حدّد رئيس «المجلس الأعلى للحراك الثوري السلمي في جنوب اليمن»، صالح يحيى سعيد، يوم غد موعداً لإعلان انفصال الجنوب عن دولة الوحدة. وقال سعيد المحسوب على الرئيس السابق علي سالم البيض، إن مدينة عدن ستشهد في الـ21 من الشهر الجاري احتفالاً بـ«فكّ ارتباط» الجنوب، والإعلان عن «وثيقة الاستقلال».
يأتي هذا الإعلان في وقتٍ لافت بعد حملات قوات التحالف الذي تقوده السعودية، ولا سيما القوات الإماراتية، لتوسيع السيطرة على المحافظات الجنوبية وقيادة «نصر» تقدمه للمجتمع الدولي بإخراجها تنظيم «القاعدة» من معاقله الاستراتيجية، مثل المكلا ومدن ساحلية أخرى، أبرزها في أبين، بالإضافة إلى وضع اليد بصورة كلية على جزيرة سقطرى.
وعلى الرغم من أن اللحظة مؤاتية لتحقيق «الحلم الجنوبي» القديم بالاستقلال عن دولة الوحدة المُعلنة عام 1991، تشي معطيات عدة بصعوبة تحقيق هذه الخطوة. أول المؤشرات على العجز عن تحويل المطلب الجنوبي إلى حقيقة، هو تفكك القوى الجنوبية وغياب قادتها عن الساحة، وهو ما ظهر حين جاء إعلان بهذه الأهمية من مجلس يجمع ناشطين جنوبيين لا قيادات سياسية وازنة. ويقف التيار الموالي للرئيس البيض خلف هذه الدعوة، في وقت ترفض فيه معظم القيادات الجنوبية الأخرى الذهاب إلى هذه الخطوة «المتطرفة» حالياً. كذلك، إن القوات التي قاتلت إلى جانب قوات «التحالف» في الجنوب تعكس ضعفاً وهشاشةً واضحين، الأمر الذي ظهر في العجز عن قتال التنظيمات المتطرفة قبل اتخاذ القرار على مستوى خليجي ودولي لطرد «القاعدة» من بعض المدن، إلى جانب تعدد الولاءات بين المقاتلين وضعف «الجيش الجنوبي» الذي أعلنت الرياض تشكيله مع اندلاع الحرب.
ويُنظر إلى خيار الانفصال في الوقت الحالي بكونه «استغلالاً متبادلاً» بين الطرف الجنوبي المندفع نحو فك الارتباط مع جمهورية اليمن التي يجمعها بالجنوبيين تاريخ أليم، وبين دول «التحالف» ولا سيما الإمارات الساعية إلى نفوذٍ واسع في الجنوب اليمني والمسيطرة على تيارات جنوبية فاعلة، في مقدمها تيار البيض.
وهنا يمكن طرح السؤال عن موقف السعودية من هذه الخطوة، هي التي تشدّد دوماً في مواقفها العلنية على «وحدة اليمن»، إلى جانب السؤال عن الرابط بين التصريحات الأخيرة لرئيس الحكومة اليمنية المعيّن حديثاً أحمد بن دغر حول حتمية خيار الدولة الاتحادية، وإلا فإن الفوضى ستكون البديل الوحيد.
تعمل دول «التحالف» على عزل الجنوب بعد فشلها شمالاً


من جهتها، رأت حركة «أنصار الله» أن هذا الإعلان يندرج في إطار العدوان على اليمن «الذي جاء لأهداف استراتيجية وأهداف آنية، من بينها إضعاف اليمن كدولة وكسيادة والتدخل في قراره السياسي وفي شؤونه العسكرية». وقال المتحدث باسم الحركة اليمنية، محمد عبد السلام، في تصريحات صحافية، إنه بدا واضحاً أن التحركات في الجنوب هي تحركات تنتهك السيادة اليمنية وتتعارض مع قرارات مجلس الأمن التي تؤكد الحفاظ على استقرار الجمهورية اليمنية واستقلالها وسيادتها.
في هذا الوقت، قلل سياسيون وناشطون جنوبيون من احتمال تحقيق الانفصال عملياً في وقت قريب، مستندين إلى كثير من الشواهد التي تمثل عائقاً أمام الوصول إلى دولة جنوبية مستقلة عاصمتها عدن.
ويقول الناشط حسين بن لقور من محافظة حضرموت إن اتخاذ هذا القرار في الظروف الحالية يُعدّ «مغامرةً»، لأن الجنوب لا يزال أمامه طريق مليء بالعقبات الصعبة والمواجهات العسكرية. ويضيف أن الوصول إلى تلك الخطوة بالمعارك القانونية لن يكون سهلاً، معتبراً أن من ينادي بفك الارتباط عن الشمال في هذا التوقيت، أصوات هي إما دخيلة على الجنوب، على حد قوله، أو تتبنى مصالح قوى حزبية يمنية غير جنوبية، أو أصوات جنوبية متطرفة لا تدرك تعقيدات الوضع الحالي. من جهته، قال الناشط السياسي محمد بن سويلم من محافظة المهرة، إن هناك خطوات مهمة قبل التسرع بإعلان الانفصال والاستقلال عن الشمال، يجب على القيادات الجنوبية التنبه لها، تتمثل بإقناع دول الخليج والمجتمع الدولي بمطلب الاستقلال. ويعتقد أنه متى توفر الاقتناع لدى هذه الأطراف بتحقيق هذا المطلب، يمكننا القول إن القرار حان إعلانه، أما أن يتخذ قرار بهذا الأسلوب من «الارتجالية والعشوائية»، فهو «وأد للقضية الجنوبية».
وجهة نظر عسكرية أيضاً استبعدت جدية تحقيق «الاستقلال»، إذ أوضح العميد علي محمد الخوار، وهو ضابط في «الجيش الجنوبي» الموالي للتحالف السعودي، أن الانفصال عن الشمال ينقصه «استكمال بناء قوات أمنية جنوبية خالصة».
بدوره، يقول الأكاديمي في جامعة عدن بدر العرابي إن انفصال الجنوب حالياً يصعب تحقيقه أو إعلانه. لكنه يرى أن فشل قوات «التحالف» ومواليها في الحسم شمالاً يضع دول «التحالف» في موقف محرج أمام العالم، ما يجعلها تعمل على عزل «المناطق المحررة» عن الشمال، أي تلك التي سيطرت عليها جنوباً. وقد تلجأ دول «التحالف» إلى مسوغات قانونية؛ منها مخرجات الحوار الوطني بما فيها نص الأقاليم الستة.