مبروك جنرال!

مبروك جنرال!

  • 0
  • ض
  • ض

كل المؤشرات، خصوصاً بعد الانتخابات البلدية ونتائجها، تدل على أن حلاً ما لرئاسة الجمهورية بات حتمياً. لكن بأي صيغة وأي اسم؟ أصلاً منذ بداية نهاية ولاية ميشال سليمان قبل عامين ونيف، بدأ الاستنفار الكامل محلياً ودولياً لمنع وصول ميشال عون إلى قصر بعبدا. في المنطلق تم التحضير والتحوّط لذلك قبل شغور القصر بنحو عام كامل. فنسفت الانتخابات النيابية في أيار 2013، بخلفية واحدة. ألا وهي الإبقاء على الأكثرية النيابية القادرة على الحؤول دون انتخاب عون، خوفاً من الإتيان بأكثرية نيابية مغايرة الموازين والميول.

بعد 18 شهراً، استمر عون مرشحاً. فتكرر تطيير الانتخابات النيابية للغرض نفسه. المفارقة المخزية ههنا، أن المجتمع الدولي برمّته، كما ممثليه كافة في بيروت، التزموا الصمت المطبق حيال إلغاء انتخابات تشريعية، هي أساس أي ديمقراطية برلمانية. بعد عامين ونيف على هذا الموقف المشين، وقف المجتمع الدولي نفسه «شرطي أخلاق»، ففرض إجراء انتخابات بلدية، وفي ظروف عملانية أشد دقة وصعوبة، بحجة عدم جواز القفز فوق الاستحقاقات الديمقراطية! المفارقة نفسها ممكنة أصلاً مع العام 2005. يومها كان لبنان مشلّعاً مثخناً، بين اغتيال رفيق الحريري وما تلاه من جرائم. وبين سلسلة انفجارات أسبوعية متنقلة داخل الأحياء السكنية. وبين سلطة مشلولة ووصاية لما تزل يومها وقانون انتخاب مطعون فيه... وسط ذلك كله، كانت مصلحة التقاطع الخارجي المحلي تقضي بإجراء الانتخابات النيابية. هكذا، بين الدم والدمع، خرج فلتمان ليقول: الانتخابات الآن! وهكذا كان. سنة 2013، كان لبنان بلا حرب وبسلطات كاملة وسيادة مقبولة واستقرار أكثر من عادي... لكن مصلحة التقاطع نفسه كانت في إلغاء الانتخابات لإلغاء عون، وهكذا كان مرة ثانية!
استمرت الحرب المذكورة منذ ذلك الحين حتى أيام قليلة مضت. كان الرهان على كسب الوقت أولاً وأخيراً. عل أمراً من ثلاثة يطرأ أو يستجد: إما أن يأتي تطور سوري ميداني يغير موازين الداخل اللبناني. وإما أن يفرز الشغور الرئاسي موازين قوى لبنانية داخلية جديدة متبدلة أو متقلبة. وإما أخيراً أن «يتعب» ميشال عون أو من معه... بعد سنتين ونيف لم يحصل ولم يصح أي من الرهانات الثلاثة. ففي سوريا تكفي للدلالة على حقيقة موازين القوى صورة واحدة. هي صورة وزير الخارجية التركية، جاويش أوغلو، في مؤتمر فيينا الأخير في 17 أيار الماضي، وهو يلفظ اسم بشار الأسد، في سياق عبارة إنكليزية ركيكة التركيب، تحاول التذكير بمقولة رحيل الرئيس السوري. ابتسم الظريف الإيراني، فيما لافروف يتابع خربشته على أوراقه، لينقض على وزير إردوغان جون كيري بالذات، حاسماً الكلام والبحث: لسنا هنا لنبحث في موضوع الأسد!
على خط الرهان الداخلي كانت المحاولة الأهم ترشيح سليمان فرنجيه. بمعزل عن الكلام الملقى أخيراً، يدرك المعنيون بذلك القطوع أن المحاولة بدأت محلية بلدية بامتياز. لا بريطانية ولا أميركية ولا سعودية. وهم يعرفون تمام المعرفة من طبخ الفكرة في بيروت ومن حمّلها لدايفيد هايل ومن سوّقها، قبل أن يفاجأ الخارج بمقولة أنها باتت منجزة وموضع إجماع. يومها بلغ الأمر أن موسكو مشت. على اعتبار أن المرشح حليف حليفها. حتى أن طهران أرسلت إلى بيروت من يستفهم، من باب الاستيضاح لا غير: الروس يسألوننا لماذا لم تمشوا بفرنجيه. فماذا نقول لهم؟ فكان الجواب القاطع الحاسم: لأننا مع ميشال عون، ولأن عون لما يزل مرشحاً، ونقطة على كل السطور!
فكانت تلك التجربة دليلاً دامغاً على سقوط الرهانين: لا شيء سيتغير في الداخل، ولا ميشال عون سيتعب، ولا طبعاً حسن نصرالله.
كل هذه المعطيات تجمعت لدى دوائر الاهتمام اللبناني عشية الاستحقاق البلدي. الفشل هو عنوان كل الخلاصات والمحصلات: جربنا تطيير الانتخابات. جربنا خطر الإرهاب. جربنا اختلال الوضع في المحيط. جربنا خلل الفريق الواحد... كلها من دون نتيجة. ما حتم نتيجة واحدة مقابلة، أن يقول فرانسوا هولاند لسعد الحريري، في اليوم نفسه لمؤتمر فيينا: إذهب واتفق مع عون.
فهم الحريري أن الخارج الذي تحالف معه طيلة أعوام، أو تواطأ لا فرق، يحاول رمي المسؤولية عليه. فبدأت مشهدية مثيرة من لعبة تقاذف عبء الفشل. خرج زعيم «المستقبل» ليعلن من أمام قصر الإليزيه: مستعد للقاء عون، لكن شرط الاتفاق على الهدف. قبل أن يضيف في كلام مطوي على ما سبق: لا يزال سليمان فرنجيه مرشحي. كأنه بذلك اراد رمي المسؤولية على سيد زغرتا. أدرك رئيس المردة لعبة توريطه. فردّ بسجيته المعهودة: إذا أراد الحريري ترشيح عون لا مشكلة لدي. فأعاد كرة النار إلى حضن الحريري. لم يحتملها الشاب أكثر من ساعات. حاول قذفها إلى الملعب الآخر. جرّب رمية بعيدة بقوله: لماذا لا يجمع السيد نصرالله حليفيه عون وفرنجيه ويتفق الثلاثة؟ بدت المحاولة ضعيفة. حتى أنها لم تجتز منتصف الملعب الحريري. فسارع نهاد المشنوق للتصدي لها قبل يومين، في رفعة طويلة وملتفّة: المسؤولية ليست على أحد منا. بل على القيادة السعودية الراحلة! مات الملك. ماتت معه مسؤولية الفشل. اليوم عهد جديد، كلنا معه أبرياء.
من يراقب تلك اللعبة يصيبه بعض الملل. لا أهداف ولا حتى جمالية فنية. بعد كل ما حصل، يمكن الخروج من المأزق بكلمتين اثنتين: مبروك جنرال! على قاعدة أننا كلنا أخطأنا وكلنا فشلنا وكلنا مسؤولون عن الخروج من المستنقع. كلمتان، كل المؤشرات تدل على أنهما باتا حتميتين... ووشيكتين.

0 تعليق

التعليقات