في السادس من آب من عام 2014، أعلن الناطق باسم «داعش»، أبو محمد العدناني، أنّ «مجاهدي الدولة قاموا بإزالة الحدود» بين سوريا والعراق. كانت أعلام «الخلافة» تُرفرف من ريف حلب إلى الموصل، عبر طريق واحد كَسَر الجغرافيا، ليتظّهر البعد الواحد للمعركة. اليوم، بـ«مساعدة» التنظيم الإرهابي، تضع أنقرة عيناً على الموصل وأخرى في حلب والرقة. النظرة ذاتها في واشنطن وطهران وموسكو وغيرها من العواصم الفاعلة: الجميع يرى في سوريا والعراق ميداناً واحداً بلاعبين موحدين أو متشابهين. «كسر الحدود» لم يعد حكراً على «داعش»؛ فقوات «الحشد الشعبي» مثلاً لديها رؤيتها المتخطّية للعراق، والأكراد موجودون في قلب خارطة الصراع من عفرين إلى أربيل.وجود «التحالف الدولي» سعّر السباق على كسب مناطق سيطرة «داعش». في كل بقعة يوجد فيها التنظيم كان التنافس على وراثته على أشدّه. طالما كانت المسألة في مواجهة «داعش» هي في اليوم الذي يلي التحرير، لذلك الاشتباك السياسي يغلي فوق الموصل، وهو كذلك في الرقة. واشنطن تريد جنيَ أراضي «كسر الحدود» من الرقة إلى الموصل مروراً بدير الزور، حيث تكون للاعبيها وأدواتها الإدارة المباشرة. وتبعاً لذلك، تعيش بغداد حرب إرادات غير مسبوقة عنوانها دور «الحشد الشعبي» وشكل التدخّل التركي. وهذا ينسحب على الرقة حيث أعلنت «قوات سوريا الديمقراطية» أنها أخذت الضوء الأخضر الأميركي لاستكمال العمليات في ريف المدينة لتطويقها قبل الانقضاض عليها. هنا يحضر اللاعب التركي أيضاً الرافض تحجيم دوره أمام «عملاق» كردي يكبر على حدوده، فيما موسكو ودمشق (ومعهما طهران) يعملان على قطع طريق «الباب» (ريف حلب الشرقي) أمام أنقرة، لتثبيت معادلة الخطوط الحمر مع تركيا. لكن واشنطن تسرع الخطى نحو قطف ثمار معارك الموصل والرقة لمصلحتها، وتكون في سلّة واحدة تضع دير الزور في الوسط كتحصيل حاصل، وتستثمر إنجازاً لها ولتحالفها. وهي اليوم بحاجة إلى أي قوّة عسكرية، كردية أو تركية أو عربية، لتنضج سريعاً ظرفاً ميدانياً تسبق فيه الأطراف المتخاصمون.
ولهذا هي تضغط على حيدر العبادي ليعيق مشاريع «الحشد» مقابل تتويجه شريكاً في النصر المفترض، كذلك تتعامل بـ«المفرّق» مع الأطراف الشركاء عندما رأت أن لا مجال لجمعهم في إطار واحد (معركة الرقة مثالاً). وقد يكون تصريح وزير الدفاع أشتون كارتر أمس دليلاً واضحاً على هذا المنحى: «سنواصل الحديث مع تركيا بشأن دورها، لكننا نمضي قدماً بالقوة المؤهلة للسيطرة على الرقة وفق خطتنا».