السّنوات الخمس «العِجاف» التي غابَ في خلالها الرئيس سعد الحريري بين الرياض وباريس، تحتاج إلى أكثر بكثير من خمس سنوات «سِمان» لإصلاح الأمور بين «طبقتين» أساسيتين داخل تيار المستقبل: «طبقة الجنود» التي أنهكتها الأزمات المالية والتنظيمية والإدارية، و«طبقة الضباط وأصحاب الرتب» التي استفادت من الأزمات نفسها لتحقيق منافع شخصية. كبُرت الطبقتان في غياب الحريري، وتنافستا في ظل فساد تيار أصابه الضمور والترهل. وعندما أعلن «الشيخ سعد» في أول إفطاراته الرمضانية أن «باب المحاسبة سيُفتح»، كان يعلم أن ثمّة من اتخذ من مثل «غاب القط العب يا فار» قاعدة لممارساته. لذا قرر في الخريف المقبل أن يضع هؤلاء في مواجهة بعضهم لبعض، على أن تكون الكلمة الفصل لصناديق الاقتراع في المؤتمر العام للتيار.وفي انتظار الخريف، يبدو أن صيف التيار سيكون حاراً مع تحسّس بعض المسؤولين كراسيهم، بالتزامن مع بدء مجموعات «أنونيموس» مستقبلية العمل لتأليب الرأي العام المستقبلي على «جلاديه». فتحت عنوان «صار لازم ترتاح»، خرجت صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي (فايسبوك وتويتر)، يعرّف المسؤولون عنها عن أنفسهم بأنهم «شباب مستقبليون ينتمون إلى بيئة التيار». وهم ليسوا «حركة منظمة (أقله حتى اللحظة)، لكنّهم تفاعلوا مع كلام الحريري عن التغيير المقبل واستبشروا منه خيراً»، فـ«بادروا إلى الإضاءة على بعض الرموز والشخصيات التي لا بدّ من اقتلاعها»، وبدأت الحملة بعدد محصور من «المغضوب عليهم» لرصد التجاوب واستكشاف ردود الفعل. فأول منشور على الصفحة عبارة عن ثلاث صور لكل من منسق الإعلام في التيار عبد السلام موسى، ومنسق التيار في جبيل والبترون جورج بكاسيني، وصالح فروخ عضو المكتب السياسي والأمين العام للفعاليات التمثيلية في تيار المستقبل.
فريق عمل أحمد الحريري فشل بكل المقاييس وغرق في السياسة على حساب التنظيم

لكن لماذا موسى وبكاسيني وفروخ فقط من بين مئات المنسقين والمسؤولين؟ وهل للحملة طابع شخصي؟
القيّمون على الصفحة يؤكدون أن «اللائحة طويلة والأسماء ستنزل تباعاً بحسب حجم التفاعل. ليس هناك خلاف شخصي مع أحد، لكن بعض الأشخاص أخذوا فرصتهم وفشلوا... وصار لازم يرتاحوا»! ومن بين من يجب أن «يرتاحوا»، أولئك الذين يُطلق عليهم في التيار «الجبابرة». وهم المنسّقون الذين أتى بهم الأمين العام للتيار أحمد الحريري، إلى جانب عدد من المنسّقين «اللازقين» فوق منسقياتهم منذ 2005. وقد كثرت على مواقع التواصل الاجتماعي الانتقادات التي أكدت «تعب الناس من هذه النماذج». والجو العام في التيار، في غالبيته، لا يرى في هؤلاء «سوى موظفين بسيجار وكرافات ورواتب عالية ومكاتب واسعة»، وأكثريتهم «تتعاطى مع الناس بفوقية، وتتصرف وكأنها والحريري واحد» بحسب أحد العاملين داخل المنسقيات. ومن بين الأسماء التي علمت «الأخبار» أنها ستكون موضع «ملاحقة» في المرحلة المقبلة، المنسّق العام في البقاع الأوسط أيوب قزعون، المتهم بأنه «فوقي ويتعامل بأسلوب فظّ بعيد عن الدبلوماسية»، ومدير العمليات داخل تلفزيون المستقبل عمر مشرفية «المتهم بتطفيش الكفاءات والتعاطي باستنسابية مع الموظفين»!
وبحسب المعطيات، ستطاول الحملة «مسؤولين في منسقية الشباب لم يفعلوا شيئاً» و«المسؤولين عن الموقع الإعلامي للتيار الذي لا يزوره أكثر من عشرة أشخاص يومياً». ففي إحدى جلسات النقاش، سئل القيّمون على المواقع الإلكترونية «عن سبب موت هذه المواقع بالمقارنة، مثلاً، مع موقعي التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية». وكانت خلاصة النقاش أنه «لا يوجد قرار بتفعيلها. تخيّلوا منذ عشر سنوات لا يوجد قرار بتفعيل صفحات تيار طويل عريض... ما هي وظيفة المسؤولين عنها؟ يشتمون ويدخّنون ويقصقصون بزر».
الاجتماعات الفرعية في المناطق تكثّفت منذ إعلان المؤتمر العام الذي يشارك فيه أكثر من 2500 شخص لانتخاب أعضاء المكتب السياسي، وصياغة الورقة السياسية وإعادة تحديد النظام الداخلي في ضوء التقرير التنظيمي الذي تعده لجنة المتابعة. وبعد نحو شهر من المؤتمر، تبدأ انتخابات المنسقين وأعضاء المنسقيات. وهنا بيت القصيد. فمن المعروف أن المنسقين في التيار كان يعيّنهم سابقاً الأمين العام للتيار أحمد الحريري. لذا، إن خضوع هؤلاء للعملية الديموقراطية هو «بداية التغيير»، بحسب ما يقول أحد المشاركين في اللجان التحضيرية، معتبراً أن «الحل يبدأ بذهاب أغلبية الكوادر الحالية إلى بيوتهم، واستبدالهم بوجوه جديدة ومتواضعة بالدرجة الأولى». وتشير مصادر تنظيمية في التيار إلى أن هناك شبه إجماع على أن «فريق عمل أحمد الحريري فشل بكل المقاييس، حيث غرق في الخطاب السياسي أكثر من الشق التنظيمي». وتحدثت المصادر عن أزمة كبيرة داخل التيار تتعلق «بالمهن الحرة التي باتت في حالة مزرية»، لذا أصرّ «الرئيس الحريري على إشراك الشباب بنسبة 50 من المنسقيات». وقد عُقد أكثر من اجتماع «لإعادة استقطاب عدد من الشباب الذين تركوا التيار»، وخصوصاً ممن كانوا ينتمون إلى جمعية شباب المستقبل الموجودة منذ ما قبل تشكيل التيار عام 2005.
هذه الخطوات وغيرها كانت محطّ نقاش خلال اجتماع المكتب السياسي الأخير مع الرئيس الحريري. وكُلِّفَت لجنة تحضير للمؤتمر «لإعداد تقرير سياسي يتضمن مراجعة مسار المرحلة السابقة وتحديد المرحلة الراهنة، وتصوراً لخطوات المرحلة المقبلة»، إضافة إلى «تقرير تنظيمي واقتصادي واجتماعي». وقد ثُبِّت موعد المؤتمر في 15 و16 تشرين الأول المقبل.
أحد أعضاء المكتب السياسي يلفت إلى أن «مشكلتنا أننا مدّدنا لأنفسنا كما فعل مجلس النواب، وصار لزاماً علينا عقد مؤتمر. فالمؤتمر التأسيسي الأول حصل في تموز 2010، وعام 2014 كان لا بد من عقده مجدداً لأن مدّة الولاية أربع سنوات، لكننا لم نتمكن من ذلك بسبب الظروف». وأكد أنه في هذا المؤتمر «سيعاد انتخاب المكتب السياسي والأمين العام والمنسقين». لكن هذه المرة «العملية الديموقراطية ستشهد تنافساً كبيراً يعود إلى فتح باب الانتساب داخل التيار». ففي المؤتمر التأسيسي عام 2010 كان عدد المنتسبين نحو 1500، وفي ما بعد وافق المكتب السياسي على طلبات نحو 4000 منتسب سيشارك أكثر من نصفهم في العملية الانتخابية. أما اليوم وبحسب المصادر، فيوجد نحو 38 ألف طلب انتساب سيدرس المكتب السياسي المنتخب كيفية التعامل معها، لأنه لا يمكن قبولها على أبواب الانتخابات. كذلك سيصار إلى «توسيع مشاركة المرأة حتى لو اضطررنا إلى اعتماد نظام، إضافة إلى محاولة توسيع التمثيل الطائفي، ولا سيما أن الطابع السني غلب على التيار في السنوات الماضية».





أحمد الحريري باقٍ والأزمة المالية تزيد التماسك!

كيف يُمكن أن يحقق تيار المستقبل تغييراً جذرياً في ظل الأزمة المالية التي يعاني منها الرئيس سعد الحريري، خصوصاً أن العارفين يؤكدون أن الأزمة ستطول ولا بوادر حلول لها في القريب العاجل؟ يقول مستقبليون إن «الوضع المالي السيئ هو مبرر لزيادة التماسك التنظيمي»، وبالتالي «إنّ من يريد أن ينتسب إلى التيار سيكون قراره نابعاً من قناعة ذاتية وليس مصلحة نفعية، وهؤلاء هم من يمكنهم العمل يجدية، لأنهم يعرفون أن الرئيس الحريري شبه مفلس وأن أيام البحبوحة ذهبت إلى غير رجعة». لن تكون هناك أحلام مالية عند الناس، وهذا أمر جيد بطبيعة الحال. ومن جهة أخرى، تظهر نقطة أساسية تتعلق بإعادة انتخاب أحمد الحريري أميناً عاماً للتيار. ففي ظل الحديث عن «الانتخابات الديموقراطية، يبقى انتخاب أحمد الحريري للمرة الثانية متروكاً للمؤتمر، ولو أن «الظروف التي أتت بالحريري أميناً عاماً لم تتغير، كذلك هناك ظروف لا يُمكن أن تتغير، أولها أنه ابن عمّة الرئيس سعد الحريري، برغم بعض الأصوات التي ترفض هذه الحالة العائلية» بحسب مصادر التيار. لكن، حتى الآن، «لا مؤشرات على عدم إعادة انتخابه»!