تعطي الاستراحة السياسية الطويلة التي تدخلها البلاد، في عطلة عيد الفطر، فرصة للتروّي وقراءة الوضع الداخلي، بعدما شهدت الحركة السياسية مؤشرات إيجابية الأسبوع الماضي، عطفاً على تطورات المنطقة التي تراوح بين التفجيرات الإرهابية في المنطقة ولبنان، والحوارات السياسية الناشطة إقليمياً.ومع ترقّب دخول الولايات المتحدة مرحلة الاستعداد لإجراء انتخابات رئاسية مطلع الخريف المقبل، عادت بعض القراءات لتشير مجدداً إلى بروز ملامح تسوية أميركية ــــ روسية قبل مغادرة الرئيس باراك أوباما البيت الأبيض. ومنذ أشهر، يتقدم الكلام عن هذه التسوية، ولا سيما في ما يتعلق بسوريا. ورغم أن هذه التسوية المفترضة تدخل أحياناً في استراحة، أو يشوبها الجمود، لكن سرعان ما يعود الكلام عنها في الدوائر الغربية المعنية وفي المراكز المتخصصة بالعلاقات بين البلدين، وسط تجدد الكلام عن تباين روسي ــــ إيراني وتجميد الهجوم الكبير الذي كان يحضَّر على حلب. وفي موازاة تمديد الاتحاد الأوروبي مدة العقوبات الأوروبية على روسيا، حتى 31 كانون الثاني عام 2017، بسبب الخلاف على تنفيذ اتفاق مينسك حول أوكرانيا، وإعادة تفعيل العلاقات التركية مع روسيا وإسرائيل، واستعادة واشنطن بعض الدفء في علاقاتها مع السعودية، وانتظار جهود ممثل الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا لتحديد موعد مفاوضات جنيف حول سوريا، تبدو الصورة الإقليمية متداخلة وشائكة، حتى قبل أن يضاف إليها عامل التفجيرات الانتحارية التي تضرب من تركيا إلى العراق ولبنان والسعودية.
الحركة الداخلية لم تكن يوماً عاملاً مؤثراً في انتخاب رئيس للجمهورية

هذا المشهد الإقليمي السوداوي يضع مصير الوضع اللبناني مجدداً على المحك، كما في كل مرة تزدحم فيها روزنامة الأحداث الإقليمية بمواعيد مفصلية. لذا تبدو قراءة المنحى الذي يتجه إليه الوضع الداخلي منقسماً، في غياب مؤشرات فعلية في شأن وجود قرار دولي واضح حول لبنان، بين من يعتقد أن حدة الأحداث الإقليمية واحتمال نضج تسوية أميركية ــــ روسية مجدداً قد يكون مناسبة لإمرار الاستحقاق الرئاسي، وبين القائلين إن أفق الرئاسة لا يزال مقفلاً ودونه عقبات كثيرة.
تعزَّز الاتجاه الأول ببعض التحركات الداخلية، إن لجهة اللقاءات التي عقدت على مستوى كل من الرئيس سعد الحريري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط ورئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع، أو على مستوى التهدئة الملحوظة على خط العلاقة بين الرابية وعين التينة، بالاتفاق على ملف النفط. علماً أن مطلعين على موقف الرئيس نبيه بري تحدثوا منذ أكثر من شهر عن أن ثمة محاولة جدية لترطيب الأجواء مع العماد ميشال عون وسحب عوامل التوتير معه وعدم استفزازه. وقد ظهر أحد مؤشرات ذلك في معركة جزين النيابية الفرعية. ويراهن الفريق المنسجم مع هذا التوجه، على أن تقاطعاً إقليمياً ودولياً، قد يدفع نحو إنقاذ الرئاسة، عطفاً على أمرين: عودة التفجيرات الإرهابية إلى لبنان، والمخاطر المتأتية من تطبيق قانون العقوبات المالية الأميركي على حزب الله، وأثر ذلك على الاستقرار السياسي والأمني والمالي. علماً أن المجتمع الدولي الذي ضغط في اتجاه حصول الانتخابات البلدية ويضغط لإجراء الانتخابات النيابية السنة المقبلة، سيصطدم أيضاً بواقع أن هذه الانتخابات، التي تُجرى من دون رئيس للجمهورية، ستؤدي إلى استقالة الحكومة الحالية وتحولها حكومة تصريف أعمال. ما يؤدي بطبيعة الحال إلى وضع دستوري وسياسي لا سابق له. ويراهن أصحاب هذا الرأي على أن احتمال إمرار الانتخابات الرئاسية يصبح متقدماً إذا تيقن اللاعبون الدوليون والإقليميون أن هذا الانتخاب يُسهم في توفير ساحة آمنة تخفّف بعضاً من الاحتقان والتشنج الذي تعيشه المنطقة، فيزول أمام الساعين إلى حلول ظرفية أو متوسطة الأمد، عقبة توتير إضافي في غنى عنها.
في المقابل، لا تعطي مسحات التفاؤل حول الحركة الرئاسية الأخيرة، ولا سيما التهدئة بين بري والعماد ميشال عون ـ بحسب سياسيين مطلعين ـ مؤشرات جدية وحديثة عن إمكان أن يخطو الملف الرئاسي خطوات ملموسة. علماً أن أسهم الرئاسيات تعلو وتنخفض كما جرى في نهاية العام الماضي، بعد ترشيح الحريري للنائب سليمان فرنجية وترشيح جعجع لعون. بالنسبة إلى هؤلاء، لا شيء ملموساً يمكن أن يبنى عليه للتفاؤل بالإفراج عن الرئاسيات، فالحركة الداخلية لم تكن يوماً عاملاً مؤثراً في انتخاب رئيس للجمهورية، وبعض التحركات تهدف فقط إلى تطبيع الاستقرار بين القوى السياسية وصياغة تفاهمات تتعلق بملفات لا يمكن أن تؤثر رئاسياً، بدليل ردود الفعل التي أعقبت سحور "بيت الوسط" وأكدت استمرار الحريري في موقفه الرافض لترشيح عون. علماً أن هناك ملفات أخرى قيد البحث، ويمكن أن تعيد عقارب الساعة إلى الوراء، كقانون الانتخاب وقضية النازحين السوريين والتمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي، وحتى النفط الذي بدأ الانقسام حوله. أما دولياً، فوزير الخارجية الفرنسي جان مارك ايرولت يزور بيروت الأسبوع المقبل من دون أن يحمل مبادرة فرنسية ملموسة وجدية في شأن الاستحقاق الرئاسي، ولا تعدو زيارته كونها زيارة ديبلوماسية فحسب، رغم كل ما قيل عن حركة فرنسية تهدف إلى تفعيل الملف الرئاسي. والسعودية المنصرفة عن الوضع اللبناني أساساً انغمست مجدداً في وصول التفجيرات الانتحارية إليها، وفي ما سيؤول إليه الوضع السوري وفق الترتيبات الأميركية ــــ الروسية، الأمر الذي لا يضع لبنان حالياً في مقدم أولوياتها.