«صراع الإمامين» يشلّ تركيا: أردوغان زعيماً بانقلاب دستوري!

  • 0
  • ض
  • ض

رجب طيب أردوغان حاكماً أوحد لتركيا بعد الانقلاب؛ هذه خلاصة مشهد الأيام الماضية. نجاح «البطل التركي الجديد» ارتكز على واقع تكريس حال الاستقطاب والانقسام الذي وصل إلى حدود دعوة رئيس بلدية إسطنبول، قدير توباس، إلى دفن جثث الانقلابيين في «مقبرة منفصلة»

بعد أقل من أسبوع على محاولة الانقلاب الفاشل في تركيا، تبدو الزعامة الأردوغانية متربعة على عرش الدولة بلا أي منافس أو منازع.

فغداة إعلان حالة الطوارئ وبدء سريانها عقب نشرها في الجريدة الرسمية، صادق عليها النواب الأتراك في «إجراء شكلي» أمس، وقد أيّدها 346 نائباً (من أصل 550 بينهم 317 للعدالة والتنمية)، في مقابل 115 صوتاً معارضاً، بينما علّق النائب سيزغين تانريكولو، من «حزب الشعب الجمهوري»، بالقول: «تم تعليق الحقوق والحريات الأساسية».
وفي أثناء حالة الطوارئ، يجوز لمجلس الوزراء برئاسة رئيس الجمهورية «إصدار مراسيم تشريعية لها قوة القانون»، تُنشر في الجريدة الرسمية، وتُطرح في اليوم نفسه أمام البرلمان للمصادقة عليها، فيما أشار محللون (لوكالة «فرانس برس») إلى أن «القرارات التي ستتخذ قد تحدّ من حرية التظاهر والتنقل، كما أنها قد تؤدي الى السيطرة على وسائل الاعلام، وقد تتخذ قرارات بمنع التجوال».
ورغم سريان «الطوارئ»، فقد ذكرت الأنباء أنّ عدداً كبيراً من الأتراك تلقى رسالة نصية من «ر. ط. أردوغان»، تدعوهم الى مواصلة النزول إلى الشارع لمقاومة «الخونة الإرهابيين»، في إشارة إلى «الغولينيين». وكتب الرئيس التركي في رسالته النصية: «شعبي العزيز، لا تتخلَّ عن المقاومة البطولية التي برهنت عنها لبلدك ووطنك وعلمك. الساحات ليست ملكاً للدبابات بل للشعب».


دعا أردوغان أنصاره
إلى البقاء في الساحات
رغم حالة الطوارئ

عملياً، لم يعد هناك عوائق أمام الرئيس التركي لاتخاذ القرارات التي يريدها، خصوصاً أنه نجح أخيراً في وضع يده على مفاصل المؤسسة العسكرية، فيما أعلن مساء أمس أن القوات المسلحة ستخضع سريعا لعملية إعادة هيكلة و«ستدخلها دماء جديدة». ولعلّ أستاذ القانون التركي، إبراهيم كابوغلو، أصاب حين لخّص التطورات بالقول: «نحن نشهد منذ نهاية الأسبوع انقلاباً دستورياً. نحن في الواقع خارج نطاق القانون، في وضع لا يمت بصلة للنظام القانوني المعمول به». ولعلّ هذا «الانقلاب الدستوري» سيتواصل بإرادة أردوغانية، وقد تكون خاتمته: تكريس موقع الرئاسة في تركيا كركيزة أولى للحكم، فيصبح النظام السياسي التركي، عملياً، نظاماً رئاسياً.
بالتوازي مع ذلك، فقد كرّس أردوغان خطاباً يحدّ فعلياً من حركة أي معارضة له، تحت سقف: أنتم إما مع الدولة أو مع الانقلابيين. ويُلاحظ مثلاً أنّ خطاب حزب المعارضة الأكبر، «الشعب الجمهوري»، الرافض لتمادي أردوغان وحكومته، خجول، رغم استمرار حملة القمع الضخمة التي تشنها الحكومة على كافة الصعد وفي كل المؤسسات، حتى التربوية منها. وفي بيان داع إلى وقفة «الديموقراطية والجمهورية» في ساحة تقسيم في اسطنبول يوم الأحد المقبل، بدا واضحاً عدم التعرض مباشرة لأردوغان ولتصرفات حكومته، إذ قال النائب عن «الشعب الجمهوري»، تيكين بينغول: «سوف نعلن بوضوح موقفنا المناهض للانقلاب... وسنجدد إيماننا وتصميمنا على الديموقراطية والجمهورية والنظام البرلماني، دون أي تفرقة بين الأحزاب».
أما على الصعيد الخارجي، فيبدو أنّ الولايات المتحدة باتت مقتنعة بحتمية الوقوف إلى جانب حكومة أردوغان في ظل تشابك الأدوار ما بينهما في الشرق الأوسط خصوصاً. وبعد تصريح جون كيري الواضح في هذا الخصوص، أول من أمس، أعلن البيت الأبيض في الساعات الأخيرة أنّ واشنطن «لن تدقق في كل تفاصيل الوضع في تركيا»، ما يعدّ ضمانة للحكم التركي. ومن الجانب الأوروبي، ترافق تعليق أنقرة للعمل بالاتفاقية الأوروبية لحقوق الانسان عقب إعلان «الطوارئ» بما يسمح لها «بتجنّب إدانات محتملة جديدة لاتهامها بانتهاك حقوق الانسان» بفعل تواصل «عملية التطهير»، مع تحذير وزير الخارجية الألماني، فرانك فالتر شتاينماير، من أنه «يمكن للدولة أن تتخذ تدابير فقط عند التورط في أعمال يمكن أن يعاقب عليها القانون وليس لمجرد الآراء السياسية».

خوف من العنف الآتي

لم تتوقف «عملية التطهير» (أو الاستئصال) بعد، إذ ذكرت وكالة أنباء «الأناضول» (شبه الرسمية)، أمس، أن «109 جنرالات أو أميرالات ما زالوا موقوفين، وكذلك حوالى ثلاثين قاضياً»، فيما علّقت وزارة الدفاع مهمات 262 قاضياً ومدّعياً عسكرياً. لكن المفارقة، أنّ هذا المسار الذي يقود إلى الهيمنة على السلطات، وإلى مراد أردوغان الأهم (أي الانقلاب الدستوري)، فقد نجح الأخير في الوصول إليهما من خلال شلّ الحياة السياسية في البلاد بحجة مواجهة «منظمة فتح الله غولن الإرهابية»، أي إنه نقل صراعه مع حركة إسلامية رديفة له ولتوجهاته إلى أعلى السلطة، وهو يبدو على أبواب النجاح في الحسم.
الكاتب والروائي نديم غورسيل أشار إلى هذا الواقع حين قال أمس: «خلال هذه الأيام، يعيش الديموقراطيون الأتراك كارثة من دون أن يكون بإمكانهم التأثير على مجرى الأحداث، إذ أوصل أردوغان البلد إلى حافة الهاوية بدفعه المجتمع إلى أقصى حدود الاستقطاب. وهو بذلك خلق لحسن الحظ ظروف الانقلاب الفاشل الذي للأسف كرّسه كبطل جديد لتركيا، بطل محاط بحرس (سلطاني)، إذ حوّل الشرطة التي تمتلك أسلحة متطورة وعالية التكنولوجيا إلى ميليشيا رئاسية». ورأى غورسيل أنّ «هذا الانقلاب... يأتي كنتيجة لتصفية حسابات بين اتجاهين ضمن الجيش، وخاصة بين توجهين ثيوقراطيين (أردوغان وغولن)»، متسائلاً: «لماذا يجب على الديموقراطيين الاختيار بين إمامين؟».
في تعليق على تسارع الأحداث في تركيا، رأت الباحثة التركية في علم الاجتماع، بينار سيليك، أنّ الأتراك عرفوا «دائماً الانقلابات، ولطالما كان العنف جزءاً من يومياتنا»، معتبرة أنه «في كل فترة توتر، نقطع رأس المشكلة بانقلاب جديد، من دون أن نحلها أبداً على المستوى الهيكلي، فيما يصبح العنف أقوى وأقوى»، وهذا ما قد يواجهه الأتراك بدءاً من اليوم بفعل دخولهم في عهد جديد، عنوانه «الحياة في ظل دولة أردوغان».
لكن قبل بزوغ اليوم الجديد، من المهم الإشارة إلى أنّ المراسل الدبلوماسي لصحيفة «لوموند» الفرنسية، مارك سيمو، نقل أمس عن دبلوماسي غربي قوله: «إنّ أزمة الجيش في تركيا عميقة، والصراع مع الشرطة الذي تفشّى أثناء الانقلاب يجعلنا نخشى صداماً أمنياً حقيقياً»، مضيفاً أنه «حتى لو بدا أردوغان الرابح الأكبر على المدى القصير، لكن لا يوجد إلا خاسرون».

  • بينار سيليك: لطالما كان العنف جزءاً من يومياتنا

    بينار سيليك: لطالما كان العنف جزءاً من يومياتنا (أ ف ب )

0 تعليق

التعليقات