في حكومة «كل مين إيدو إلو»، كل وزير فوق «مغارته» صيّاح. وفي «مغارة» وزارة الاتصالات، ليس عبد المنعم يوسف ــــ رغم كل «جبروته» ــــ إلا واحداً من الأربعين. تجاوز حدّ السلطة بات هو الـ «نورم» السائد، حتى في وزارة الاتصالات التي يتربع على سدّتها محام ضليع يدعى بطرس حرب.

الوزير ــــ غير الضليع في الاتصالات وتقنياتها ــــ يعرف تماماً من اين تؤكل الكتف، وكيف توظف الوزارة في خدمة النيابة والبلدية والمخترة والتبعية السياسية.

في نيسان 2015 انتهت مدة العقد الموقع بين الدولة ومجموعة «زين» الكويتية (لإدارة وتشغيل شبكة «تاتش») وشركة «أوراسكوم تلكوم» المصرية (لادارة وتشغيل شبكة «الفا»). تم التهويل على اللبنانيين بتوقف الاتصالات الخليوية في حال عدم تجديد العقود، على الرغم من ان الدولة، ممثلة بوزارة الاتصالات، قادرة في اي حين على استرداد القطاع وادارته مباشرة، على غرار ما جرى عند انهاء عقد سابق مع شركة «فال- ديتي» الألمانية/ السعودية اواخر عام 2008.


سارع مجلس الوزراء الى تمديد العقود حتى 31/12/2015، مع ضرورة إجراء مناقصة قبل هذا التاريخ. لكن لم تجر المناقصة الموعودة بحجة وجود «صعوبات» لم يحددها احد. وبدل العودة الى مجلس الوزراء لبتّ الأمر، عمد حرب الى تجديد العقد شهرياً «على كيفه» بذريعة تسيير المرفق العام، فارضاً على الشركتين الملتزمتين «إتاوة» رعاية أنشطة ومهرجانات سياحية وغيرها، «صدف» أنها في معظمها تعود لأشخاص ونوادٍ وجمعيات وبلديات قريبة من تنورين، مسقط رأس الوزير حرب، بكلفة زادت على 8,5 ملايين دولار. أما الحق الذي تعطيه العقود للوزير باقتطاع 0,1 في المئة من المداخيل لإنشاء هيئة مالكي الخليوي (Owner Supervisory Board-OSB)، وهي وحدة مهمتها مراقبة عمل الشركتين المشغّلتين يفترض أن تضم نحو 25 شخصاً، فقد استخدمه الوزير لتحويل هذه الهيئة الى «وحدة بترونية» توظف نحو 66 شخصاً غالبيتهم من غير ذوي الاختصاص، وبينهم صحافيون، برواتب تصل الى 8000 دولار شهرياً!



تلزيم «نوكيا» سيكبّد

الخزينة اللبنانية 1,3 مليون دولار إضافية على العقد



«مآثر» الوزير حرب تتعدّى هيئة المالكين الى التدخل في مناقصات توريد وتركيب أجهزة الجيل الرابع من الانترنت (4G) التي أطلقتها «تاتش» و«الفا» نهاية العام الماضي. فمن دون تبرير مقنع، استبعدت شركة «ZTE» الصينية من المناقصات («الأخبار»، ٣٠ كانون الأول ٢٠١٥)، رغم تقديمها عرضاً أرخص من بقية الشركات. في الحصيلة تم تقاسم أكثر من 200 مليون دولار بين ثلاث شركات. فلزّمت كل من «تاتش» و«ألفا» شركتي «هواوي» و«اريكسون» توريد اجهزة الجيل الرابع. ومُنحت «نوكيا» جائرة «ترضية» بالمساهمة في توريد الأجهزة لأكثر من 200 موقع من 1400 ستجهز بتكنولوجيا الجيل الرابع. أثار استبعاد «ZTE» ضجة حاولت هيئة مالكي الخليوي استيعابها، فطلبت من «تاتش»، في كتاب الى مديرها العام بيتر كالياروبولوس (استقال من مهامه منذ فترة من دون تعيين بديل منه حتى الآن)، بإدراج الشركة في مناقصة لاستدراج هوائيات لـ 1413 موقعاً. لكن اللافت أن الكتاب طلب في الوقت نفسه إدراج شركة «يونيك توليب» (يملكها لوسيان حرب قريب الوزير حرب)، الى جانب «ZTE»، لضمان حصة من الكعكة لها، رغم طلب «تاتش» سابقا استثناء هاتين الشركتين بذريعة عدم تلبيتهما الشروط التقنية المطلوبة.

تدخلات الوزير حرب في المناقصات تتبدّى بوضوح أيضاً في إصراره على إعطاء شركة «نوكيا» 25% من عقد توريد الأجهزة للمواقع الـ 1413. واللافت أن حرب، في كتاب وجهه الى كالياروبولوس (19 شباط 2016)، أصرّ على حصة «نوكيا»، محدداً سعر 22900 دولار لكل موقع 4G (صورة الخطاب مرفقة) علماً أن العرض الذي قدمته «ZTE» كان سيوفر على الخزينة ما لا يقل عن أربعة ملايين دولار.

وعلمت «الأخبار» أن إصرار حرب على إعطاء حصة لـ «نوكيا» يأتي استجابة لرغبات جهات فاعلة في تيار المستقبل، رغم أن «تاتش» تفضّل حصر العرض بـ «هواوي». وقد أوضح المدير العام للشركة، في كتاب وجهه (22 نيسان الماضي) الى جيلبير نجار وناجي عبود، من هيئة مالكي الخليوي، بأن «هواوي» قدمت شروطاً ومواصفات تقنية أفضل ضمن مبلغ الـ 22900 من بينها تقديم برنامج (Self Optimising Network) SON مجاناً في مقابل طلب «نوكيا» 800 ألف دولار. كما تقدم سعات أكبر لكل محطة تبلغ 700 Radio Resources Control) RCC) في مقابل تقديم «نوكيا» نصف هذه السعة لكل 250 ألف مشترك. وأكدت «تاتش» في الرسالة أن تلزيم «نوكيا» سيكبّد الخزينة اللبنانية 1,3 مليون دولار إضافية على العقد. الجواب على «تاتش» جاء في كتاب وجهه نجار وعبود الى الشركة، بعد خمسة أيام، يعربان فيه عن «الصدمة» من الإصرار على حصر العقد بـ «هواوي»، ويصران في المقابل على تلزيم «نوكيا» ويعرضان التوسط بين الشركتين للتوصل الى حل!