فيما كان مسؤول الاستخبارات المالية في وزارة الخزانة الأميركية دانيال غلايزر، يمنح تقديره لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة وللمصارف، على تطبيق القانون الأميركي الرامي إلى تجفيف مصادر تمويل حزب الله دولياً، خرجت هيئة التحقيق الخاصة التي يرأسها سلامة بـ»إعلام» موجّه إلى المصارف، يترك الباب مفتوحاً أمام الخروقات الأميركية للسيادة النقدية اللبنانية.«إعلام» سلامة تجاهل مطلبين أساسيين لحزب الله أبلغه بها ممثلوه الأسبوع الماضي:
ــــ الأول أن يكون لـ»الإعلام» مفعول رجعي للتطبيق يمتدّ إلى فترة بدء المصارف في تطبيق القانون الأميركي التي تسبق فترة صدور التعميم 137 في ٣ أيار، أي أن يعالج مشكلة الحسابات التي طلبت المصارف إقفالها أو أقفلتها عند بدء نفاذ القانون الأميركي منتصف نيسان الماضي.
ــــ الثاني أن يذكر صراحة أن المهلة الزمنية الممنوحة للهيئة للإجابة على إحالات المصارف، هي 30 يوماً قابلة للتمديد لفترة مماثلة.

غلايزر لسلامة: نعلم ما
تواجهونه ونقدّر موقف
مصرف لبنان والمصارف


المشكلة بالنسبة لحزب الله، أن «الإعلام» ترك النقطة المتعلقة بالمهلة الزمنية ملتبسة «وهذه نقطة ضعف كبيرة في الإعلام المنتظر من حاكم مصرف لبنان» بحسب مصدر قريب من الحزب.


مفعول رجعي ناقص

«الإعلام» الموقّع من سلامة، والذي يحمل الرقم 20، طلب من المصارف والمؤسسات المالية وسائر المؤسسات الملزمة بالإبلاغ «عدم اتخاذ أي تدبير لجهة إقفال أي حساب عائد لأحد عملائها أو الامتناع عن التعامل معه أو عن فتح أي حساب له، قبل مرور ثلاثين يوماً على إبلاغ هيئة التحقيق الخاصة». ويوجب أن يتضمن التبليغ «توضيحاً للأسباب الموجبة التي تبرر اتخاذ هذه الإجراءات والتدابير (معلومات متعلقة بالعميل، حركة أو وتيرة أو حجم الحساب…). أما في حال لم يرد أي جواب من «هيئة التحقيق الخاصة» خلال المهلة المذكورة (٣٠ يوماً) فيعود للمصارف وللمؤسسات المعنية اتخاذ الإجراءات المناسبة بهذا الخصوص».
مفعول الإعلام يبدأ «اعتباراً من 3/5/2016»، وهو يتضمن تحذيراً للمخالفين من «الملاحقة أمام الهيئة المصرفية العليا»، ويشير إلى أن هذه الإجراءات لا تُطبّق على الحسابات العائدة لأشخاص أو مؤسسات مدرجة أسماؤهم على أي من اللوائح المصدرة المتعلقة بتطبيق القانون الأميركي الصادر بتاريخ 18/12/2015.
مقدّمة «الإعلام» تبرّر صدوره بأنه جاء توضيحاً للتعميم رقم 137 (الصادر عن سلامة في 3 أيار 2016) والذي اعتبره حزب الله «نكثاً» بالوعود التي قدّمها سلامة في شأن حسن تطبيق القانون الأميركي تجاه بيئة حزب الله. كذلك يأتي «الإعلام» تداركاً لحصول «أي إجراء أو تدبير تعسفي من شأنه الإضرار بمصالح المودعين والعملاء، ولا سيما عند إقفال حساب أي منهم أو الامتناع عن فتح حساب لهم أو عدم التعامل معهم، كل ذلك بصورة غير مبررة أو بحجة تفادي التعارض للمخاطر».

التباس واحد فقط!

في المقابل، قالت مصادر قريبة من سلامة لـ»الأخبار» إن مهلة الثلاثين يوماً كما ترد في إعلام هيئة التحقيق الخاصة، يمكن أن تجدّد، إلا أن الأمر يعود الى الهيئة التي قد تجد داعياً لتجديدها فتبلغ المصرف إجابتها التي تتضمن التمديد لمدة ٣٠ يوماً، وبالتالي فإن هذا الالتباس يراعي ما طلبه حزب الله. وفي الواقع، فإن محضر اللقاء الشهري بين سلامة ومجلس إدارة جمعية المصارف، الاثنين الماضي، يوضح الصورة أكثر لجهة تمديد المهلة. ففي الاجتماع الذي عقد بناءً على طلب سلامة، أوضح أمين سر الهيئة عبد الحفيظ منصور آلية التطبيق على النحو الآتي:
ــــ عند الاشتباه، يبلغ المصرف الهيئة بقراره إقفال الحسابات مرفقاً بحركة الحساب المعني وبالأسباب. بعد انقضاء 30 يوماً (قابلة للتمديد لـ 30 يوماً إضافياً) يبقى خلالها الحساب يعمل بشكل عادي، وفي حال عدم الإجابة يحق للمصرف إقفال الحساب. وستكون هناك لائحة معايير تضعها الهيئة ويستند إليها المصرف لإقفال الحساب والتبرير، وسيصار الى تطويرها بالتعاون مع المصارف.

مصدر قريب من الحزب:
نقطة ضعف كبيرة في إعلام حاكم المركزي


من جهته، أوضح سلامة أن الالتزام بالقانون الأميركي، كما جاء في التعميم ١٣٧، خارج إطار البحث، إنما «النقاش يدور فقط حول الآلية وضرورة أن يكون التطبيق عادلاً من خلال مؤشرات؛ منها حركة الحساب».
لم تخرج مواقف عنيفة من حزب الله إزاء «إعلام» سلامة. إذ إن بيان كتلة الوفاء للمقاومة سبق صدور «الإعلام»، وركّز سهامه على زيارة غلايزر. إذ أدانت الكتلة «الاعتداء الأميركي على سيادة لبنان من خلال قانون العقوبات المالية وأي تواطؤ معه»، وأوضحت أنها معنية «بمتابعة هذا الأمر وفق معايير حفظ السيادة النقدية اللبنانية وحماية حق التداول النقدي لكل اللبنانيين، تلافياً لأي تداعيات سلبية على الوضع المصرفي اللبناني وعلى الأمن الاجتماعي والاقتصادي للناس، ومن المفترض أن تتوضح قريباً النتائج والمسارات في هذا المجال».
وبحسب مصادر مطلعة، فإن غلايزر قال لسلامة: «نحن نعلم ما تواجهونه في سياق تطبيق القانون الأميركي المتعلق بمكافحة تمويل حزب الله دولياً، ونقدّر موقف مصرف لبنان وموقف المصارف تجاه هذا الأمر، ونعلم أنكم ملتزمون التطبيق. هذا القانون لا يستهدف أي طائفة أو أي مجموعة». من جهته، قال سلامة لزائره الأميركي إن «المشكلة لم تكن في الالتزام بتطبيق القانون، بل بالإشراف على حسن التطبيق من دون أن يكون هناك توسع في تفسير القانون يؤدي إلى الإضرار بالزبائن والتعسّف بحقهم».




المسؤولية على عاتق «المركزي»

قال رئيس جمعية المصارف جوزف طربيه (الصورة)، في اللقاء الشهري الأخير مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ونواب الحاكم ولجنة الرقابة على المصارف، إن مصرف لبنان يتحمل مسؤولية عن كل المصارف في سياق تطبيق القانون الأميركي. إذ إن الرجوع إلى هيئة التحقيق الخاصة يغطي المصرف المعني. إلا أن طربيه ذكّر بالعلاقة مع مصارف المراسلة «التي لديها معلوماتها أو أسبابها والتي لا تعلنها بالضرورة، وهي غالباً ما توجه إلى مصارفنا أسئلة. وبغض النظر عن هذه الدقائق، فإننا كقطاع مصرفي ملتزمون بالقانون الأميركي وبتطبيق العقوبات. وهذا موقف مبدئي ومعلن».
وردّ سلامة على كلام طربيه، مشيراً إلى أنه بات ضرورياً على المصارف السعي للتعامل مع أكثر من مراسل، إذ إن قرار أي مصرف مراسلة (أميركي) بعدم التعامل يقوم على قاعدة تقليص المخاطر، (أي أنها تطبق القانون الأميركي تجاه مكافحة تمويل حزب الله دولياً) والعديد منها يعيد النظر بعدد المصارف التي يتعامل معها وإلى مدى توفر موارد إدارة المخاطر لديها.





مؤونات فورية



أصدرت لجنة الرقابة على المصارف تعميماً يحمل الرقم 286 موجّهاً إلى المصارف والمؤسسات المالية العاملة في لبنان، طالبة من المصارف تكوين مؤونات إجمالية فورية مقابل الحسابات المدينة (حسابات القروض والتسليفات) التي يتمّ تجميدها أو إقفالها تطبيقاً للإجراءات والعقوبات والتقييدات المقررة من قبل المنظمات الدولية الشرعية أو السلطات السيادية الأجنبية، وذلك من دون الحاجة إلى تعديل التصنيف الائتماني لهذه الحسابات. على أن يتم تزويد اللجنة، فوراً، بكتاب يتضمّن المعلومات المتعلقة بالحسابات المدينة، واسم العميل ورقم مركزية المخاطر العائد له، وأرصدة الديون المباشرة وغير المباشرة بما فيها الكفالات والتكفلات الممنوحة من قبل العميل، والضمانات المأخوذة (مع ذكر طبيعتها وقيمتها)، والمؤونات المكوّنة.
وطلبت اللجنة دراسة كل حساب على حدة والتقدّم إلى لجنة الرقابة على المصارف خلال مهلة أقصاها ۳ أشهر من تاريخ تجميد أو إقفال الحسابات بتقرير مفصّل يبين الوضع الائتماني لكل حساب، مع اقتراح كيفية وآلية معالجته ثم يعاد تصنيفه في ضوء وضعه الجديد.