أمضى سامي يوسف نحو 10 سنوات مديراً مالياً في صندوق الضمان معيّناً بالوكالة. كذلك كان يشغل مديرية شؤون مجلس الإدارة بالوكالة أيضاً. 12 مديرية في الضمان كلّها مشغولة بالوكالة منذ سنوات. يعيّنون لمدّة سنة، ثم يجدّد لهم بصورة شبه تلقائية في مجلس إدارة الضمان حتى يبلغوا السن القانونية فيتقاعدون حكماً، ليبدأ البحث عن بديل. قبل يوسف تقاعد كثيرون، إلا أن أياً منهم لم يترك فراغاً يؤدي إلى تعطيل معظم أعمال الضمان. إلا أن تقاعد يوسف خلق مشكلة جدّية، إذ ينص النظام الداخلي للضمان على صلاحيات المدير المالي الذي يوقّع كل إنفاق يزيد على عشرة أضعاف الحد الأدنى للأجور، أي إن كل مبلغ يزيد على 6.750 ملايين ليرة، لا يمكن أن يصرف من دون موافقته.
يستفيق صندوق الضمان يوم الاثنين على أزمة كبرى
إذاً، بتقاعد يوسف، وعدم تعيين بديل، يستفيق صندوق الضمان يوم الاثنين على أزمة كبرى. لن تُصرف مستحقات المستشفيات، ولن يُدفع لأي مضمون لديه فواتير تزيد قيمتها على 6.750 ملايين ليرة، ولن تُدفع سلفات عمليات القلب المفتوح، التي يتطلب معظمها توقيع المدير المالي، ولن يكون بإمكان الضمان تسديد تعويضات نهاية الخدمة... في المجمل، سيكون الضمان مشلولاً حتى تعيين بديل من يوسف يحلف اليمين القانونية ويباشر عمله.
قد لا يكون تعيين مدير مالي في الضمان بهذه البساطة. فالبحث عن بديل من يوسف لم يكن متروكاً لليوم الأخير على بلوغه السن القانونية، بل كان متداولاً قبل ثلاثة أسابيع عندما رفع المدير العام للضمان محمد كركي إلى مجلس الإدارة اقتراحاً يتضمن تعيين شوقي بو ناصيف مديراً مالياً بالوكالة لمدّة سنة. يومها، صوّتت غالبية أعضاء المجلس بالموافقة على هذا الاقتراح، إلا أن القرار لم يصبح نهائياً بسبب عدم وجود نصاب قطاعي في مجلس إدارة الضمان. في هذه الحال، تفرض قوانين الضمان إعادة التصويت على الاقتراح مرّة ثانية بعد 15 يوماً. والنصاب القطاعي كما نصّت عليه الفقرة الثامنة من المادة الثانية من قانون الضمان: «تتخذ القرارات في المجلس وفي هيئة المكتب بالأكثرية المطلقة ويكون للمندوب صوت واحد، وإذا تعادلت الأصوات فيكون صوت الرئيس مرجّحاً، على أن تكون الأكثرية التي صوتت في مجلس الإدارة للقرار المتخذ شاملة الأكثرية المطلقة لكل من ممثلي الدولة وأرباب العمل والأجراء (أعضاء المجلس 26 عضواً، 6 يمثلون الدولة والباقي مناصفة بين أصحاب العمل والعمال)، وإذا لم يتوافر ذلك في جلسة أولى، يدعى المجلس إلى جلسة ثانية للتصويت على ذات القرار بالأكثرية المطلقة لأعضاء المجلس من دون تمييز، على ألا يقل الفاصل بين الجلستين مدة أسبوعين».
ما حصل عند انعقاد الجلسة الثانية بعد 15 يوماً، هو أن بعض أعضاء مجلس الإدارة صوّتوا خلافاً لتصويتهم الأول، فسقط القرار. وتبيّن أن بين هؤلاء من تلقى اتصالات من البطريركية المارونية تعترض على تسمية "مسيحي" من غير ممثلي المسيحيين. كذلك، تبيّن أنه لم يكن هناك اتفاق على تعيين بو ناصيف، بل كان قراراً اتخذته إدارة الضمان بعيداً عن أي مشاورات مع الأطراف المسيحية المعنية، ولا سيما التيار الوطني الحرّ والقوات اللبنانية اللذينن كانا يرشحان ريمون حنّا لهذا الموقع... ما يدل على ذلك أنه في الجلسة الثانية، وجّه عضو مجلس الإدارة جورج علم كلامه إلى مدير الضمان محمد كركي قائلاً: «تتصرف كأن ما لك لك، وما لغيرك لك ولغيرك. نحن فئة أساسية».
وفي رأي بعض أعضاء المجلس المعترضين على تعيين بو ناصيف، أن اقتراح إدارة الضمان هو انقلاب على اتفاق سابق أفضى قبل فترة إلى تعيين رؤساء المصالح في الضمان، وأفضى أيضاً إلى «ابتداع» مديريتين جديدتين في هيكلية الضمان ليرتفع عدد المديريات من 12 إلى 14، وذلك من أجل تكريس توزيع طائفي ومذهبي مناسب للجميع، وبموجب اتفاق حمله عضو المجلس محمد حرقوص نقلاً عن رئيس مجلس النواب نبيه بري.
كان يفترض أن يقترح كركي سلّة من 14 مديراً، بينهم مسيحيان اثنان يتقاسمهما التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، والباقي يذهب إلى غير الملتزمين بمعراب والرابية، لكن كركي اقترح تكليف بو ناصيف فقط، ما ترك انطباعاً عند الآخرين أن هناك من يسعى إلى وضع الضمان تحت سيطرته من دون مشاركة أحد. أصدق تعبير عن هذا الوضع، هو أن مجلس الضمان ليس سيّد نفسه، ولا إدارة الضمان واللجنة الفنية، فالضمان ممثلاً بالمجلس وهيئة المكتب هو «مجلس ملّي» تتخذ فيه قرارات المحاصصة السياسية والصفقات المذهبية.