* ترجمة وتحرير: ناصر الأمينأصدرت مجموعة «Citi»، وهي إحدى أكبر مقدمي الخدمات المالية الاميركية، تقريراً موجزاً تحت عنوان "الاقتصاد اللبناني والرؤية الاستراتيجية: ما الذي يفعله مصرف لبنان؟ وماذا يعني للمستثمرين الدوليين؟"، تناولت فيه العمليات التي يقوم بها مصرف لبنان (منذ فترة) مع وزارة المالية والمصارف المحلية لزيادة احتياطاته بالدولار. يقول التقرير "إن هذه العمليات رتّبت آثاراً عدة، منها تدني أداء سوق السندات اللبنانية وفيضان السوق اللبنانية بالليرة غير القابلة للاستثمار إلا على مستوى محلي وانخفاض سيولة الدولار". وذكر أن تفاصيل هذه العمليات "ما زالت مجهولة"، إلّا أنه تمكن من استنباطها من خلال مراقبة آثارها على سوق السندات اللبنانية، إضافةً إلى الاحاديث مع مسؤولين في مصرف لبنان.
يشرح التقرير أن استنتاجاته مبنية على تحقيق قام به حول العمليات التي يقوم بها مصرف لبنان، موحياً بوجود نقص في المعلومات العلنية. ويستخلص كمن يفكّ أحجية: "أن مصرف لبنان يقوم بتطبيق عمليات مالية تبدأ بتبادل سندات دين بين مصرف لبنان ووزارة المالية، إذ استبدلت وزارة المالية سندات يوروبوندز، بقيمة ملياري دولار، بما يساويها من سندات الخزينة بالليرة اللبنانية. وبعد ذلك، قام مصرف لبنان بعملية تبادل ذات شقّين مع المصارف المحلية؛ تضمن الشق الاول من هذه العملية بيع سندات اليوروبوندز التي حصل عليها مصرف لبنان من الحكومة إلى المصارف اللبنانية، إضافةً إلى شهادات إيداع تساوي ما بين 1 إلى 3 مليارات دولار، ما أوصل مجموع ديون الحكومة التي اشترتها المصارف المحلية إلى ما بين 3 و5 مليارات دولار". ويتابع التقرير أن «Citi» استخلصت من الحديث مع مصرف لبنان "أن نصف كلفة هذه السندات موّلها مصرف لبنان عبر عمليات الاستبدال (إذ يبيع السندات إلى المصارف ثم يعاود شراءها بسعر أعلى، فتحسب القيمة المضافة على أنها فائدة)"، ولذلك توقعت «Citi» أن "لا تشكل السيولة بالدولار الداخلة إلى مصرف لبنان سوى نصف مبلغ الصفقة، أي حوالى 2.5 مليار دولار". أما الشق الثاني من عملية التبادل فتضمن "خصم مصرف لبنان (سندات خزينة بالليرة تحملها المصارف المحلية) تعادل قيمتها المبلغ في الشق الأول من العملية (3 إلى 5 مليارات دولار)"، مشيراً الى أن هذا "الخصم" "حقق أرباحاً فورية مهمة للمصارف، تساوي ما بين مليار وملياري دولار، تقاسمتها مع مصرف لبنان. كذلك فرض على المصارف أن تضع باقي أرباحها كمؤونات لمواجهة أعباء تطبيق معيار المحاسبة الدولي IFRS9، الذي يفرض على المصارف تشكيل مؤونات مقابل محفظة تسليفاتها، تتوافق مع مستويات المخاطر في هذه المحفظة".
أرباح فورية مهمة للمصارف تساوي ما بين مليار وملياري دولار

يشير تقرير «Citi» إلى عدد من النتائج المترتبة على هذه العمليات، التي أقدم عليها مصرف لبنان، منها، بحسب التقرير، تحسن في وضعية الدين اللبناني، "إذ إن التبادل بين مصرف لبنان ووزارة المالية ساعد الحكومة على تخفيف كلفة الدين بالليرة". ويضيف التقرير أن هذه العمليات "رفعت من احتياط مصرف لبنان بالدولار بقيمة الأرباح المحققة من التبادل، أي ما بين 1.5 إلى 2.5 مليار دولار"، ولكنها "أدت إلى ارتفاع السيولة بالليرة لدى المصارف"، متوقعاً "أن تقوم الحكومة بامتصاصها". في المقابل "انخفضت السيولة بالدولار في السوق إثر استخدام المصارف إياها لشراء يوروبوندز وشهادات إيداع". وقدر التقرير "الانخفاض في السيولة بالدولار بنحو 2.5 مليار دولار، أي ما يوازي ثلاثة أشهر من تدفق الودائع إلى النظام المصرفي".
يرى التقرير أن "لهذه العمليات أثراً على أسواق اليوروبوندز، خاصةً لجهة انخفاض السيولة بالدولار نتيجة شراء المصارف المحلية لليوروبوندز وشهادات الإيداع، ما أدى إلى غياب المصارف المحلية عن سوق الأسواق الثانوية لأكثر من شهرين".
يشير التقرير إلى أن الوضعية الكليّة للاقتصاد اللبناني لا تشجع بشكل عام، مع ازدياد وتيرة الانزلاق المالي، في وقت ليس بمقدور القطاع المصرفي تمويل الحكومة إثر الضغوط المتزايدة نتيجة الانخفاض في معدلات نمو الودائع، ومع استمرار النمو الاقتصادي على وتيرته الضعيفة (نحو 1%)، تظهر الأرقام أن السندات اللبنانية ما زالت أسعارها مرتفعة مقارنةً بـ«الدول الناشئة». ولكن التقرير لا يرى أن أنماط أسعار السندات الحالية هي نتيجة التدهور الاقتصادي، بل هي، برأي «Citi»، نتيجة تعرضها لانحرافات في ظل الدعم التي تتلقاه من قبل المصارف اللبنانية (المدعومة بكميات هائلة من أموال لبنانيي الشتات)، التي تملك ما بين 80% إلى 90% من سندات اليوروبوندز اللبنانية. ويضيف التقرير أن هذا الدعم قد أدّى إلى شرخ بين العوامل الكلّية وأسعار السندات، إذ تعكس الأخيرة درجة سيولة القطاع المصرفي اللبناني وقوة ميزانيته. ومن هذا المنطلق، يجد التقرير أن الأثر السلبي على سيولة الدولار نتيجة عمليات مصرف لبنان، تؤمّن شرحاً أفضل لتدني أداء السندات اللبنانية.
وتوقع التقرير تحسن السوق خلال الفترة المقبلة "بعد أن عُلم من مصرف لبنان أنه أنهى جميع عمليات التبادل". وذلك لأنه بعد شراء القطاع المصرفي لليوروبوندز وشهادات الإيداع، والذي أضعف سيولة الدولار لدى القطاع، ستساهم الإيداعات التي تأتي إليه من الخارج في إعادة المصارف اللبنانية إلى الاسواق الثانوية. كذلك فإنه ليس من المتوقع قيام وزارة المالية باستغلال سوق اليوروبوندز خلال الأشهر المقبلة، وذلك بناءً على ما قاله مصدر في مصرف لبنان لـ«Citi»، إذ إن الحكومة قد أصدرت سندات تساوي حوالى 2 مليار دولار، علماً بأنه يوجد سقف لكمية اليوروبوندز التي يسمح للحكومة بإصدارها.