«‏صوت الانفجار الذي سُمع منذ قليل في مدينة اللاذقية ناجمٌ عن ‏تفجير قنبلة صوتية ابتهاجاً بنجاح أحد الطلاب في المرحلة الأساسية بحسب سكان المنطقة». نبأٌ تناقلته معظم «الشبكات الإخبارية» على صفحات التواصل الاجتماعي خلال اليومين الماضيين، فيما حاولت وسائل الإعلام الرسمية تلطيف النبأ قليلاً عبر الاكتفاء بالحديث عن تفجير قنبلة صوتية «دون أي خلفية أمنية للحادثة». المفارقة أنّ وقوع حوادث من هذا النوع لم يعد أمراً مستغرباً في مدينة هي (من حيث المبدأ) واحدة من المناطق القليلة التي لم تهتزّ فيها سلطة الدولة السورية بفعل الحرب خلال السنوات الأربع الأخيرة. لكن حقيقة الأمر أنّ «سلطة القانون» فيها تبدو قاصرةً عن أن تطاول «شريحة مُصطفاة». ليست هذه الشريحة محسوبةً على طبقة اقتصادية أو اجتماعية معيّنة، ولا هي حكرٌ على أبناء انتماء ديني أو طائفي أو مناطقي واحد بل تضمّ أشخاصاً من مشارب مختلفة (وإن بنسبٍ مُتفاوتة) يوحّدهم أنّهم «أبناء الحرب وآباؤها».
النازح يرفع إيدو
لا تعرف الحوادث «التشبيحيّة» تمييزاً طائفيّاً أو مناطقيّاً

قبل سنوات فرّت ميساء (اسم مستعار) وابنتها الوحيدة بجلدهما من جحيم المعارك في مدينة جسر الشغور (ريف إدلب) بعدما اخُتطِف زوجُها ونُهبَت أمواله. اختارت السيدة الخمسينية السكن في شاليه مُستأجر. تحايلت على الضغوط الاقتصادية التي سبّبها النزوح وبدّلت نمط حياتها بما يتوافق مع الوضع الجديد، ورأت أنّها تدفع «ضريبة الأمان». تؤكّد السيدة لـ«الأخبار» أنّها خشيت أوّل الأمر التعرّض لمضايقات لأسباب «مناطقية» قبل أن تكتشف أنّها كانت مخطئة في مخاوفها، وتواصل حياتها بهدوء. قبل شهرين من الآن تبدّل الحال بصورة مفاجئة. خلافٌ صغير مع سائق سيارة أجرة قلبَ حياتها رأساً على عقب وجعلَها عُرضةً للضرب والإهانة والتهديد على يد مجموعة من «الشبيحة». تُغالب دموعها وتقول «حتى اليوم لا أصدّق ما حدث. فجأة تحوّل السائق الذي بقيت شهوراً أتعامل معه إلى وحش». كانت ميساء قد اعتادت طلب سيارة الأجرة عبر الهاتف بعدما نصحتها به إحدى معارفها «وفعلاً ما شفت منو شي غلط لمدة 3 شهور»، تقول. كانت تلك الفترة كافية ليعلم السائق أن السيدة غريبة عن المدينة، وهذا كان مفتاحاً لسلوكه معها لاحقاً. حدث الخلاف حين طلبت منه الحضور لنقلها وعددا من أقاربها من منطقة إلى أخرى «تأخر أكتر من ساعة وما عاد يرد عتليفونو». ببساطة طلبت السيدة سيّارة أجرة أخرى، ولسوء حظّها وصلت السيارتان تباعاً. «قلتلو إنت تأخرت وأنا اتصلت بشوفير تاني، ما تواخزني بس الحق عليك». المفاجأة كانت حين راح السائق يكيل لها الشتائم والإهانات على الملأ «لمّ الناس عليّ، وصار يحكي طالع نازل وبين كل كلمة والتانية يقول: جاية من الجسر وبدك تكبري نفس علينا». لم تفلح محاولات بعض المارّة في التدخّل، راح السائق يهدّد الجميع «أنا من الأمن العسكري، وهي إرهابيّة وما رح تتحرّك من هون لحتى فيشها». أجرى اتصالاً هاتفيّاً ظنّته السيدة استعراضاً: «قلت لحالي عم يخوّفني، مشان ياخد أجرة التوصيلة»، تقول ميساء وتضيف «تركناه وركبنا التكسي التاني ومشينا». لم ينته الأمر عند هذا الحد، لم تكد السيدة تصل إلى وجهتها حتى فوجئت بسيارتين تصلان في الوقت نفسه، الأولى سيّارته والثانية «جيب مفيّمة نزلو منها 3 مسلّحين». بقية القصة تكملها السيدة بصعوبة وسط نحيبها «هجم علي واحد منهم، ضربني، وقطع لي شعري، وما ترك مسبّة ما قالها. بعدين بصق علي وقال: هالمرّة رح أتركك بدون ما أشحطك». تقول ميساء لـ«الأخبار» إن الحادثة وقعت أمام «الفندق الفلاني (5 نجوم)»، وعلى مرأى من أمن الفندق وحشد من الناس، لكنّ أحداً لم يجرؤ على التدخّل، وتضيف «لا ألومهم». نسأل «فكرتي تشتكي عليه بما إنك بتعرفي اسمو ورقم تليفونو؟»، تصمت قليلاً ثم تضحك بمرارة «إذا بقلكن بتمنى لو كنت باقية بالجسر (جسر الشغور) وميتة بالحرب يمكن ما تصدقو».

مطاردة في ليل بسنادا

لا تعرف الحوادث «التشبيحيّة» تمييزاً طائفيّاً أو مناطقيّاً. تستهدف الجميع بلا استثناء. آخر ما حُرّر في هذا السياق دارت أحداثه ليل الخميس الماضي، واشتملت على سرقة سيّارة ومطاردة «هوليوديّة» تخلّلها إطلاق نار. وقعت الحادثة إثر تلقّي السلطات الأمنية بلاغاً عن سرقة سيّارة، لتعثرَ عليها إحدى الدوريّات في منطقة الشاطئ الأزرق وفي داخلها رجلان وتبدأ بمطاردتها. خلال المطاردة تبادلت الدورية والسارقين إطلاق النار، ما أدى إلى مقتل سيّدة «عن طريق الخطأ». امتدّت المطاردة إلى قرية بسنادا، حيث ألحقت أضراراً كبيرةً بعدد من السيارات المركونة. اعترض اثنان من أبناء القرية السيارة المسروقة وأفلحا في إيقاف سائقها، ليتبيّن مع وصول الدورية وتفتيش السيارة أنّها تحوي كميات من الحشيش و«حبوب الهلوسة». المفارقة أن ملاسنةً اندلعَت بين الدورية والشابين اللذين ساهما في إيقاف السيارة، كادت تنتهي بتوقيفهما أيضاً. يقول أحد أبناء القرية لـ«الأخبار» إنّ «المصيبة كانت حين تبيّنت هويّة السارقين، هما من أصحاب السوابق التشبيحيّة». ويضيف «لن يكونَ غريباً أن نراهما قريباً طليقَين ويسعيان إلى الانتقام ممّن تسبّب في القبض عليهما. حدثت أشياء مماثلةٌ سابقاً. يلعن أبو التشبيح وساعتو».