشهد صراع الإخوة في «أمل» بين جزء من التنظيم من جهة ورئيس بلديتها المنتهية ولايته كمال غبريس من جهة أخرى. لكن الصراع الذي يتطور إلى الأسوأ، انقلب فجأة إلى صورة جامعة بين خصوم الأمس، غبريس ومسؤول الملف الانتخابي للبلدة النائب هاني قبيسي. أسباب عدة أدت إلى طرد غبريس من البلدية وأمل ورفع الغطاء عنه لمواجهة الاتهامات بالتزوير والاختلاس والتلاعب بمشاعات البلدة. الأخير انتقم بالإصرار على الترشح لولاية ثانية في البلدية. محاولات «أمل» لتجنب المنازلة القاسية كلفتها ثمناً غالياً. وافق غبريس على سحب ترشحه شرط إقفال ملفه القضائي (جهات حركية ضغطت لتنحي عشرة قضاة عن النظر في الملف، فيما جهات أخرى ضغطت ليصل طلب النيابة العامة برفع الحصانة عنه لمحاكمته إلى مكتب وزير الداخلية). فضلاً عن إخراج صهره المتورط في القضية حيدر نور الدين من السجن و»مسامحته» بمبالغ مالية كسبها من تشغيل الكسارات والمشاعات بطريقة غير شرعية وإعادته إلى التنظيم وتعيينه مسؤولاً لشعبة كفر رمان والماكينة الانتخابية، وتسمية شقيقه حسن نائباً للرئيس. لم يستغرب البعض موافقة «أمل» على شروط «الحركي المتهم» وتوقيع تعهدات بتنفيذها تباعاً، ثمناً لقمع انتفاضته. غبريس المغضوب عليه قبل أسبوع، كان عريف احتفال إعلان لائحة التنمية والوفاء في كفر رمان في دارة النائب عبد اللطيف الزين ليل الثلاثاء، بحضور قبيسي وقياديي أمل.



صورة جامعة

في كفر رمان بين أعداء الأمس




نحو مدينة عاشوراء، تقود صور بعض مرشحي لائحة التنمية والوفاء التي شكّلها الثنائي الشيعي لبلدية النبطية. استغرب البعض الحملة الانتخابية التي أطلقها هؤلاء. «لا داعي، فهم رابحون من دون أن نحفظ أسماءهم حتى». يسود استسلام للنتيجة المحسومة سلفاً. تقول سيدة في حيّ المسلخ: «سأمضي يوم الأحد مع عائلتي على النهر. لن أضيّع وقتي عليهم قبل أن ينظفوا الحديقة العامة المهملة في الحيّ. أنا عاملة زبّالة الحديقة». جارتها في حال تحمسها للمشاركة، ستضع ورقة بيضاء في صندوق البلدية. تتحدثان عن قرف من الوضع بسبب أزمة النفايات التي تراكمت في المدينة ومحيطها وعجزت البلدية واتحاد بلديات الشقيف على معالجتها لأشهر، برغم توافر معمل لمعالجة النفايات في الكفور جاهز منذ عامين. الأسوأ أن المعمل الذي شغّل بعد مفاوضات صعبة، تعطل بعد أسبوعين، فحولت النفايات إلى مكبات عشوائية قائمة ومستحدثة آخرها في موقع الدبشة. القرف سببه أيضاً النقمة على عدادات وقوف السيارات المنتشرة في الشوارع العامة والأحياء. تتشدد الشركة المشغلة بفرض ضبط تأخير قيمته عشرة آلاف ليرة. يتساءلون عن دور البلدية.

كل ذلك القرف العارم انتهى على 12 مرشحاً ينازل لائحة الثنائي المكتملة (9 لأمل من بينهم ممثل عن الحزب القومي و12 للحزب). حتى أولئك الـ 12 (ثلاثة شيوعيين وتسعة مستقلين)، فشلت المحاولات لدمجهم في لائحة شبابية واحدة حتى مساء أمس. مسؤول العمل البلدي في حزب الله رئيس البلدية السابق مصطفى بدر الدين دخل على خط المستقلين، في خطوة طرحت علامات استفهام. بعضهم عدّها محاولة لتشتيت المستقلين لمصلحة لائحة السلطة. على نحو مبدئي، تعلن اليوم لائحة «النبطية للكل» التي تضم ستة مرشحين، منهم الشيوعيون الثلاثة. الناشطة في ماكينة اللائحة نعمت بدر الدين لفتت إلى أن شعار الحملة «مستوحى من تجديد الثنائي للطقم الحاكم ذاته الذي أدت خلافاته الداخلية إلى عرقلة المشاريع ومعالجة الأزمات»، في إشارة إلى التباين بين رئيس البلدية أحمد كحيل المحسوب على حزب الله، ونائبه رئيس اتحاد بلديات الشقيف المحسوب على أمل محمد جابر.

روائح الفساد تنبعث من كل صوب. يتباين عدد المتصدين لها في البلدات التي تشهد ظاهرة انتخابية جديدة تتمثل بدخول المقاولين والمستثمرين على خط دعم بعض لوائح السلطة. في أنصار، جرى التوافق على رئيس البلدية السابق أبو رشاد عاصي رئيساً للائحة التنمية والوفاء. الأخير هو راعي صفقة جرف جبل السنديان ونقل الصخور منه لردم السنسول في مرفأ نبيه بري في عدلون من دون الحصول على الترخيص اللازم. علماً بأن لائحة التوافق لم تنجز حتى مساء أمس بسبب خلافات داخلية في أمل (10 أعضاء) وخلافات بينها وبين حزب الله بسبب تدخلها في تسمية أعضائه الخمسة. تصدياً لهما، تشكلت لائحة «أنصار للجميع» (مؤلفة من أربعة شيوعيين وخمسة مستقلين)، المستندة إلى دعم تجمّع شباب أنصار الذي قاد الحراك الشعبي ضد المكبات العشوائية في خراج البلدة وضد توقيف العمل في معمل معالجة النفايات.

شوكين التي يتكرر اسمها في وسائل الإعلام أخيراً بسبب قرب افتتاح مجمع مدرار الطبي الخيري (دار للمسنين ومركز لتأهيل المدمنين) ليست راضية عن أداء البلدية المحسوبة على «أمل». لائحة «الوفاء لإنماء شوكين» المؤلفة من سبعة مستقلين تصدت للائحة التنمية والوفاء. أحد أهدافها، تنفيذ مخرج كهرباء لشوكين المخطط له في مؤسسة كهرباء لبنان منذ سنوات، خصوصاً بعد استحداث مخرج خاص للمجمع من محطة كفر رمان قبل أشهر.