هناك، في إحدى ضواحي العاصمة التونسية، كان لـ»الويك إند» طعم آخر، حيث أقامت مؤسسة روز لوكسمبورغ ندوة للدفاع عن حقوق المثليين والتنديد بكل أشكال رهاب المثلية الجنسية، وتبعتها بعد ذلك سهرة احتفالية... مرت بسلام. لكن، برغم هذا الطعم، لا أظنّ أن كمال أو «كاميليا» ـ كما يعرفونه في حيّه ـ قد علم بأن ثمّة من يدافع عن حقّه، فهو الذي يعيش حياته ببساطة ولا يملك أي وعي أو ثقافة، ولا ريب أنه لم يسمع بأن هناك جمعيات تنشط في البلاد للدفاع عن حقه، كي لا يطاوله العقاب القانوني الذي ينص عليه الفصل 230 من المجلة الجزائية، والذي يطالب اليوم نشطاء بإلغائه.
كمال شاب مثلي يسكن في حي صغير في قلب العاصمة، وهو أقدم الأحياء وأشهرها في تونس. هناك، يعرف الجميع بعضهم جيداً، حتى كمال الذي يلقبونه بكاميليا، وإن كانت ملامحه رجولية بامتياز، إذ لم يسبق أن رآه أحد بلا لحية. لكن، لم يتعرض هذا الشاب يوماً للمضايقة من أحد، وهو الذي يشارف اليوم على الأربعين. أهل الحي يذكرونه كما يذكرون غيره من أبناء الحي من المثليين بابتسامة، فهو صاحب طرفة ولبق السلوك واللسان، ولم يحدث أن تحرش به أحد، برغم ما ينسب إليه. فبحسب بعض من يعرفونه، قام كمال في إحدى المرات «بفعل فاضح أمام مقهى التريبينال في الحي، إذ أتحف جميع رواد المقهى برؤية ملابسه الداخلية النسائية (سترينغ)، حينما نزع بنطاله في قلب الشارع». يومها، أثار زوبعة من الضحك، ولكن لم تجعل تلك الزوبعة منه أضحوكة إلى الأبد، فـ»كاميليا» محبوب جداً، والكل يعرف بمثليته التي هي ربما سبب شهرته في أزقة الحي وعند شباب المنطقة.
كمال ليس استثناء في حيّه، وإن كان الأكثر شعبية، فثمة مثليون آخرون هنا، حتى أنه توجد في تونس أماكن لهو ومقاهٍ «شبه خاصّة بالمثليين». أو، هكذا تعارف عليها الناس هناك. واللافت في هذه الأماكن، أن الذكور هم الذين يظهرون مثليتهم، حتى يكاد مشهد رجل يرتدي ملابس نسائية ويلوّن وجهه بالمساحيق مشهداً عادياً. في حين، تصعب ملاحظة تلك الظاهرة بين النساء، وإن كانت موجودة فعلاً. فهنا، النساء متحفظات جداً، ويفضلن لأسباب كثيرة أن لا يعلم بالأمر أحد سوى الشريكة أو الأصدقاء المقربين. وإن تعمقنا أكثر، فلا بد من الإشارة إلى أن مجتمعاً كهذا عقيم يصعب عليه تقبل امرأة مثلية، وإن كان من ناحية أخرى يحتقر أيضاً الرجل «المخنث» أو «الديوث» كما يطلق عليه المجتمع العربي «المسلم». فبحسب هذا المجتمع، هو رجل فاقد لفحولته، أي «فاقد لكل أسباب الحياة». لكن، مع ذلك، يمكن لهؤلاء أن يعيشوا بأمان... فيما لو احتفظوا بسرهم وحدهم. ففي تونس، تستطيع أن تفعل ما تريد إذا حافظت على سرية ما تفعل. وإن كان الجميع يعلم بذلك، فلا تدعهم يرونك تفعله. هذا كل ما في الأمر.