لم يوفر وزير التربية الياس بو صعب مناسبة إلاّ وتحدث فيها عن «فضائح» في مدارس خاصة اصطلح على تسميتها «دكاكين تعليم». وفي كل مرة كان يقول إنّ الملف برمته بات في حوزته ولن يقفله حتى إنجاز التحقيق ومحاسبة المرتكبين. فهل سيسير الوزير في تحقيقاته حتى النهاية ويكشف كل خباياه فلا يقتصر الأمر على إقفال مدرسة أو اثنتين وينتهي الموضوع؟حصلت «الأخبار» على مستندات تظهر التلاعب باللوائح الاسمية التي ترفعها هذه المدارس إلى وزارة التربية ومنها أن مدرسة «يوزرسيف» قدمت لائحة بـ 450 تلميذاً في آذار 2016، ثم ألحقتها بلائحة أخرى بـ 1239 تلميذاً في نيسان 2016، وفي 12 أيار، ارتفع العدد على اللوائح إلى 1539 تلميذاً! ما يعني تسجيل اكثر من الف طالب في أقل من شهرين.
وفي حين اتصل بنا مدير مدرسة لبنان الوطنية في الهرمل علي مرتضى ليقول إن مدرسته جديدة وتضم فقط 80 طالباً وهي خارج كل هذه اللعبة، تظهر المستندات أن هذه المدرسة رفعت إلى الوزارة لائحة بـ 903 تلاميذ وتلميذات في العام الدراسي 2014 ــ2015.
هذه عينة من «دكاكين التعليم» التي تنسب تلامذة راسبين في مدارس رسمية أو خاصة وتدرج أسماءهم على لوائحها، التي ترفعها إلى مصلحة التعليم الخاص في وزارة التربية، مقابل مبالغ مالية تراوح بين 400 و2000 دولار، بحسب مصادر مطّلعة في الوزارة. هذا ينطبق على التلامذة الراسبين في سنة دراسية عادية، أي في السنوات التي لا تنتهي بامتحانات الشهادة الرسمية. أما إذا كان الطالب راسباً في البكالوريا ـ القسم الأول أو غير مقبول في مدرسة معينة، وأراد الانتساب إلى الثانوية العامة عبر إحدى هذه الدكاكين، فإن المبلغ لا يقل عن 5 ملايين ليرة كقسط و"ثمن" الحصول على «إفادة ناجح».
تسجيل أكثر من ألف طالب في مدرسة يوزرسيف في شهرين

تمثل المدارس الخاصة غير المجانية نحو 60% من قطاع التعليم العام ما قبل الجامعي وتضم 1166 مدرسة و541 ألف تلميذ ونحو 35 ألف معلم، وذلك بحسب احصاءات المركز التربوي للبحوث والإنماء. طبعاً ليست كل هذه المدارس متورطة بهذه "التجارة"، الا ان "الدكاكين التعليمية" تمثل حصّة لا بأس بها، بحسب المصادر نفسها.

كيف يحصل التزوير؟

في الحالة الطبيعية، ترفع إدارات المدارس الخاصة اللوائح الاسمية إلى المناطق التربوية في كل المحافظات، ضمن مهلة زمنية أقصاها 31 كانون الأول من كل عام، وتقدم كل مدرسة نسختين مع قرص مدمج (CD) يتضمن المعلومات كافة إلى وحدة المعلوماتية المستحدثة في السنوات الأخيرة. بعد هذا التاريخ، كل ما يرفع من أسماء يكون عبارة عن ملحق يقدم في قلم مصلحة التعليم الخاص ومن ثم يحوّل إلى رئيس المصلحة لإبداء الرأي. جرت العادة أن يقترح رئيس المصلحة الموافقة، على أن يوجه إنذاراً للمدرسة لمخالفتها التعاميم الصادرة، وهو ما يبقى حبراً على ورق، إذ لا تترتب عليه اي غرامة مالية. وهنا يطرح السؤال عن أسباب استمرار بعض المدارس في المخالفة على الرغم من توجيه إنذارات اليها؟
هذا الملحق هو أحد أساليب التحايل على القانون، إذ يمكن لأي تلميذ يخاف من رسوبه في مدرسة خاصة أو رسمية، بعد انتهاء فشله في فصلين من العام الدراسي، أن يلجأ لهذا النوع من المدارس، فتقوم المدرسة بجمع الأسماء ضمن ملحق، بحجة التأخير في تأمين المستندات، وتقدّمه إلى وزارة التربية في مقابل مبلغ مالي يسدده أهل التلميذ لها، وتضمن نجاحه وترفيعه في السنة الدراسية المقبلة.
السيناريو الثاني يحتاج إلى التنسيق بين المدرسة والموظف المعني في وزارة التربية، الذي يوقع إلى جانب كل اسم على اللائحة الاسمية بقلم أحمر. فعندما يتسجل الطالب في مدرسة رسمية أو خاصة يبرز إفادة مصدقة من وزارة التربية للصف السابق وعلى مدير المدرسة الحالي خلال إعداده اللوائح الاسمية أن يضع رقم الإفادة في خانة مخصصة للمعلومات عن الطالب. ويبرز هذه الإفادة إلى الموظف في المنطقة التربوية الذي يتأكد من المعلومات ويضع علامة بقلم أحمر بجانب الاسم. في حال التلاعب أو الغش يمكن الموظف أن يضع العلامة من دون أن يضطر مدير المدرسة إلى ابراز إفادة، لقاء مبلغ مالي، وبناءً عليه يتم تبرير الاسم على اللائحة مباشرة، باعتبار أن الموظف لا يجد ما يجبره قانوناً على الاحتفاظ بالإفادات. هذا الموظف هو نقطة الانطلاق لأي عملية تلاعب أو تزوير لأنه الوحيد الذي ينسق مع المدرسة وهو المراقب المباشر المسؤول عن صحة المعلومات.
السيناريو الثالث هو الأخطر، إذ يتطلب سحب لوائح العام الدراسي السابق مع بداية العام الدراسي الجديد وإعداد لوائح جديدة مع أقراص CD جديدة، وهذه العملية تتطلب اشتراك الموظف بالمنطقة التربوية الذي يتسلم اللوائح مع الموظف في الوزارة الذي يحتفظ بنسخة مع موظف قسم المعلوماتية. ويتم إدراج أسماء الطلاب الراسبين على لوائح العام السابق وكأنهم درسوا في المدرسة المزوّرة، وطبعاً مقابل مبلغ مالي.
السيناريو الأخير هو عبارة عن تزوير الإفادات بمساعدة مزوّرين وأحياناً بواسطة استخدام وسائل بسيطة مثل أقلام الحبر التي تزول بالممحاة أو «الستيلو» وتبديل الاسم على الإفادة، وهذه العملية يمكن الموظف كشفها.
حاول وزير التربية السابق حسان دياب ومن بعده الوزير الحالي الياس بو صعب الاستعانة بالمكننة لكشف التلاعب. وكانت النتيجة أن أدخل الفساد طرفاً ثالثاً في اللعبة (موظف المعلوماتية)

ترخيص المدارس

كيف تحصل المدارس الخاصة على تراخيص؟ بحسب المرسوم 1436 بتاريخ 23/3/1950 (فتح المدارس الخاصة)، من يريد فتح مدرسة يجب أن يكون حائزاً شهادة بكالوريا قسم ثانٍ، وعمره يتجاوز 25 عاماً، أن لا يكون لديه مشاكل قانونية أو محكوم عليه بجرم أو جناية. يقدم الطلب في قلم مصلحة التعليم الخاص مع تعهد بعدم ممارسة التدريس قبل صدور الترخيص. على رئيس المصلحة أن يرسل كتاباً إلى الدرك لإرسال كشف من المخفر للتأكد من أن المبنى الموجود بعيد عن المعامل وفي مكان يصلح للتعليم. كذلك يرسل كتاباً إلى الأمن العام للتأكد من أن صاحب المدرسة الذي يطلب الترخيص ليس لديه مشاكل قانونية مثل الاحتيال والاختلاس والتزوير. ويبعث أيضاً بكتاب ثالث إلى المحافظة للقيام بكشف صحي على المبنى والتأكد من وجود حمامات وملاعب ومشارب مياه. ثم يكلّف موظفاً للكشف أيضاً على الغرف وقياس الملاعب. عندما تتجمع التقارير النهائية، يرسل الملف للمدير العام ومن ثم للوزير. وتنال المدرسة الموافقة على المرسوم حيث يجرى إعداده ويوقع من الوزير الذي يرفعه بدوره إلى مجلس الوزراء ومن ثم بالروتين يوقع من رئيس الجمهورية وينشر بالجريدة الرسمية. ولا يحق للمدرسة بعد نيل المرسوم العمل في انتظار ما يسمى إذن بمباشرة التدريس. وهنا يرسل كشف جديد يحدد مساحة الغرف والملاعب ويحتسب العدد المسموح به للمدرسة.




الموافقات الاستثنائية

ما يحصل عادة أنّ طالب الرخصة لفتح مدرسة خاصة يتقدم بما يسمى طلب الموافقة الاستثنائية بحجة أن الوزارة تأخرت، لكون مصلحة التعليم الخاص لا تتقيد بأي مهلة لمخاطبة الدرك والأمن العام والمحافظة، وهنا يقترح رئيس المصلحة الموافقة على عمل المدرسة استثنائياً، على أن تتعهد بالإقفال في حال عدم اتمام المستندات. وكلما تأخر الوقت واقتربت نهاية العام الدراسي، يصبح الوزير مضطراً للموافقة والعمل برأي مصلحة التعليم الخاص.
اللافت ما يقوله هنا أحد المتابعين لجهة تطبيق سياسة «أبو جودت». وأبو جودت شخصية في مسلسل باب الحارة يحضر الأشخاص إلى المخفر، ليقول لهم، بعد حصوله على المعلوم، سامحتكم هذه المرة، سأعاقبكم في المرة الثانية.
أمام هذا الواقع، وطالما لا يوجد رقم لكل تلميذ فإن مسلسل التزوير سيبقى مستمراً، لكن كيف لا يلتفت المسؤولون إلى كل هذه الأساليب التي باتت مكشوفة للجميع ووكلاؤها معروفون، فهل مصلحتهم الشخصية تقتضي التجاهل؟