حينما شغل أفيغدور ليبرمان، منصب وزير خارجية إسرائيل، بين عامي 2009 و2015، وصف في الأروقة الإسرائيلية بـ«الفيل الذي دخل إلى محل الخزفيات». لم يأت الوصف من العدم، فقد كان هناك ما يدعمه، في ظل مواقف الزعيم اليميني السياسية وأدائه في الوزارة، اللذين شكلا مادة سجالية دائمة في إسرائيل وخارجها، من دون أن ينعكس تأثيرها في السياسة الخارجية لتل أبيب، بل بقيت منضبطة تحت السقف الذي حدده رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو.في تلك السنوات، أعلن ليبرمان رؤيته للسياسة الإقليمية الإسرائيلية: أيّد مبدأ التهجير في البداية كحل للصراع العربي الإسرائيلي، لكن مع اقتراب موعد اانتخابات العامة، عام 2006 هجّن هذا المبدأ بصيغة ممسوخة وأعلن موافقته على صيغة لـ«حل الدولتين»، تقوم على أساس تبادل أراضٍ يشمل ضم المناطق ذات الأغلبية العربية «داخل إسرائيل» إلى الكيان الفلسطيني، مقابل ضم المستوطنات في الضفة المحتلة إلى إسرائيل.
برغم استقالته من «الليكود» بقي من بطانة نتنياهو الخاصة

برغم ذلك، لم يتأخر ليبرمان في الإعلان من على المنابر التي اعتلاها أن حل الدولتين «جميل، لكنه غير قابل للتطبيق»، داعياً إلى الاستعاضة عنه بحل انتقالي يتمحور حول تعزيز التعاون الاقتصادي والأمني بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. وفي السياق نفسه، أعلن عدم إيمانه بـ«كذبة» التعايش بين اليهود والعرب، ودعا إلى سن قانون مواطنة جديد يشترط أداء قسم الولاء لإسرائيل كـ«دولة يهودية»، ووجوب الخدمة العسكرية في الجيش للحصول على الجنسية والتمتع بالحقوق السياسية. كما قارن، من على منبر الكنيست، بين الأعضاء العرب و«المتعاونين مع النازية»، معرباً عن أمله في أن يلقوا مصيراً مماثلاً لهم، أي الإعدام.
وخلال حفل في وزارة الخارجية عام 2012، رأى أن اتفاقية أوسلو «الخطوة السياسية الأكثر فشلا منذ قيام الدولة»، ووصف رئيس السلطة، محمود عباس، بـ«الكذاب والجبان والبعوضة»، وأن «كل ما يفعله هو إرهاب سياسي صرف»، معتبرا أن انهيار نظامه «مسألة وقت فقط». وفي اجتماع آخر، دعا سفراء إسرائيل في الخارج إلى التعامل والتصرف بكبرياء أمام العالم، وطبقت دعوته هذه عبر حادثة الإذلال التي مارسها نائبه، داني أيلون، بحق السفير التركي في إسرائيل، حينما أجلسه على كرسي منخفض أمام كاميرات الإعلام. وسياسة الكبرياء طبقها ليبرمان نفسه مع الرئيس المصري المخلوع، حسني مبارك، حين دعاه للذهاب إلى الجحيم اذا لم يرغب في زيارة إسرائيل.
ومع بداية تطلعه إلى إشغال منصب رئاسة وزارة الأمن منذ الانتخابات الأخيرة، العام الماضي، شرع ليبرمان في بلورة سياسة إستراتيجية أمنية خاصة به. وبالطبع لم يُضِرّهُ ولم يكترث أن يكون «الصفير الوحيد الذي مر إلى جانب أذنه هو صفير كرة التنس»، كما سخر منه نتنياهو ذات مرة، في إشارة إلى انعدام أي ماضٍ عسكري له لأن خدمته العسكرية اقتصرت على بضعة أشهر قضاها مجنداً في الإدارة المدنية للاحتلال في مدينة الخليل، وعندما كان جندياً في الاحتياط عمل حارساً على مخازن سلاح المدفعية. وهو ماضٍ دفع مصادر في الليكود إلى الرد على أحد انتقاداته لسياسة نتنياهو الأمنية قبل أسابيع بالقول، إنه «مجرد هاوٍ وسياسي صغير ولا يصلح لأن يكون حتى محللاً عسكرياً».
مهما يكن ماضي ليبرمان، تتلخص رؤيته الأمنية بعنوان واحد: استخدام القوة إلى حد البلطجة. المثال الأشهر على ذلك دعوته عام 2001 إلى قصف السد العالي في مصر، إضافة إلى أمثلة أخرى: منها أن حل مشكلة غزة، بالنسبة إليه، يكمن في اجتياحها وإطاحة حكم حركة «حماس» فيها؛ وتهديده نائب رئيس المكتب السياسي للحركة، إسماعيل هنية، بالتصفية خلال 48 ساعة إن لم تعد الحركة، الإسرائيليين الأربعة الذين تحتفظ بهم في غزة. أما رؤيته للحل في الضفة، فهي طرد «أبو مازن» من رئاسة السلطة بوصفه مسؤولاً عن التحريض الذي يؤدي إلى تنفيذ فلسطينيين لعمليات ضد الإسرائيليين.
قبل أشهر، في 26 شباط الماضي، قال ليبرمان أمام حزبه (إسرائيل بيتنا) إن على إسرائيل ألا تقع في حرب استنزاف، وهي «ملزمة أن تتطلع إلى مواجهة قصيرة، حتى بثمن استخدام قوة أكبر بكثير، واللغة الوحيدة المفهومة في الشرق الأوسط هي رب البيت جنّ جنونه». عند دخوله وزارة الأمن قبل أيام أعاد صياغة هذه الرؤية، قائلا: «كل خطوة سياسية لإسرائيل مع الدول المجاورة، سواء في الأزمات أو التسويات، يجب أن تأتي من موقع قوة».
العديد من المعلقين في إسرائيل رأوا أن خلفية مواقف وتصريحات ليبرمان أتت في سياق الصراع الانتخابي على أصوات اليمين. ويرى هؤلاء أنه، كأي سياسي إسرائيلي، عندما يصير في السلطة يكون شخصاً آخر غير عما كان عليه في المعارضة. ويذكّرون بأن ليبرمان نفسه كان مديراً لديوان رئاسة الحكومة عام 1996 عند توقيع نتنياهو اتفاقات الخليل وواي ريفر. كما أيد قرار الحكومة تجميد الاستيطان في الضفة عام 2010، وكان عضواً في الكابينت الذي أقر إطلاق مئات الأسرى الفلسطينيين كبادرة حسن نية تجاه «أبو مازن». حتى عندما صنفته مجلة تايم عام 2009 بين الشخصيات المئة الأكثر تأثيرا العالم، رأى معلقون أن تأثيره الفعلي يتلخص في كونه «ظاهرة صوتية» تحرج الحكومات الإسرائيلية بالمزاودة عليها.
كسر «إسرائيل بيتنا» احتكار التمثيل السياسي للمهاجرين الروس

ليبرمان (57 عاماً) أتى من مولدافيا إلى فلسطين المحتلة عام 1978، وبدأ حياته الجديدة حارساً في ملهى ليلي في الجامعة العبرية في القدس المحتلة، قبل أن يدخل معترك الشأن العام من باب العمل النقابي، بعد تعيينه سكرتيراً لـ«نقابة العمال الوطنية» في القدس المحتلة، ليتدرج لاحقاً في مناصب إدارية مختلفة ضمن دوائر مؤسساتية أهلية، وصولاً إلى وضع رجله على الدرجة الأولى من سلم الحياة السياسية مع تعيينه في 1993، مديراً عاماً لحزب «الليكود»، الذي كان قد انتسب إليه قبل نحو عقد.
وكان ليبرمان على موعد مع الشهرة على الساحة السياسية الإسرائيلية عام 1996، عندما عينه رئيس «الليكود» الفائز في الانتخابات، بنيامين نتنياهو، مديراً لمكتب رئاسة الحكومة، لتبدأ من هناك رحلته مع الصعود السياسي الصاروخي نحو القمة، التي لا يخفي طموحه في الوصول إليها. وعرف في تلك المدة بأنه «رجل المهمات القذرة» لنتنياهو، واقترن اسمه بفضيحة «بار أون» (محاولة تعيين مدعٍ عام يُتفق معه على إلغاء لوائح اتهام بحق زعيم حزب «شاس» آنذاك ارييه درعي، في مقابل تقديم الأخير الدعم البرلماني لنتنياهو)، وهي قضية كادت أن تطيح نتنياهو من سدة رئاسة الحكومة، الأمر الذي اضطر ليبرمان إلى الاستقالة من منصبه بعد عام، على خلفية قضية جنائية تتعلق بالاعتداء بالضرب على طفل.
لكنه بقي من بطانة نتنياهو الخاصة، وأسس في 1999 «إسرائيل بيتنا»، بإشارة من الأخير، بعد خلاف نشب بينه وبين رئيس حزب «يسرائيل بعالياه»، نتان شرانسكي، الذي كان حتى ذلك الوقت يحتكر، بحزبه، التمثيل السياسي لجمهور المهاجرين الروس في إسرائيل، وهو الجمهور الذي طمح نتنياهو، كما غيره، إلى استقطاب ولائه وأصواته. واستقى حزب ليبرمان الجديد قوته التمثيلية من هذا الجمهور بالتحديد، وحصل، في أول انتخابات خاضها عام تأسيسه، على أربعة مقاعد في الكنيست، أهلته للحصول على حقيبة البنى التحتية في حكومة أرييل شارون الأولى عام 2001.
حينذاك كان برنامج ليبرمان السياسي يتمحور حول شعار استيعاب المهاجرين الروس ودمجهم في المجتمع الإسرائيلي، ولم تكن لطروحاته في الشأن الأمني والإقليمي الصدى الواسع الذي حصلت عليه في انتخابات عام 2003، التي خاضها بلائحة مشتركة مع حزب «موليدت» اليميني المتطرف، سميت «لائحة الاتحاد القومي»، وحصدت سبعة مقاعد نيابية سمحت لليبرمان بتسلم حقيبة المواصلات في حكومة شارون الثانية.
لكنن شارون أقاله بعد نحو عام، بسبب تصويته ضد خطة فك الارتباط عن قطاع غزة. وبقي ليبرمان في المعارضة، وخاض انتخابات 2006 ليحصد فيها 11 مقعداً نيابياً ويشارك بعدها في حكومة إيهود أولمرت نائباً لرئيس الحكومة ووزيرا للشؤون الإستراتيجية. لكنه ما لبث أن استقال عام 2008 بذريعة خوضها المفاوضات مع الفلسطينيين حول «القضايا الجوهرية». في انتخابات 2009، تحول «إسرائيل بيتنا» إلى ثالث أكبر حزب في الكنيست مع حصوله على 15 مقعداً، لكنه تراجع في انتخابات 2015 إلى ستة مقاعد.




تل أبيب تجدد رفض مبادرة باريس


واصلت إسرائيل رفضها مؤتمر السلام الدولي المقرر عقده في فرنسا. ورأى المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية، دوري غولد، أن المبادرة الفرنسية ستفشل. وفي تصريح استبق انعقاد المؤتمر التحضيري اليوم في باريس، قال: «قبل مئة عام سعى اتفاق سايكس ــ بيكو إلى فرض نظام جديد في الشرق الأوسط، تلك المبادرة فشلت، وهذا ما سيحصل للمبادرة الحالية».
وأضاف غولد: «الطريق الوحيد لتحقيق السلام سيكون عبر المفاوضات المباشرة، من دون شروط مسبقة، وبدعم الدول العربية»، ثم علّق على المبادرة ساخراً: «لو كنت في حالة خصام مع جارك، لا داعي للسفر إلى فرنسا، ودعوة دولة السنغال، من أجل التوصل إلى حل».
في المقابل، قال عضو اللجنة التنفيذية لـ«منظمة التحرير الفلسطينية»، أحمد المجدلاني، إن «القيادة الفلسطينية تملك خيارات وخطوات ستدرسها في حال فشل اجتماع باريس». وأضاف المجدلاني: «نطمح أن يخرج عن مؤتمر باريس، ثلاث قضايا: أولاها انبثاق اطار دولي يشرف على عملية السلام، والتأكيد على المرجعيات السياسية التي تتمثل بقرارات الأمم المتحدة، وإعلان المبادئ في مدريد، ووضع جدول وسقف زمني لإنهاء الاحتلال».
(الأخبار)