برغم مرور 60 عاماً على إقرار مشروع الأوتوستراد الدائري، الممتد من خلدة إلى ضبيه، والمُفترض أن يحلّ أزمة السير على مداخل مدينة بيروت، إلّا أنه لم ينفّذ حتى اليوم، ما دفع باصحاب العقارات المستملكة الى ممارسة الضغوط من اجل تحرير عقاراتهم، فصدر في آذار 2015 قرار عن مجلس الوزراء (القرار الرقم 18) قضى بإزالة إشارات الاستملاك عن العقارات الواقعة في نطاق مخطط هذا الاوتوستراد، لكن "مجلس الإنماء والإعمار" اعتبر ان المشروع ضروري، فأعاد تقديمه إلى مجلس الوزراء، منذ شهرين، وفق اقتراح وشكل جديدين. يشرح المهندس إيلي حلو لـ"الأخبار" ان مجلس الإنماء والإعمار جمع كلّ الدراسات السابقة حول المشروع، وعمل على دراسة جديدة، بتوجيه من الحكومة، قلّل فيها عدد الإستملاكات وبالتالي كلفتها، مع المحافظة على الناحية الهندسيّة والفنيّة والمواصفات العالية والترابط بين المناطق. في شكله الجديد، تراوح حدود حرم الأوتوستراد بين 30 – 35 متراً، وهو مؤلّف من جسر علوي للسير السريع، وتحته مسار للنقل العام وإلى جانبيه طريق خدمة. أمّا شبكة الطرقات المرتبطة به فتشمل تخطيطات لمداخل بيروت، وهي وصلة الكرنتينا – جسر الباشا، أي الطريق الموازية لنهر بيروت (نفّذت عام 2000). أوتوستراد طريق المطار – الحازمية (نفّذ عام 2000). طريق الشويفات – حارة حريك – شاتيلا (نفّذ جزء منها). وصلة كورنيش النهر – برج حمود – البوشريّة مع وصلة برج حمود – الأشرفيّة (غير منفّذة). وصلة الحدث – طريق المطار (غير منفّذة).
المعترضون على الأوتوستراد الدائري يؤيدون مشروع "لينور"

الفائدة بعد 60 عاماً

صدر المرسوم الرقم 5821 المتعلّق بالتصديق على التصاميم التفصيليّة لتخطيط شبكة الأوتوسترادات في ضواحي مدينة بيروت، أو المعروف بالأوتوستراد الدائري، عام 1966 في عهد الرئيس فؤاد شهاب. وضعه المهندس الفرنسي إيكوشار، على أن يمتدّ من خلدة إلى طبرجا مروراً في عالية وبعبدا والمتن الشمالي وصولاً إلى ضبيه، بطول 21 كليومتراً، حينها وضعت الدولة إشارات على آلاف العقارات الخاصّة غير المأهولة التي سيمرّ فوقها، من دون أن تدفع بدل استملاكها. اندلاع الحرب اللبنانيّة أجّل المشروع، قبل أن تغيّر حكومات ما بعد الحرب مساره، فتعدّل 7 مرّات وصولاً إلى المرسوم الرقم 723 الصادر عام 2007. خلال السنوات الستين من عمره، أُعدّت ثلاث دراسات في "مجلس الإنماء والإعمار" حوله، بداية كان بعرض 70 متراً وعبارة عن خمسة مسارب، قبل أن يصبح بعرض يراوح بين 30-35 متراً.
السبب الأساسي الذي يعيق التنفيذ بحسب "مجلس الإنماء والإعمار" هو "عدم إنجاز الإستملاكات بسبب كلفتها العالية. أمّا الفائدة المترتبة عليه بعد مرور ستين عاماً على التخطيط له ومدى ملاءمته لما أضحت عليه مدينة بيروت اليوم، واكتظاظ محيط الأوتوستراد بالسكّان مع إنتقال مهجّري الحرب اللبنانيّة إلى مناطق جبل لبنان الساحليّة، وتصغير المسارب وقدرتها على استيعاب حركة السير، فتفيد دراسات المرور والجدوى الاقتصاديّة المنجزة في مجلس الإنماء والإعمار أن الأوتوستراد "سيخفّف من الضغط والإزدحام على الشوارع الداخليّة نظراً للمخارج والمداخل التي ستتفرّع عنه وتؤمّن التواصل بين أجزاء البلدات المختلفة. كما أنه سيصل أوتوستراد الجنوب بأوتوستراد الشمال (من نهر الكلب إلى العقيبة) عبر طريق سريع، عوض المرور في الطرقات الحالية المكتظّة بالسيارات، فيما سيتصل بالأوتوستراد العربي في الحدث، وبمناطق من مدينة بيروت فيجري الدخول إلى العاصمة من الجنوب والشرق والشمال بواسطة طرق سريعة تخفّف الزحمة عند مداخلها".

ما الأضرار المترتبة؟

على الرغم من اهميته الحيوية، الا ان الاوتوستراد الدائري يواجه معارضة من اصحاب الاملاك المستملكة. يقول النائب نبيل نقولا انه لا يحقّ لـ"مجلس الإنماء والإعمار" أن يعيد طرح مشروع مُلغى أساساً إلّا إذا كانت أمواله متوافرة، وتالياً فإن "التمويل لناحية تنفيذ الاستملاكات يرتّب على خزينة الدولة أكثر من ملياري دولار وهي غير متوافرة، ما يعني أن "الإنماء والإعمار" يتعاطى بأمور قانونيّة ليست من صلاحياته". ويعتقد نقولا ان الإصرار على تنفيذ المشروع برغم عدم توافر التمويل يعود إلى وجود "نيّة لنسف مشروع الأوتوستراد البحري؛ أولاً لأن كلفته الماديّة والبيئيّة أقل. ثانياً لأنه سينفّذ بعد إجراء مناقصة تلزيمه إلى القطاع الخاصّ بعيداً من الصناديق التي تدرّ أرباحاً على جيوب المسؤولين. ثالثاً لتشكيله خطراً على سوليدير وأسهمها التي ستنخفض حكماً لاستقطاب الأوتوستراد البحري الناس إليه". أمّا بالنسبة لسكّان المناطق المحيطة بالمشروع فالضرر أكبر؛ أولاً لكون مسار الأوتوستراد كان ملحوظاً في مناطق بعيدة عن الأماكن السكنيّة الأهليّة، إلّا أن الهجرة الداخليّة خلال وبعد الحرب، وتنامي المدن وازدياد الكثافة السكانيّة، جعلت هذه المناطق امتداداً للبلدات والمدن التي يفترض أن يمرّ بها، وأصبحت جوانبه حيث العقارات المستملكة مُحاطة بالمناطق السكنيّة. ثانياً لكون تنفيذه سيقسم البلدات ويمنع التواصل بين السكّان. ثالثاً لأن تعديل عرضه من 70 متراً إلى 30 متراً (أي من 5 مسارات إلى 3 مسارات) لن يخفّف زحمة السير بل سيفاقمها عكس الغاية التي وضع لأجلها. رابعاً بسبب التلوث والأمراض التي سيسبّبها لقرب مسار السيارات من الوحدات السكنيّة.

المشاريع البديلة

بهدف نزع الإشارات عن العقارات المستهدفة، يطرح المعترضون تبني مشروع الأوتوستراد البحري، الذي يمرّ فوق البحر وتتفرّع منه مخارج إلى المدن الساحليّة. الا ان هذا المشروع يرتبط ارتباطا وثيقا بمشروع "لينور" الذي طرحه كلّ من ميشال المرّ ونعمة طعمة في منتصف تسعينيات القرن الماضي، ووافق عليه مجلس الوزراء، وهو يقوم على ردم مساحات كبيرة من البحر، وبالتالي يؤدي الى استحداث عقارات جديدة قابلة للاستثمار من قبل النافذين، وهذا ما يجعل البعض متحمسا لالغاء الاوتوستراد الدائري لتبرير المطالبة بمشروع "لينور".
بحسب أمين سرّ المجلس الوطني للسلامة المروريّة رمزي سلامة، يمكن استبدال هذه المشاريع بتطوير وسائل النقل المشترك وتغيير النظرة اللبنانيّة إليها بدل استحداث طرق جديدة،، مع ما يتبعه من جدوى اقتصاديّة وآثار إيجابيّة في الحدّ من زحمة السير وهدر الوقت، والتقليل من نسبة التلوثّ عبر التخفيف من استهلاك المواد النفطيّة. وهناك من يطرح زيادة مسرب على الأوتوستراد الحالي، إذ يقدّم النتيجة نفسها ويخفّف زحمة السير. وهناك إمكان لتنفيذه، إذ لا حاجة للقيام باستملاكات جديدة، لأنها موجودة في التراجع على جانبيه، ولا يمثّل خطراً بيئياً جديداً أو إضافياً على المنطقة.




800 ألف متر مربّع

في عام 2006 عُدّل قانون الاستملاك الرقم 58 وذُكر في المادة 17 منه أن "مراسيم تصديق التخطيط التي انقضى على صدورها أكثر من 20 سنة تبقى سارية المفعول لمدة أقصاها ثماني سنوات من تاريخ نشره، فإذا انقضت المهلة ولم تقرّر الإدارة المعنية المباشرة في تنفيذ الاستملاك، اعتبر المرسوم كأنه لم يكن ومن دون أي مفعول، ووجب على الإدارة المختصّة أن تطلب من أمين السجل العقاري ترقين القيود الناتجة عنه". عام 2014 ومع انقضاء هذه الفترة المحدّدة من دون تنفيذ المشروع، بات المرسوم باطلاً حكماً، فقرّر مجلس الوزراء عام 2015 بموجب القرار الرقم 18 إزالة الإشارات عن العقارات المُصابة بالتخطيط، وتبليغ الدوائر الرسميّة ذلك، إلّا أن هذا لم يحصل، مع الإشارة إلى أن مساحات الاستملاكات تبلغ نحو 800 ألف متر مربّع.