لطالما تلافى رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الاشتباك الحاد مع الرئيس سعد الحريري خوفاً من طلاق بائن. ولطالما وجّهت معراب إشارات جسّ نبض في محاولة لتنظيم خلاف أجّجه الملف الرئاسي والتقارب العوني ـــ القواتي. حتى ما قبل الانتخابات البلدية والاختيارية، أفلح «الحكيم» من جانب أحادي في حصر المواجهة مع تيار المستقبل بعناوين تكتيكية لا تُفسد في الود قضية. أول من أمس، فضحت النفوس ما لم يكُن في صلب الثوابت التي جمعت الطرفين منذ عام 2005. بدا وكأن كل شيء انتهى، بعدما ذهب رئيس تيار المستقبل إلى «معايرة» جعجع بـ«أننا كنّا أول من رشّحناك إلى رئاسة الجمهورية». لم يخرج أحد من الفريقين للقول إن هذا "الصراع" لا يتجاوز الإطار الكلامي، وإنه بلا مفاعيل تذكر. للمرة الأولى يقرأ عارفو خبايا معراب ووادي أبو جميل سيناريو مستقبل العلاقة بين الطرفين بطريقة حاسمة «انتهت… ولا عودة إلى الوراء»!ماذا يفعل سعد الحريري؟ لماذا يريد أن يفتح «مشكلاً إضافياً» إلى جانب المشكل الرئاسي؟ سؤالان ما انفك جعجع يطرحهما منذ أن خرج عليه الحريري مغرّداً بردّ عنيف، تعليقاً على مقابلته الأخيرة على قناة "MTV". سؤالان تنقلهما مصادر معراب التي أكدت «استياء» جعجع من عدم وضع الحريري حدّاً لشطحاته. ليس جعجع من فصيلة «المتهورين»، لكنه بات يجد نفسه غير قادر على أن يلعبها بهدوء أعصاب، خصوصاً بعدما اعتبر ما فعله الحريري «دعسة ناقصة كان بالإمكان تلافيها، لولا أنه يفضّل الانفصال النهائي ويدفع باتجاهه». يستشعر جعجع «غصّة»، تتطلب منه موقفاً يتطابق مع مواقف «حليف بات من الماضي». قد لا يكون محبذاً ولا مستحسناً عند القواتيين نبش الماضي القريب.
المستقبل: ما يفعله جعجع مغامرة سياسية ستكلفه الكثير في الانتخابات النيابية وقانونها
لكنهم وجدوا أنفسهم مجبرين على تذكير «قائدهم» في مجالسه بتهور "المستقبل" الذي قاد شخصياته إلى «امتهان الهجوم على التقارب العوني – القواتي والتحريض عليه». وإلى خانة التحريض أضيفت «استراتيجية المستقبل في اللعب على الانقسام المسيحي». ففي معرض تعليقها على كلام الحريري الذي قال فيه «لنا حق نبقى واقفين مع اللي وقفوا معنا من 2005»، محدداً أسماء المستقلين، لم تستغرب مصادر معرابية لجوء الرجل إلى هذا الأسلوب الذي مارسه منذ سنوات. تقول «لطالما لعب الحريري على التباينات في الصف المسيحي للاستئثار بالقرار داخل فريق الرابع عشر من آذار. وغالباً ما كان يتقرّب من طرف مسيحي على حساب الآخر». وعندما وجد صعوبة في فك «التحالف العوني – القواتي»، ورأى أن «هذا التحالف قادر على انتزاع السلطة التي يفرضها على الشارع المسيحي، ذهب إلى دعم المستقلين بالمفرق، وسعى إلى فرضهم بالقوة في مناطقهم عبر صناديق الاقتراع في الانتخابات البلدية». بحسب هؤلاء، أخذ الحريري «ثأره»، ونفّذ وعده بالانتقام «رداً على ما حصل في انتخابات بيروت»، وفجأة «وجدنا الأصوات المستقبلية تصب لصالح المنافسين في أكثر من منطقة». تفنّد المصادر ردّ الحريري كلمة كلمة. وما إن تصل إلى الجملة التي اتهم فيها الحريري جعجع بأنه «هو من عطّل المبادرة الرئاسية»، حتى تزداد سخونة الحديث لتذكير «الشيخ سعد» بأن أول من خرق الاتفاق الرئاسي كان تيار المستقبل الذي «ذهب إلى ترشيح الوزير سليمان فرنجية، من دون التنسيق معنا ولا مع أي طرف في 14 آذار». وتذهب إلى حدّ اتهامه بأنه «يريد للقوات أن تبقى ملحقاً وتابعاً لتيار المستقبل». لا تنفي مصادر معراب حقيقة «سير الحكيم في بداية التحالف وراء الحريري في كل خطواته». كان ذلك نتيجة أمرين فرضا على معراب هذا الخيار؛ الأول «خيار سياسي مبني على مجموعة من العناوين السيادية». والثاني أن «القوات في ذلك الحين لم تكن حزباً منظماً، بل كانت في مرحلة إعادة بناء نفسها بعد خروج الحكيم من السجن». لكن «الأمر لم يعُد على هذا النحو... القوات اليوم أقوى بكثير مما كانت عليه، ولم يعد بإمكان الحريري ولا أي طرف آخر التعاطي معها إلا على قاعدة الند للند». وبما أن « الحريري ذهب في الاتجاه السلطوي على حساب القضية الأساس، وبتنا بالنسبة إليه عدوّه الأول، فسنتعاطى بالمثل».
لم ينته السجال القواتي – المستقبلي "في أرضه". استكملت جولته الثانية على لسان ممثليهما. خرج «صديق» معراب النائب أحمد فتفت ليؤكّد أنه «لم يكن لدى حلفائنا تجاوب وحماس للمعركة في بيروت، وأن إمكانية القوات جاءت أضعف مما توقعنا». استدعى ذلك رداً من زميله النائب فادي كرم قائلاً «علّ الدكتور فتفت يبتعد قليلاً فيرى أن سمير جعجع كان ولم يزل رأس حربة 14 آذار، ومن يحتاج للعودة إليها هم من خرجوا عن ثوابتها». ليست أجواء «المستقبل» أقلّ ضبابيّة. لكن في التيار من لا يزال يراهن على «عدم قدرة جعجع على الانفصال نهائياً عن الحريري. التحالف معنا ورقة تصعب خسارتها» على ما تقول مصادره. والطلاق «مغامرة سياسية ستكلفه الكثير في الانتخابات النيابية وقانونها العتيد». وترى المصادر أن «كلام جعجع عن الرئاسة لا يُطعم خبزاً، ولا يدفع هذا الملف قدماً»، في وقت لا تزال فيه تؤمن بأن «خيار الحريري الرئاسي هو الرابح بعيداً من معمعة الحسابات التي غرق فيها جعجع». كلّ ما يتسرب من الاجتماعات على جبهتي الطرفين في الساعات الأخيرة يشي بأن القوات والمستقبل ماضيان في درس خطواتهما المستقبلية على صعيد العلاقة التي تجمعهما. وبين الدعوات المتبادلة للعودة إلى الثوابت يجد كل منهما نفسه يعود إلى حساباته الخاصة، فتزيد المسافة الفاصلة بينهما... ما يؤكد أنه «لم يعُد هناك مجال للقاء».